أعلى ساحة قتال في العالم.. «القطب المتجمد الثالث» حيث تتحارب قوتان نوويتان من أجل «الجليد» (صور)

تعتبر منطقة سياشين المحاطة بالقمم الجبلية التي يتجاوز ارتفاعها 8 آلاف متر "أعلى ساحة قتال في العالم"، إذ كانت ميداناً للحرب الباكستانية - الهندية.

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/17 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/17 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
منطقة سياشين المحاطة بالقمم الجبلية التي يتجاوز ارتفاعها 8 آلاف متر/ الأناضول

تعتبر منطقة سياشين المحاطة بالقمم الجبلية التي يتجاوز ارتفاعها 8 آلاف متر "أعلى ساحة قتال في العالم"، إذ كانت ميداناً للحرب الباكستانية – الهندية في الفترة من 1984 إلى 2003.

تتشكل المنطقة من جبال مغطاة تماماً بالجليد والثلوج في المثلث الحدودي بين باكستان والهند والصين. المنطقة مغطاة بجليد سياشين الذي يمتد كقطعة واحدة إلى 70 كيلومتراً هي الثالثة في العالم بعد القطبين من حيث كثرة الجليد. ولذلك يُطلق عليها "القطب الثالث".

وبالإضافة إلى جليد سياشين تضم المنطقة أيضاً جليد "بالتورو" بمساحة 62 كيلومتراً مربعاً. وهي منطقة جليدية تحيط بها سبع قمم من بين أعلى 25 قمة في العالم، ولذلك تجذب عشاق تسلق الجبال والسير في الطبيعة. 

للجيلد أهمية كبيرة بالنسبة لباكستان، إذ إنه يُغذي نهر "إيندوس" الذي يُعد شريان الحياة في  باكستان، والأنهار المتصلة به. كما يحظى بأهمية استراتيجية كونه يربط بين باكستان والصين. وتدعي باكستان والهند أحقيتها في المنطقة، لأن المنطقة الجليدية تعد امتداداً لإقليم كشمير المتنازع عليه بين الدولتين.

"حرب الجليد" بين الهند وباكستان

 وطبقاً للاتفاقية الموقعة بين الهند وباكستان عام 1949 والتي حددت خط السيطرة في كشمير بين البلدين فقد تم تحديد السيطرة على المنطقة الجليدية بعبارة "شمال خط السيطرة" مما دفع البلدين لتبني تعريفات مختلفة للخط. فقالت الهند إن خط السيطرة يجب أن يمتد شمالاً على طول جبال سالتورو، بما يضمن وقوع جليد سياشين داخل حدودها.

بينما قالت باكستان إن الخط يجب أن يمتد على طول ممر كاراكورم بما يضمن أيضاً وقوع المنطقة الجليدية داخل حدود باكستان. بناء على ذلك قررت الدولتان المتنازعتان إرسال جنود إلى المنطقة التي لم تشهد تواجداً عسكرياً حتى عام 1984.

وأطلقت الهند أولى عملياتها العسكرية عندما علمت أن الجيش الباكستاني عقد صفقة مع نفس الشركة الإنجليزية التي تتعامل هي معها لتوريد المهمات العسكرية اللازمة للاستخدام في الطقس شديد البرودة.

 ومع رد الجيش الباكستاني على هذه العملية اندلعت حرب في المنطقة التي توصف بأنها "سقف العالم". وأسفرت الحرب عن سيطرة الهند على ثلثي منطقة سياشين، بينما سيطرت باكستان تماماً على منطقة بالتورو الجليدية.

 عقب حرب سياشين فرضت باكستان سيطرتها على العديد من القمم، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن تقوم الدولتان بتعزيز تواجدهما العسكري في المناطق التي تسيطران عليها، كما تقيمان نقاط عسكرية.

وللمرة الأولى قام الجيش الباكستاني بفتح أبواب المنطقة العسكرية والمخافر في منطقة سياشين أمام وكالة الأناضول للأنباء. وأصبح مدير نشر اللغات العالمية بوكالة الأناضول محمد أوزتورك، ومراسلا الأناضول بهلول جتينكايا وإسلام الدين ساجد هم أول ممثلين عن الإعلام الأجنبي يرصدون الحياة العسكرية بمنطقة ساشين.

 أسطول المروحيات بمدينة سكردو في ولاية غلغت – بلتستان شمالي باكستان هو المكان الذي تقلع منه المروحيات التي تستخدم في الوصول إلى منطقة سياشين، والمكان الذي يجمع فيه الطعام والأدوية والمهمات العسكرية التي يتم إرسالها للمنطقة. 

 وتحلق المروحيات فوق أودية أرضيتها مغطاة تماماً بالجليد وتحيط بها جبال يبلغ ارتفاعها آلاف الأمتار. وتقع القمم التي يسيطر عليها الجيش الباكستاني ومخافر الجيش على بعد نصف ساعة طيران من المنطقة وتضم عشرات المخافر على ارتفاعات ما بين 3 آلاف إلى 6 آلاف متر. 

بينما المعاناة يعيشها فقط الجنود المرابطون في القمم

 ويسافر الجنود العاملون في المخافر ونقاط المراقبة لمدة 5 ساعات بالسيارات من مدينة سكردو حتى آخر قرية على الطريق المؤدي إلى المنطقة الجليدية بسياشين وبالتورو ومن هناك يكملون رحلتهم سيراً على الأقدام.

 ويصعد الجنود إلى المخافر الواقعة في أعلى القمم على ارتفاع 6 آلاف متر خلال مدة تتجاوز الشهر حتى يتعودوا على المستويات المختلفة للأكسجين، حيث يقضون فترات من يوم إلى 5 أيام في المخافر على ارتفاعات مختلفة لتهيئة أجسادهم على المناخ.

 وتتكون المخافر من أبنية تتسع لشخصين تشبه البيوت الجليدية لشعب الإسكيمو ويضم كل مخفر طبيباً واحداً على الأقل ومئات أسطوانات الأكسجين. ويتم توليد الطاقة في المخافر عبر ألواح الطاقة الشمسية. كما يتم الحصول على المياه عبر إذابة الثلوج.

ويُنصح الجنود العاملون بالمنطقة والزوار أيضاً بشرب 15 كوباً من الماء على الأقل لتجنب الصداع والآلام في الجسد والتجمد من البرد ومشاكل الرئة. كما يخضع الجنود إلى فحوصات طبية مكثفة قبل إرسالهم إلى المنطقة.

 يقضي الجنود في منطقة سياشين حوالي سنتين يتنقلون بين عدة مخافر مختلفة. ويزود الجيش الباكستاني الجنود العاملين في المنطقة بمهمات عسكرية مناسبة للظروف البيئية كما يتم توصيل الاحتياجات اللازمة لهم أسبوعياً عبر إلقائها من المروحيات. 

وفي درجات حرارة تحت الصفر

 وفي الفترة التي زار فيها فريق الأناضول المنطقة كانت درجات الحرارة تتراوح نهاراً ما بين 5 إلى 10 درجات بينما تهبط ليلاً إلى 5 درجات تحت الصفر.

وفي تصريحات للأناضول قال جنود في المنطقة إن الحرارة يمكن أن تهبط في فصل الشتاء إلى 50 درجة تحت الصفر وإن العواصف الثلجية يمكن أن تغطي المخفر ومدرج المروحيات.

وأضاف الجنود أن انتشار الأمراض في المخافر يزداد في فصل الشتاء، وأن العواصف الثلجية تتسبب أحياناً في تعطيل طيران المروحيات التي تحضر الأدوية والطعام، لمدة 20 يوماً، مما قد يؤدي أحياناً إلى وفاة بعض المرضى.

وأشار الجنود إلى أن المنطقة تزداد خطورة في الشتاء، خصوصاً مع تغطية الثلوج للتصدعات الجليدية التي يسقط من يخطو فوقها دون قصد في شقوق يبلغ عمقها مئات الأمتار.

وأوضح الجنود أنهم أثناء المسيرات الطويلة يسيرون في صف واحد ويكونون مربوطين جميعهم بحبل بحيث إذا سقط أحدهم يتمكن الباقون من الإمساك به.

توصف الظروف الجوية السيئة بمنطقة سياشين بأنها العدو الأكبر للدولتين.

وطبقاً للمعلومات الصادرة من مسؤولين بالجيش الباكستاني رافقوا وفد الأناضول، فإن حوالي 70% من الجنود الذين ماتوا في المنطقة منذ 1984 توفوا بسبب الظروف الجوية والبيئية. كما توفي 470 جندياً باكستانياً على مدار 35 عاماً، 140 منهم لقوا مصرعهم بسبب سقوط كتلة ثلجية ضخمة على مخفر "غياري" بينما توفي أكثر من 100 منهم بسبب السقوط في التصدعات الجليدية.

وكان مخفر غياري يضم العديد من المنازل والمخازن والبنية، ويقيم به 140 جندياً، نظراً لأنه يقع على الطريق المؤدي إلى العديد من المخافر في المنطقة، واحتمال سقوط الكتل الثلجية عليه ضئيل جداً.

والتي تؤدي إلى وفاة الجنود بسبب "المرض"

في ليلة 6-7 أبريل/نيسان عام 2012 بدأت كتلة ثلجية انفصلت على ارتفاع 4 كيلومترات بوادٍ يبعد عن مخفر غياري حوالي واحد كيلومتر، في السقوط ساحبة معها الكثير من الصخور واستمرت في التدحرج حتى غطت المخفر بالكامل. ولم ينجُ من الحادث سوى جنديين كان أحدهما قد خرج في مهمة بالسيارة والآخر في نقطة حراسته بمنطقة بعيدة قليلاً عن المخفر، بينما لقى أكثر من 140 جندياً مصرعهم تحت طبقة من الثلوج والصخور جاوز ارتفاعها 20 متراً.

وقال أحد الجنديين الناجيين من الحادث إنه رأى "وكأن جبلين يصطدمان ببعضهما".

شارك في أعمال الإنقاذ مئات الجنود إضافة إلى فرق بحث وإنقاذ أجنبية، حتى أن الجيش الهندي عرض على باكستان تقديم المساعدة. وتم الوصول إلى جثمان أحد المفقودين بعد 21 يوماً، نظراً لأن أعمال البحث والإنقاذ كانت تتم يدوياً دون استخدام آلات، واستمرت العملية نحو عام ونصف العام وتم انتشال 133 جثة. ويعتقد الجيش الباكستاني أن 7 جثامين لا تزال تحت الثلوج.

تضم المنطقة الجليدية في بالتورو 7 قمم من ضمن أعلى 25 قمة في العالم، لذلك يأتي إليها عشاق التسلق من كل أنحاء العالم ويخيمون بالقرب من مخافر الجيش. ويقوم الجنود أحياناً بإنقاذ وإسعاف المتسلقين وقت الضرورة.

 وطبقاً لتقرير هيئة الأرصاد الجوية الباكستانية الصادر عام 2017، فإن التحركات العسكرية وزيادة الاهتمام بالأنشطة الرياضية في جليد بالتورو، إضافة إلى التحركات العسكرية بجليد ساشين زادت من معدل ذوبان الجليد.

ووصل منسوب الجليد إلى مستويات حرجة نتيجة ذوبان الجليد الذي ازداد على مدار الـ30 عاماً الأخيرة.

 أثناء أحد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عرض رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق نواز شريف، على الهند، سحب جنود الدولتين من منطقة ساشين، لتقليل التحركات العسكرية في المنطقة، وما ينتج عنها من مخلفات، إلا أن طلبه قوبل بالرفض.

علامات:
تحميل المزيد