قالت صحيفة الأخبار اللبنانية، الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 2019، إن الحكومة المصرية أصدرت تعليمات مشددة تمنع فيها سفر جميع المقاولين المصريين المتعاقدين مع الجيش المصري، وطلب القيام بتحقيقات أمنية بشأنهم واحداً واحداً، لتجنّب تكرار أزمة المقاول المصري محمد علي.
وبدأت إدارات الجيش المصري بمراجعة جميع الملفات الخاصة بتعاقدات نُفذت خلال السنوات الماضية مع الجيش بطريقة مباشرة أو جرى فيها التعاون بشكل غير مباشر مع شركات خاصة.
وبدأت تحقيقات مماثلة من الوزارات الحكومية، إذ كلف وزير الإسكان عاصم الجزار، قطاعات الوزارة بالتحقيق وإعداد تقارير عن الشركات التي تم التعامل معها، مع دراسة الطرق البديلة في التعاقد مستقلاً مع المقاولين.
فيما تحدث رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، في وقت سابق، عن "التعاون مع القطاع الخاص لتحقيق طفرة في الصناعة"، معلناً أن الدولة ستدعم من ينتج أكثر.
وقال مدبولي إن الحكومة "تكسر الإجراءات البيروقراطية التي مرّت عليها عشرات السنين، وتتخذ الإجراءات اللازمة لتهيئة مناخ أفضل الاستثمار"، مشدداً على أنها تقف في ظهر القطاع الخاص.
رُهاب محمد علي
وتأتي هذه القرارات بعد مجموعة من الفيديوهات قام بنشرها مقاول الجيش ورجل الأعمال المصري محمد علي، والذي تحول بين ليلة وضحاها إلى الشخصية رقم واحد في الفضاء الإلكتروني، وتحول هاشتاغ #محمد_على_فضحهم إلى تريند مستمر لأيام.
وأصبح علي حديث الشارع المصري منذ أن بدأ قبل أيام قليلة بنشر فيديوهات على حساباته في مواقع التواصل، يكشف فيها عن فساد كبير في مؤسسة الجيش، و"إهدار المال العام من قِبَل الرئيس عبدالفتاح السيسي".
وتصدَّرت تصريحات علي -وهو صاحب شركة أملاك للمقاولات- وسائل إعلام عربية، وبات المصريون والعرب المهتمون بـ"قضايا الفساد في مصر" التي تحدَّث عنها علي، يترقبون مقاطع الفيديو التي ينشرها الواحد تلو الآخر على حساباته.
إذ يتحدث الرجل بلغة شعبية جريئة وخفة الظل لا ينكرها حتى خصومه.
والأهم من كل ذلك أنه يمتلك كماً صادماً من المعلومات، حيث عمل مقاولاً من الباطن لمشاريع مدنية تابعة للجيش لسنوات، وبحكم تلك العلاقة اطلع على كثير مما يحدث خلف أستار الجيش.
يُشار إلى أن "عربي بوست" سبق وأن انفرد بنشر خطة التصدي لمحمد علي، والتي كشفت مصادر خاصة للموقع أن نجل الرئيس المصري محمود السيسي يشرف عليها شخصياً.
خطة التصدي لمحمد علي يشرف عليها محمود السيسي شخصياً
القنبلة التي فجّرها محمد علي بنشره معلومات متعلقة بذمة السيسي المالية شخصياً، وذمة زوجته السيدة انتصار، وحديثه عن إهدارهما المال العام، فضلاً عن حديثه عن كيف تدار الأمور الاقتصادية داخل المؤسسة العسكرية المصرية، وما يشوبها من فساد وبلطجة، أصابت الرئاسة وقيادة الجيش بالارتباك.
على حد تعبير أحد العاملين بإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، والذي كشف خطة التعامل مع الموقف قائلاً: "في العادة التعامل مع كل ما يخص سمعة واسم الجيش إعلامياً هو من اختصاصنا، أو على الأقل يتم بالتنسيق معنا، لكن أزمة محمد علي تحديداً تُدار بعيداً عنا".
فالمسؤول المباشر عن التعامل معها هو وكيل جهاز المخابرات العامة العميد محمود السيسي (نجل الرئيس)، الذي وضع برنامج التعامل مع الأزمة على عدة محاور:
المحور الإعلامي.. اللجوء لأسماء غير تقليدية
في البداية كان الاعتماد سيتم على برامج التوك شو المعتادة وبعض المواقع التابعة.
لكن فوجئ الجميع بحجم المشاهدات والتجاوب مع فيديوهات محمد علي، وهو ما استوجب استدعاء أسماء أخرى ليس معتاداً لها التورّط في تلك القضايا مثل الباحث في التراث الإسلامي المثير للجدل إسلام البحيري والمذيع أدهم الكموني وآخرين، علَّهم ينجحون في تفنيد حديث محمد علي، وهو التفنيد الذي فشل فيه أسماء إعلامية تقليدية مثل محمد الباز ومصطفى بكري.
وحين بدا أن عناصر الدولة غير قادرة على الاشتباك وحسم المعركة لصالحهم، تقرر في اللحظة الاخيرة أن يلقى السيسي بكارته الأخير (وزير الدفاع شخصياً) الذي أصدر بياناً قال فيه: إن رجال القوات المسلحة سيظلون جديرين بالثقة التي أولاها لهم الشعب بالصدق والولاء للوطن بكل شجاعة وشرف.
المحور المالي.. محمد علي يعيد للمقاولين حقوقهم
المحور الثاني وهو المحور الهام في خطة التعامل مع أزمة محمد علي وهو الشق المالي،
وخطة التعامل مع ذلك تسير على خطين متوازيين: الأول يقتضي تسكين أي متعامل مع الجيش ولديه أزمة وضمان عدم ظهور محمد علي آخر بأي شكل.
وعليه هناك نية واضحة لتسديد المستحقات المتأخرة، لكن بشكل تدريجي حتى لا يبدو الجيش كمن لُويت ذراعه.
وكان رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى قد وجّه بصرف مستحقات المقاولين المسؤولين عن أعمال الإنشاءات في مستشفى سمالوط بالمنيا أولاً بأول، لتكثيف العمل بالموقع، والالتزام بالانتهاء منه في التوقيتات المحددة، ضمن المشروع القومي للمستشفيات النموذجية.
لكن الأهم أنه في المستقبل يجب التدقيق أكثر في المتعاملين مع المشروعات ذات الطبيعة الحساسة، وسيكون الاعتماد أكثر في تلك النوعية على الإدارة الهندسية بشكل مباشر، بما قد يعني تقليل عدد المقاولين الذين يتم التعامل معهم.
ما موقف ضباط الجيش مما قاله المقاول المتمرّد؟
لرصد ردود الأفعال المختلفة على فيديوهات محمد علي داخل القوات المسلحة ومع المتعاملين معها، التقى "عربي بوست" أحد الضباط الشباب الذي أخبرنا بأن هناك حالةً من الاستياء العام بين أوساط صغار الضباط من فيدوهات محمد علي.
يقول: "يرى الكثيرون الفيديوهات مقززة، على حد تعبير أحدهم، لكن الاستياء ليس من محمد علي فحسب لكن أيضاً ممن تسببوا فيها، إذ يرون أن السفه في الإنفاق وإغداق الأموال على مَن لا يستحقون، تلك نتيجته المتوقعة".
ويرى الضابط الشاب أن القيادات هم المسؤولون الأوائل عن تلك "الفضيحة"، أولاً بإداراتهم المالية السيئة، وثانياً بتعاملهم مع "عيل شمام"، على حد تعبيره.
لكن إذا كانت هناك حالة استياء وحنق على محمد علي وعلى المسؤولين عن مهزلة فيديوهاته، فعلى صعيد آخر هناك سعادة واحتفاء بالغين بين أوساط المتعاملين مع الجيش سواء في مجال الإنشاءات أو الاستصلاح الزراعي، حيث يرون أن تلك الفيديوهات ستكون ورقة ضغط على الجيش لسداد مستحقاتهم المتأخرة والتي تصل إلى ملايين الجنيهات، وهو ما ظهر في تصريح رئيس الوزراء بضرورة دفع مستحقات المقاولين أولاً بأول.