سيكون للهجوم المزدوج على مركز معالجة النفط في بقيق وحقل النفط في خريص، بكل تأكيد تأثير على أسواق النفط هذا الأسبوع. ففي حين ظلَّت أسعار مزيج خام برنت عازفة عن تجاوز حاجز 60 دولاراً طيلة عام، يتوقع المحللون تحرُّك الأسعار بالزيادة بين 5 إلى 15 دولاراً للبرميل. وستعتمد حركة الأسعار هذه على كيفية إدارة الحكومة السعودية لتدفق المعلومات بشأن الهجمات على منشآتها النفطية، ومدى سرعة عودتها إلى السعة الكاملة للإنتاج والمعالجة والتصدير.
وتعهَّد أمين الناصر، رئيس شركة أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين، بنشر تقييمٍ مُفصَّل في غضون 48 ساعة من الهجوم، أي قبل افتتاح الأسواق الإثنين 16 سبتمبر/أيلول في لندن ونيويورك. لكنَّه لم ينشر تحديثاً علنياً حتى صباح الإثنين. والشفافية ستكون مهمة كثيراً في هذا الإطار.
هذا الأمر يمكن أن يحدث مجدداً
تمكَّنت الهجمات من تعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي في عطلة نهاية الأسبوع، مُتسبِّبةً في وقف تدفق 5.7 مليون برميل يومياً إلى الأسواق العالمية. لكن بحلول يوم الأحد 15 سبتمبر/أيلول، أفادت شركة Energy Intelligence بأنَّ نحو 40% من هذا الإنتاج المُعطَّل (نحو 2.3 مليون برميل) قد استُعِيد بالفعل بعد يومٍ واحد من الهجوم. وبالنسبة لشركة أرامكو، عملاق النفط المملوك للدولة، ستكون الشفافية في إعلان الأضرار والقدرة على إعادة تنظيم مطالب العملاء وتلبيتها أمراً حيوياً بالنسبة لتعهُّد الشركة بطرح أسهمها. لكن في نهاية المطاف، يُمثِّل هذا الهجوم تهديداً لأكثر من مجرد عملية طرح عام أولي صغيرة في سوق التداول المحلية.
تقول كارين يونغ، الباحثة بمعهد المشروع الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، في مقالة لها بموقع Al-Monitor الأمريكي إن العامل المُغيِّر لقواعد اللعبة في أسواق النفط العالمية هنا هو جرأة الهجوم، في دقته وفي كشفه لضعف البنية التحتية النفطية السعودية. والآن بات الجميع يعرفون أنَّ بإمكان هذا أن يحدث مجدداً. والأمر لا يتعلَّق بالسعودية على الإطلاق. بل يتعلَّق بالقيادة الأمريكية والالتزام بنظامٍ اقتصادي عالمي. لسنا (الولايات المتحدة) بصدد أن ينفد النفط منا، لكنَّنا قد نكون بصدد نفاد المصداقية. وسرعان ما ألقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو باللائمة على إيران، وليس المتمردين الحوثيين اليمنيين (الذين تبنّوا بالفعل مسؤولية الهجمات).
ضربة للمصداقية الأمريكية
تقول كارين يونغ، إن على بومبيو وترامب الآن أن يواصلا حتى نهاية الطريق ويتحملا نتائج اتهام إيران. فإذا كانت طهران هي المسؤولة، لابد أن ينشرا الدليل على ضلوع إيران في الهجمات. وبعد ذلك سيكون على الولايات المتحدة التحرُّك، والتحرُّك بحزم.
وتضيف: أمَّا رفض توجيه عقاب، فلن يؤدي إلا لتجرُّؤ إيران وحلفائها الحوثيين، وسيؤدي إلى مزيدٍ من تباعد السعودية عن الولايات المتحدة بسبب الشعور بالعزلة والإحباط المتزايد من مدى موثوقية الإدارة الأمريكية.
إذ سترغب إدارة ترامب بطريقةٍ ما في الحفاظ على المساعي الرامية للتفاوض على اتفاقٍ جديد مع إيران، وفي نفس الوقت بناء المصداقية لحملة الضغط القصوى التي تنتهجها. وفي ظل إدارة لا يُعرَف عنها براعتها في استراتيجية التواصل، سيكون هذا أمراً بعيد المنال.
وكان ترامب بعد أن ألمح لتورط إيران في هجوم أرامكو، قد أكد رغبته بتجنب الحرب معها، وقال إن بلاده مستعدة لمساعدة السعودية مقابل المال ولكن عليها أن تدافع عن نفسها، في حين بدأ محققون أميركيون بجمع الأدلة ميدانيا.
وقال ترامب للصحفيين الإثنين إن المسؤولين الأميركيين يتحققون من الجهة المسؤولة عن شن الهجمات على منشأتي شركة أرامكو بالسعودية، مضيفا أنه يبدو أن إيران هي المسؤولة إلا أنه يرغب "بكل تأكيد" في تجنب الحرب معها مع أن بلاده تملك "أقوى جيش في العالم"، معتبرا أن الدبلوماسية لا تستنفد أبدا عندما يتعلق الأمر بإيران.
وأضاف ترامب "أعتقد أن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها، وإذا كانت هناك حماية منا للسعودية فإنه يقع على عاتقها أيضا أن تدفع قدرا كبيرا من المال، أعتقد أيضا أن السعوديين يجب أن تكون لهم مساهمة كبيرة إذا ما قررنا اتخاذ أي إجراء، عليهم أن يدفعوا، هم يفهمون ذلك جيدا".
الهجوم استهدف الولايات المتحدة والتزاماتها بالمنطقة
في المقابل، تقول يونغ، المشكلة هي أنَّ حملة الضغط القصوى بدأت تبدو أقل شراسة، وأقل حركيةً، في طموحاتها بعد مغادرة مستشار الأمن القومي جون بولتون منصبه وإمكانية عقد لقاء بين الرئيس الإيراني حسن روحاني وترامب أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بعد أسبوعٍ واحد فقط.
لكنَّ الضرر الذي لحق بأسواق الطاقة والاقتصاد العالمي أعمق حتى من هذا. فهذه الهجمات رفعت الستار عن ضعف السعودية وقدرتها على الدفاع عن أرامكو ومنشآتها الإنتاجية. وبالتبعية، فإنَّ الهجمات تطعن مباشرةً في التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حركية أسواق الطاقة العالمية وإمكانية الوصول إليها. وقع الهجوم على السعودية، لكنَّه في الواقع هجومٌ على الولايات المتحدة والتزامها القيادي في شبه الجزيرة العربية وخارجها.