بالنسبة لبعض الناس، المكملات الغذائية هي بوليصة تأمين من نظام غذائي أقل من المثالي. والبعض يتناولها لأنهم لا يستطيعون، أو لا يريدون تناول أطعمة مغذية معينة.
أياً كان السبب، فتناول الفيتامينات والمكملات المعدنية يبدو كأنه طريق مختصر ومشروع للوصول لحياة صحية.
وحسب مجلة New Scientist، أُثيرت في الشهور الأخيرة بعض الشكوك حول ما إذا كانت هذه المكملات حقاً تقدم أي نفع.
واتضح أن الأمر لا يتوقف على ما نأكله، بل كيف نأكله.
إذاً، هل المكملات ليست سوى إهدار للمال؟ وإذا كانت الإجابة "لا"، فما الأنواع التي يجب أن نتناولها؟ وكيف؟
اكتشاف أهمية الفيتامينات في القرن الماضي
بدأنا منذ القرن الماضي فقط معرفة وإدراك أهمية المكونات الغذائية المتنوعة التي تحافظ على الصحة والتي نحصل عليها من الطعام.
كلمة فيتامين مشتقة من كلمتي "Vital" أي حيوي وكلمة "Amine" أي وهو مركب كيميائي عضوي مهم لبناء الجسم، وصاغها الكيميائي البولندي كازيمير فانك في عام 1913، بعد أن لاحظ أن المركبات الكيميائية المعروفة باسم الأمينات الموجودة في قشور الأرز تحمي الدجاج من مرض البري بري.
يمكن أن يدمر هذا المرض الخطير الذي يصيب الإنسان أيضاً، الأعصاب، أو يتسبب في توقف عضلة القلب.
نعرف الآن أن البري بري يحدث بسبب نقص فيتامين B1، والمعروف أيضاً باسم الثيامين.
كان الفقر في هذه العناصر الغذائية منتشراً وقتها، لكننا لم نكن نفهم السبب. فمثلاً لم نكتشف فيتامين B1 قبل عام 1926.
شهد العقدان الماضيان اكتشاف مزيد من الفيتامينات، وفهماً متزايداً لكيفية تأثيرها على حدوث الأمراض الشائعة.
وهذا أدى إلى تشكيل استراتيجيات غذائية عالجت أمراضاً مثل الإسقربوط، والكساح، وفقر الدم الخبيث، والتي يسببها نقص فيتامينات C، وD، وB12 بالترتيب. تسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية في نشر الكميات المسموح بها والموصى بها من فئات الطعام المختلفة، والفيتامينات، والمعادن في كثير من الدول.
بدأت بعض الدول أيضاً في تعزيز أطعمة معينة بالعناصر الغذائية، مثل إضافة الحديد إلى الدقيق، وفيتامين D إلى السمن النباتي.
كيف تعمل الفيتامينات؟
يمكن تقسيم الفيتامينات إلى فيتامينات تذوب في الماء وأخرى تذوب في الدهون.
النوع الذي يذوب في الماء مثل فيتامين C، يمتص من غذائنا حتى نصل إلى نقطة التشبع، وبعدها يخرج الزيادة مع البول. لكنك لا تستطيع تخزينها، ولذلك إذا توقفت عن استهلاك هذه الفيتامينات فستسقط مستوياتها لديك سريعاً.
وعلى الجانب الآخر، يمكن تخزين الفيتامينات التي تذوب في الدهون بالجسم، خاصة في الكبد.
لكن يمكن أن تزيد الأشياء الجيدة على حدها، عندما يصل المخزون إلى مستويات تتسبب في التسمم.
وفي حين أن معظم الفيتامينات المتعددة تحدُّ من كمية الفيتامينات التي تذوب في الدهون فيها، قد يحدث في إحدى المرات التي يتناول فيها أحدهم فيتامينات متعددة، ويحصل على كميات أكثر من اللازم، ودون أن يعرف.
صناعة المكملات الغذائية بمليارات الدولارات
لكن بالإضافة إلى تحسين صحة العامة، كان هذا النهج الاختزالي للمواد الغذائية فتيلاً لنمو ما أصبح الآن صناعة مكملات تقدَّر بمليارات الدولارات.
وأصبح لا يركز على تصحيح فقر المواد الغذائية فقط، لكنه أيضاً يسعى إلى بيع الفيتامينات والمعادن للأصحاء القلقين.
ففي بريطانيا وحدها، ينفق المستهلكون 512 مليون دولار على المكملات كل عام، وتتصدر الفيتامينات المتعددة القائمة، ويليها زيت السمك.
بنظرة سطحية يبدو أن الأدلة كلها تشير إلى صحة الفكرة.
تبين الدراسات الوبائية، التي تبحث في انتشار مرض معين في مجموعات معينة أو عند شعوب معينة، أن من يتناولون كثيراً من الأسماك، وكثيراً من الخضراوات، والحبوب الكاملة وزيت الزيتون، لديهم معدلات أقل من أمراض مثل أمراض القلب وفقدان الذاكرة.
اقتنع كثيرون بفكرة أنه بإمكان حفنة من هذه المكونات فائقة القيمة الغذائية والتي توجد في هذه الأطعمة، مغلفة معاً في كبسولة أنيقة مرة واحدة يومياً، أن تمنح الفوائد نفسها دون العناء والتكلفة التي تتطلبها الوجبات الصحية.
المشكلة هي أن هذه الفوائد لا نجدها بالضرورة عند اختبار المكملات ذاتها.
تُستخدم التجارب العشوائية المحكومة RCTs لفحص ما إذا كان أحد أنواع الطعام أو المكملات يعمل، وما مدى كفاءته.
في هذه الدراسات يُطلب من الناس عشوائياً تناول إما أحد مكونات النظام الغذائي، مثل أوميغا-3، وإما دواء وهمي.
وهنا تُخلط النتائج.
بعض الدراسات العشوائية المحكومة تكشف عن وجود فائدة، والبعض الآخر لا يوجد به أي شيء على الإطلاق.
يقول أندرو برنتيس، رئيس مجموعة التغذية الدولية التابعة لمركز موارد المهاجرين في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "انجذبت الصناعة إلى الحلول السريعة متمثلة في العناصر الغذائية الدقيقة، لأنها رخيصة للغاية، ومن السهل تشكيلها لأقراص".
وأضاف: "لو كانت كلها تعمل لما كانت هناك مشكلة، لكن المشكلة هي أن هذا لم يحدث. إننا بحاجة لنفهم السبب، وما العمل حيال هذا".
دراسة صادمة: زيت السمك لا يحمي القلب!
ربما تكون الضربة الأكبر في الآونة الأخيرة هي الدراسة الكبيرة التي نشرتها شركة كوكرين، التي تحظى باحترام كبير.
نظر التحليل التلوي -وهو طريقة إحصائية تخلط البيانات من عديد من الدراسات العشوائية المحكومة؛ في محاولة للحصول على تقدير أدق لتأثير مادة ما- في 79 دراسة لقياس تأثير أوميغا-3 وزيت السمك على صحة الجهاز الدوري على المدى الطويل.
ووجدوا أنه ليس له تأثير أو أن تأثيره ضئيل على خطر الإصابة بأمراض القلب، أو الجلطات، أو الموت المبكر.
هناك تحليلات أخرى تدعم هذه النتائج أيضاً، وتوصلت إلى نتائج مشابهة مخيبة للآمال بالنسبة لتأثيرات فيتامينات A، وفيتامين B، وفيتامين C، وفيتامين E على عديد من الجوانب الصحية لدينا.
لكن هناك بعض الباحثين الذين يشككون في ملاءمة التحاليل التلوية للأبحاث الغذائية.
فعكس التجارب الجراحية أو دراسات الدواء، حيث يكون لديك تدخل قياسي ومجموعة متجانسة إلى حد كبير تخضع للاختبار، ستجد أن تجارب التغذية أكثر فوضوية.
فمع مكمل غذائي مثل أوميغا-3، فإنك تجمع دراسات منفصلة عديدة معاً. قد تتضمن جرعات مختلفة، أو تركيبات أو أنواعاً مختلفة من المكمل الغذائي الواحد، حتى إن إيجاد الدواء الوهمي المناسب محفوف بالصعوبة. يقول جيفري بلومبيرغ، الذي يدرس مضادات الأكسدة بجامعة تافتس في بوسطن: "إذا كنت أُجري دراسة على مكملات فيتامين E، فقد تعرضت له وأنا في رحم أمي، وطوال حياتي وطوال فترة دراستي، ولذلك لا يوجد شيء يدعى التحكم في دواء وهمي".
غالباً لا تسجل الدراسات العشوائية المحكومة ما الأشياء الأخرى التي يتناولها المشاركون، أو يقيسون حتى مستوى هذا العنصر الغذائي في الجسم. هذا مهم، لأن إمداد أحدهم بمكمل غذائي وهو لديه مستويات كافية من هذا الفيتامين أو المعدن يختلف تماماً عن إعطائه لشخص يعاني نقصاً فيه.
وبينما تستثمر شركات الدواء مبالغ ضخمة في الدراسات عالية الجودة، لأن العقبات التنظيمية التي يجب عليهم تجاوزها للتصديق على الدواء، لا يوجد دافع كبير لشركات المكملات لكي تفعل هذا.
فالمكملات تخضع لتنظيمات تشبه تنظيمات الأغذية، أكثر من تنظيمات الدواء.
يجب أن تكون آمنة للاستخدام وعليها علامات صحيحة، لكن يجب ألا تثبت أنها تحسن من الصحة.
الجوع الخفي.. وجبات بلا فائدة
لكن بلومبيرغ، من جامعة تافتس، يقول إننا لا يمكننا الاعتماد على ثروة الدولة للدلالة على مدى تغذية شعبها فقد يكون لديك الكثير لتأكله، ولكنك ما زلت تعاني سوء التغذية.
وأضاف: "66% من الأمريكيين يعانون زيادة الوزن أو السمنة، والسبب هو أنهم يأكلون أطعمة عالية السعرات، ومنخفضة القيمة الغذائية".
وهذا "الجوع الخفي" لا يؤثر في الأشخاص أصحاب الوزن الثقيل أو المصابين بالسمنة وحدهم.
نشرت وزارتا الزراعة والصحة والخدمات الإنسانية الأمريكيتان في بيان مشترك، أن فيتامين A وفيتامين C وفيتامين D وفيتامين E بالإضافة إلى الكولين، والكالسيوم، والحديد، والماغنيسيوم، والبوتاسيوم، والألياف، "لا تُستهلك بما يكفي" بين كثيرين في الولايات المتحدة.
وطبقاً لأعمال بلومبيرغ، فإن من يتناولون الفيتامينات المتعددة يومياً أقرب كثيراً إلى الكميات اليومية الموصى بها.
الأطعمة المتنوعة تقدم فوائد لا تقدمها المكملات
يشير بلومبيرغ، الذي يعمل مستشاراً لعدة شركات لإنتاج المكملات، إلى دراسة صحة الأطباء II وهي واحدة من كبرى التجارب العشوائية للمكملات، التي أُجريت حتى الآن بقيادة باحثين في مستشفى بريغهام آند وومن، بولاية بوسطن.
كانت الدراسة تتقصى صحة أكثر من 14 ألف رجل في الولايات المتحدة، تزيد أعمارهم على خمسين عاماً، مدة عشرة أعوام، وخلصوا إلى أن من يتناولون فيتامينات متعددة يومياً، لديهم نسبة أقل بقليل، لكنها مهمة في الإصابة بكل أنواع السرطانات، وكانت النسبة 8%.
هناك مزيد من الدراسات المستمرة لكي نرى إذا ما كان من الممكن تكرار النتائج ذاتها، ولنرَ أيضاً إذا كانت النتائج تنطبق على النساء.
يقول بلومبيرغ: "بصفتي رجلاً كبيراً طاعناً في السن، سأكون سعيداً بالمنافع البسيطة لأي جهاز فسيولوجي لدي".
بالنسبة لمن يتناولون غذاء يفتقر إلى العناصر الغذائية، فيمكن أن تقربهم المكملات إلى الجرعات اليومية الموصى بها. لكن هذا لا يُترجم دائماً إلى الفوائد الصحية التي تتوقعها.
السر ليس في حبة دواء
يقول ريتشارد هوفمان، من جامعة هيرتفوردشاير ببريطانيا: "أحد أهم الأشياء التي يفتقر إليها الناس في بريطانيا هي الألياف، وهو شيء لا تحصل عليه من حبة دواء".
ثم هناك مواد كيميائية نباتية مثل الكاروتينات، والفلافونويدات، والتي يُعتقد أنها تعمل في الجسد على تقليل تلف الخلايا الذي تسببه العناصر الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة وقابليتها للتفاعل مرتفعة جداً، وتنتج من عمليات الجسم الطبيعية.
يقول هوفمان: "إن هذه العناصر ستغيب إذا كنت تتناول نظاماً غذائياً من الأغذية المصنعة مكملة بحبوب الفيتامينات المتعددة".
ويبدو أن توازن هذه المواد أيضاً مهم؛ فمثلاً يستخدم الجسد أوميغا-3 من زيوت الأسماك لتثبيط الالتهاب.
لكن أحماض أوميغا-6 الدهنية الشبيهة للغاية، والتي توجد في اللحوم، تنتج جزيئات تثير الالتهاب.
قد يكون هذا أحد أسباب أن تناول كثير من اللحوم الحمراء ليس جيداً بالنسبة لنا، وسبب لكون الشعوب التي تستهلك كثيراً من الأسماك تبدو أصح.
لكن ليس من المهم فقط تناول نظام غذائي متوازن عامةً، بل من المهم تناول خليط من الأطعمة في كل وجبة أيضاً.
يقول بلومبيرغ إن هذه الاكتشافات مهمة لمن يتناولون المكملات. وأضاف: "إذا كنت لا تتناول مكملاً مع الطعام، فإن كثيراً من هذه العناصر الغذائية ستُمتص أقل مما يجب".
في بعض المواقف، يمكن أن تقوض هذه التأثيرات صحتك. فمثلاً، هناك علاقة بين مكملات الكالسيوم، وزيادة خطر الإصابة بحصوات الكلى، في حين أن الكالسيوم الموجود في الطعام يبدو أنه يقلل فرص الإصابة لدى الناس.
من الواضح أننا ما زلنا بحاجة لتعلم الكثير حول كيفية تفاعل الأطعمة المختلفة.
وبينما نكتشف المزيد، من الممكن تعزيز القيمة الغذائية من الأطعمة التي نتناولها، بالإضافة إلى تصميم مكملات أفضل.
إذاً، فالطعام هو المصدر الأفضل للعناصر الغذائية التي نحتاجها. لكن بالنسبة لمن لا يستطيعون الحصول على كل العناصر الغذائية مما يأكلون، هناك بعض الأشياء البسيطة التي يمكنهم فعلها لتأمين الحصول على أكبر فائدة من المكمل، وهي أن يتناولوه دائماً مع الطعام، الذي يحتوي على قليل من الدهون.
واستشِر طبيبك في أي مكملات تتناولها، لأن بعض الفيتامينات أوضحت أنها تتداخل مع بعض الأدوية، مثل مسيل الدم وارفارين، واختبارات المعمل.
من يجب أن يتناول ماذا؟
على الرغم من أنه لا يوجد بديل للأكل الصحي، توجد بعض الفئات المجتمعية التي تفتقر إلى عناصر غذائية معينة. هنا قد يكون للمكملات دور مفيد:
الحوامل
الحوامل أو من يفكرن في الحمل، يجب أن ينظروا في تناول حمض الفوليك. يعزى إلى هذا حدوث أكثر من نصف حالات السنسنة المشقوقة، وهي حالة لا يتطور فيها الحبل الشوكي على نحو صحيح في الأجنة.
الرضع
توصي الجمعية الأمريكية لطب الأطفال بأن الأطفال الذين يعتمدون على لبن الأم كلياً أو جزئياً، عليهم تناول مكملات فيتامين D، لأنه يوجد بكميات قليلة في لبن الأم.
تقول جوان مانسون، من جامعة هارفارد تي إتش تشان، بمدرسة الصحة العامة في بوسطن، والتي استعرضت مؤخراً الأدلة على المكملات الغذائية في مختلف الفئات السكانية: "لا نعلم مقدار فيتامين D الموجود في لبن الأم بأجدادنا، لكننا نعرف الآن أنه محدود، على الأقل في العموم، بالدول الشمالية".
البالغون ممن تجاوزوا 50 عاماً
بينما نتقدم في العمر، نبدأ بإنتاج أحماض أقل في المعدة، والذي من شأنه تقليل قدرتنا على امتصاص بعض العناصر الغذائية من الطعام.
أحد هذه العناصر هو فيتامين B12، الذي يُستخدم في صناعة كُرات الدم الحمراء، والأعصاب، والحمض النووي.
لذا، إذا كنت تعاني مشكلة صحية فعليك التحدث مع الطبيب قبل تناول أي من هذه المكملات.