خلال السنوات الأربع الماضية شهدت 26 دولة إفريقية نقلاً للسلطة، بينها دولتان عربيتان وهما السودان والجزائر، وهو مستوى من التحول السياسي لم يسبق له مثيل منذ التسعينات. وفي معظم الحالات يهزم مرشح المعارضة شاغل المنصب في الانتخابات ويتولى السلطة، مما فتح الباب أمام تحول هام في مشهد القارة الإفريقة بشكل كبير، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن نهاية ديكتاتور لا تمنع بالضرورة ظهور آخر جديد، ففي العديد من الدول الإفريقية تقوم الديمقراطية على أسس هشة، وقد ظلَّ احترام الحريات المدنية والسياسية في إفريقيا يتناقص منذ سنوات، وكذلك نسبة الأفارقة الذين يعيشون في دولة ديمقراطية. ويواصل المستبدون تزوير الانتخابات، وقمع المعارضين السياسيين وتنظيم الانقلابات.
ما الذي يصنع الفرق إذاً بين التسليم الديمقراطي للسلطة والانتقال المحكوم عليه بالفشل؟ الطرف الذي يدين له الجيش بالولاء، حين تدعم قوات الأمن حزب ديكتاتور سياسي في مواجهة المعارضة، مثلما هو الحال في توغو وزيمبابوي، يظل النظام القديم في السلطة إما عن طريق تنظيم انقلاب أو تزوير الانتخابات، لكن حين أطاحت قوات الأمن برجال السلطة، مثلما حدث في السودان والجزائر، أو ظلَّت محايدة، كما في إثيوبيا وأنغولا، أصبحت هناك فرصة لتغيير النظام السياسي جذرياً من خلال انتخابات حرة بامتياز وسلمية ونزيهة.
تُظهر أبحاث أُجريت مؤخراً عن الولاء العسكري أنَّ دعم قوات الأمن للمعارضة أو رجال السلطة ليس بالأمر العشوائي. وثمة خمسة عوامل تساعد في توضيح متى يُسهم الجيش في انتقال ديمقراطي، ومتى يقوضه، بحسب المجلة الأمريكية.
1. احتجاجات واسعة وشاملة وسلمية.
أحد الأسباب الرئيسية لتغيير القيادة الإفريقية مؤخراً هو العدد غير المسبوق من الاحتجاجات الجماهيرية السلمية. وعادة ما ترى الجيوش أنّ دورها يتمثل في الدفاع عن بلادها، وغالباً ما تتردد في ممارسة العنف ضد المتظاهرين السلميين، لذا كلما كان المحتجون أكثر توحداً في توجهاتهم الدينية أو العرقية أو الاقتصادية كان من الصعب على قوات الأمن قمع الانقسامات بينهم أو استغلالها. والجيوش التي تجند جنودها الأدنى مرتبة من الفئات الاجتماعية والاقتصادية المهمشة أو التي تمثل المجتمع على نطاق واسع تجد صعوبة كبيرة في وقف الاحتجاجات الكبيرة، مثلما حدث في سقوط الطغاة في السودان وإثيوبيا والجزائر.
2. التجنيد العسكري والترقية على أساس الجدارة.
بعد الحروب الأهلية، تعمل العديد من الدول الإفريقية على دمج جيوشها في الوحدات التي قاتلت على جبهات مختلفة وتمثل مناطق مختلفة. وتُظهر الأبحاث أن هذا يحسن بشكل كبير من فرص السلام الدائم، مثلما حدث في جنوب إفريقيا. وبصورة أشمل، إذا كان القادة المدنيون والعسكريون يجنّدون ويرقّون على أساس الجدارة لا على أساس الولاءات العرقية أو غيرها، فمن الأرجح أن يدفع هذا الجيش إلى دعم -أو على الأقل عدم معارضة- الانتقال الديمقراطي. قد يمنح الطغاة الأفارقة الذين يؤسسون جيوشهم على أسس دينية أو عرقية أو قبلية قواتهم حوافز لقمع الديمقراطية، لكنهم يخسرون أيضاً الكفاءة العسكرية ويخاطرون بإمكانية شنّ بعض الفئات المهمشة لانقلابات عسكرية وقيادة حركات تمرد.
3. تلبية الاحتياجات المؤسسية للجيش.
تميل قوات الأمن إلى احترام مصالحها المؤسسية -الميزانيات والرواتب وفرص التدريب والعتاد- أكثر من أي شيء آخر. في بعض البلدان، مثل السنغال وتونس، يستهلك الجيش موارد قليلة، وليس له دور يذكر في السياسة الوطنية ويتنافس مع قوى أمنية موازية قوية مثل الشرطة أو الحرس الرئاسي. ويتضاءل احتمال استغلال المستبدين لهذه الجيوش ضد شعوبهم، وتقل احتمالات تدخلهم بعد التوصل إلى تسوية ديمقراطية. في تونس، كان يشرف على الجنود جهاز شرطة قوي، ومُنعوا من المشاركة السياسية، ونادراً ما شاركوا في قمع الانتفاضات الشعبية. ونتيجة لذلك، لم يدعم الجيش استمرار الحكم الاستبدادي خلال الربيع العربي عام 2011، وساعد في بناء الديمقراطية الناشئة في تونس.
لكن في بلدان أخرى، كانت قوات الأمن هي القوى السياسية المهيمنة. ففي زيمبابوي ومصر، ترتبط قوات الأمن ارتباطاً وثيقاً بالأحزاب السياسية الرائدة، وتستفيد من النظام. وفي مثل هذه الحالات، يمكن لهذه القوات منع أي تغيير حكومي. في زيمبابوي، على سبيل المثال، أدى تحالف الحزب الحاكم الوثيق مع الجيش إلى إحباط الإصلاحيين داخل وخارج النظام، الذين يريدون الحد من فساد الجيش وسيطرته الاقتصادية ونفوذه السياسي. في عام 2017، حمى الجيش مصالحه بإزاحة روبرت موغابي بعد أن قضى 37 عاماً في الرئاسة.
حين ترتبط الجيوش بأولئك الموجودين في السلطة ارتباطاً قوياً، فمن المرجح أن يأتي التغيير الديمقراطي ببطء شديد، وأن يتطلب نوعاً من الاتفاقات والتنازلات للنظام القديم.
4. يوجد تفاهم متبادل بين كبار القادة العسكريين وقادة المعارضة.
حتى حين تقمع قوات الأمن الديمقراطية، يمكن للقادة السياسيين الذين تجمعهم علاقات شخصية قوية بالقادة العسكريين استخدام سياسة الجزر والعصي والضمانات والتنازلات لإقناع الجيش باحترام إرادة الشعب. لننظر إلى رئيس وزراء إثيوبيا الإصلاحي، أبي أحمد، العقيد السابق بالجيش وضابط المخابرات: لقد مكنت خبرته نظامه من البدء في رفع الأحكام العرفية، والإفراج عن السجناء السياسيين، والبدء في الحد من العنف العرقي والحدودي.
الأمر المهم أيضاً أن جماعات المعارضة المدنية تعلم كيف تتواصل مع قوات الأمن في بلادها. إذ ساعدت جماعات المعارضة في السودان جزئياً في إنهاء حكم البشير، من خلال توجيه نداء مباشر إلى قوات الأمن بالابتعاد عن العنف، والمحافظة على وحدتها وتنظيم اعتصامات أمام مقر قيادة الجيش.
5. المساعدة الخارجية تقل جدواها عند بناء القدرات التكتيكية وتزداد عند الحد من الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
الجهود الأمريكية لدعم الجيوش الإفريقية كانت تعني في المقام الأول توفير التدريب والمعدات. ولم تثبت جدوى ذلك كثيراً في الحدّ من الإرهاب أو تعزيز الاستقرار السياسي. وتشير أبحاث حديثة إلى أن برامج الدعم التي تركز بدرجة أكبر على بناء مؤسسات دفاعية يمكن محاسبتها، وتحسين الرقابة المالية، وغرس معايير حقوق الإنسان، أظهرت نتائج مشجعة. وتقترن هذه الأنواع من الجهود بانخفاض مستويات العنف السياسي والقمع الحكومي. ويمكن أن تساعد في ضمان عدم استغلال الجيوش لقمع المعارضة والاحتجاجات الديمقراطية، على النقيض مما يحدث في رواندا وزيمبابوي، حيث تُستخدم قوات الأمن عادةً لارتكاب أعمال عنف ضد المعارضين السياسيين.
لقوات الأمن الإفريقية تاريخ طويل ومعقد، وغالباً ما تتصدر عناوين الصحف حين ترتكب فظائع أو تقمع المتظاهرين أو تشن انقلابات وتستولى على السلطة، لكن يمكن للقوات الإفريقية أن تسهم في الديمقراطية والسلام حين تتخلى عن أسلحتها أو ترفض الأوامر بتوجيهها إلى الشعب.