أعادت مقاطع الفيديو التي نشرها وينشرها تباعا الفنان والمقاول المصري محمد علي، لفت الأنظار إلى "إمبراطورية البزنس" التي يمتلكها ويديرها الجيش في مصر، ومدى تأثيرها على الدورة الاقتصادية في البلاد، وحجم التشوهات في ثاني أكبر اقتصاد عربي، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفسير سبب تراجع المستوى المعيشي للسكان والصعوبات المالية والاقتصادية التي يعانيها أغلب الناس.
الفنان محمد علي بطل فيلم "البر التاني" يمكن وصفه بأنه "منشق عن الجيش" أو "منشق عن النظام"، لكونه ابن "إمبراطورية البزنس" التي يسبح في نعيمها عدد من الجنرالات واللواءات. ومقاطع الفيديو التي نشرها تباعا تشكل شهادة بالغة الأهمية تؤكد ما ذهب إليه الكثيرون في السابق، وخلاصته أن استمرار الأوضاع الاقتصادية على حالها في مصر، سوف يعني بالتأكيد حدوث مزيد من التدهور الاقتصادي والتراجع في سعر صرف العملة، وبالتالي انزلاق أعداد أكبر من المصريين نحو هاوية الفقر والحاجة وغلاء الأسعار، وعدم القدرة على سد حاجاتهم الأساسية.
كتبنا سابقا في هذه الزاوية من "القدس العربي" وأكثر من مرة عن أزمة الاقتصاد المصري، وأنه إذا استمرت الدورة الاقتصادية على حالها، فهذا معناه المزيد من الهبوط في سعر صرف العملة المحلية، والمزيد من التراجع في الاحتياطي الأجنبي، والمزيد من الارتفاع في المديونية العامة، وما توقعناه في عام 2015 حدث فعلا في الأعوام التالية، باستثناء أن الاحتياطي الأجنبي قد ارتفع ولم ينخفض، وهذا كمؤشر مجرد أمر ممتاز، لكن الكارثة أن صندوق النقد الدولي، أقرض مصر 12 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يعني أن ارتفاع الاحتياطي كان مرتبطا بزيادة في المديونية، بل إن المديونية ارتفعت أكثر بكثير من ارتفاع الاحتياطي النقدي الموجود لدى البنك المركزي. وبلغة الأرقام فإن المديونية الخارجية العامة لمصر سجلت ارتفاعا فلكيا خلال السنوات والشهور الماضية، حيث كانت تبلغ 46 مليار دولار فقط في نهاية عام 2015، بينما تبلغ اليوم 106 مليارات دولار، والكارثة أنها خلال العام الأخير فقط، ارتفعت بأكثر من 20%، وبلغة الأرقام استدانت مصر أكثر من 18 مليار دولار خلال الشهور الـ12 الماضية.
ارتفاع المديونية وهبوط سعر صرف الجنيه المصري، أديا إلى ارتفاع كبير في نسبة التضخم، حيث وصلت هذه النسبة إلى 34% في منتصف عام 2017، وهي الأعلى في تاريخ البلاد، ما يعني أن أسعار السلع والمواد الأساسية تسجل ارتفاعات حادة جدا ومتلاحقة وتتآكل تبعا لذلك القوة الشرائية للعملة المحلية، ما يعني في نهاية المطاف اتساع رقعة الفقر وزيادة أعداد المحتاجين.
الشهادات التي أدلى بها محمد علي تؤكد على أنه خلال الفترة التي كان يتم فيها تشييد القصور والفنادق والمشروعات العملاقة التي تكلف المليارات، كانت خزينة الدولة تغرق في المديونية أكثر فأكثر، فخلال السنوات الأربع الماضية ارتفعت المديونية بواقع 60 مليار دولار، أي أن مصر تقترض نحو 1.2 مليار دولار شهريا، وهذا رقم ضخم وفلكي بكل المقاييس، ويعني أن الأجيال القادمة ستظل لعقود طويلة تدفع الثمن.
الأزمة الاقتصادية في مصر لا يمكن حلها بمزيد من القروض والديون، ولا يمكن حلها بمشاريع لتشييد فنادق ذات سبع نجوم ولا عاصمة إدارية جديدة، ولا توسعة لقناة السويس، وإنما تحتاج البلاد لعملية تصحيح اقتصادي شاملة، تبدأ بفصل الجيش عن الاقتصاد، وفصل السياسة عن "البزنس"، وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص حتى يقوم بدوره الطبيعي، ويساهم في الدورة الاقتصادية المعتادة، وما لم يحدث ذلك فمصر أمام مزيد من التدهور الاقتصادي الذي سيؤدي حتما إلى مزيد من الفقر وسيؤدي أيضا إلى ظهور مزيد من الضحايا الذين يشبهون محمد علي ممن عملوا ضمن هذه الدائرة المشوهة وانتهوا من دون الحصول على مستحقاتهم.
عن صحيفة القدس العربي اللندنية
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.