"لندن لم تكن في انتظاره"، فقد ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاصمة البريطانية في ذروة أزمتها السياسية، غير أنه لم يذهب لبحث العلاقات الثنائية، ولكن عبر هذه الزيارة فإن نتنياهو يريد عرقلة المفاوضات الأمريكية الإيرانية المحتملة.
جاءت زيارة نتنياهو في ذروة أزمة سياسية في المملكة المتحدة، وفي يومٍ شهد استقالة شقيق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، من الغريب أنَّ جونسون وجد في وقته 30 دقيقة للقاء ذلك الزائر الوافد من إسرائيل، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
نتنياهو توقف عن الحديث عن إيران منذ عودته من الزيارة الغامضة
لكنَّ لقاء جونسون لم يكن هو الدافع الرئيسي وراء هذه الزيارة الخاطفة. إذ قال نتنياهو إنَّه ذهب إلى هناك، لأنه أراد عقد لقاء شخصي من أجل مواصلة حوار حول إيران كان قد بدأه قبل ذلك بيومٍ مع وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر.
وهذا الادِّعاء الغامض، الذي جعل نتنياهو -وفقاً لكلامه- يذهب في زيارةٍ خاطفة إلى دولةٍ ثالثة من أجل مقابلة مسؤولٍ من دولةٍ تعد من أقرب حلفاء إسرائيل، ازداد غموضاً حين اتضح أنَّ اللقاء، الذي من المفترض أنَّه كان الغرض الرئيسي من الزيارة، لم يتضمن أي صورة فوتوغرافية بين الرجلين أو تصريحاتٍ للصحافة.
والأدهى من ذلك أنَّ نتنياهو -الذي يعتبر محاربة البرنامج النووي الإيراني قضيته الرئيسية- واصل، منذ اللحظة التي غادر فيها إسرائيل حتى عاد إليها، الحديث عن شيء مختلف تماماً: وهو حملة تثبيت الكاميرات في اللجان الانتخابية والادِّعاء بأنَّ شخصاً ما، لم يذكر اسمه، يحاول سرقة الانتخابات منه.
نتنياهو يريد عرقلة المفاوضات الأمريكية الإيرانية، ولكن يبدو أنه فشل
بيد أنَّ الغموض المحيط باللقاء اتضح نوعاً ما في اليوم التالي حين قال إسبر في إحدى الفعاليات التي حضرها في لندن إنَّ إيران تتجه نحو إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة.
وبعبارةٍ أخرى، بعدما ذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنَّه لا يمانع عقد لقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأنَّ المشكلة يمكن حلها "في 24 ساعة"، اعترف وزير الدفاع الأمريكي باقتراب تحقُّق هذا الاحتمال.
لكنَّ تصريح إسبر، إلى جانب ظهور تقارير عن التقدم المحرز في جهود التوسط لعقد مثل هذا اللقاء بين الرئيس الأمريكي ونظيره الإيراني، الذي يمكن أن يُعقََد على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر انعقادها بعد حوالي أسبوعين، أثار قلق نتنياهو، الذي وصل إلى لندن برسالةٍ أخرى: وهي أنَّ "هذا ليس الوقت المناسب للتفاوض مع إيران، بل ممارسة المزيد من الضغط عليها".
ونظراً إلى استمرار إسبر في الترويج لاستراتيجية المفاوضات بعد لقائه مع نتنياهو، ربما يمكننا أن نستنتج أنَّ زيارة نتنياهو إلى لندن لم تؤتِ ثمارها. فحالة اليأس الموجودة لدى نتنياهو لم تنتهِ.
كما يبدو أن الأمريكيين تجاهلوا رغبته في توقيع ميثاق الدفاع.. فلجأ لخداع الناخبين
ولم تُذكَر أي كلمات مشجعة حول "ميثاق الدفاع" الذي يرغب في توقيعه مع الولايات المتحدة، وهو سبب آخر وراء زيارته المفاجئة، وفقاً لبعض التكهنات. لذا فضَّل "نتنياهو المنشغل بإيران" تركيز الحوار العام على الكاميرات بدلاً من التركيز على زيارته.
وقد نجحت هذه الحيلة الديماغوجية، التي كانت تهدف إلى تخويف الناخبين وإجبارهم على الذهاب إلى اللجان للتصويت، وزرع الشك في النظام كله، نجاحاً رائعاً. إذ كان بإمكان المعارضة الإسرائيلية، التي تعج بالجنرالات، تقديم بديلٍ، أو الإدلاء ببعض التصريحات الساخرة حول موضوع إيران، لكنَّها كرست كل وقتها بدلاً من ذلك للرد على التصريحات الأخيرة، حسب التقرير.
السيناريو الذي يرعبه قد اقترب من التحقق
وبعد فترةٍ طويلة من التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، التي أجَّجها قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وزيادة العقوبات، يجب على نتنياهو الآن الاستعداد لتزايد احتمالية تحسُّن العلاقات بين ترامب وروحاني قريباً قبل التوصُّل إلى نسخةٍ جديدة من الاتفاق النووي.
وهذا سيناريو يرعب نتنياهو الذي لا يمكنه إلَّا أن يدعو ربه ألَّا يحدث ذلك قبل الانتخابات، حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية.
ويأتي كل ذلك في الوقت الذي تُكثِّف فيه إيران تهديداتها. إذ كرَّر بهروز كمال أفندي، المتحدث باسم وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، تعهُّد روحاني بأنَّ إيران ستبدأ قريباً في استخدام أجهزة طرد مركزي أسرع وأكثر تقدماً.
لقد خذله ترامب، ولكنه لا يستطيع انتقاده
وفي هذا المأزق المعقد، الذي علق فيه نتنياهو بين معارضته للمفاوضات والواقع الذي حدده صديقه السياسي دونالد ترامب، ليس أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي خيارٌ سوى تقديم ترامب على أنَّه وسيطه المُفضَّل.
وفجأةً، صار نتنياهو، الذي يدعي أنَّ هذا ليس الوقت المناسب للتفاوض مع إيران، يلقي تلميحاتٍ بأنه يعتمد على صديقه ترامب لإجراء هذه المحادثات بصورةٍ أفضل من سلفه أوباما. إذ اعترف نتنياهو لبعض المراسلين في لندن باحتمالية إجراء هذه المحادثات، قائلاً إنَّه "بالتأكيد لا يُملي على الرئيس الأمريكي بمن يجتمع ومتى يجتمع به"، وأضاف أنه متيقنٌ من أن ترامب سيتبع في المحادثات "نهجاً أشد وأفضل واقعيةً من ذلك الذي كان سائداً في السابق".
بينما وجه سهام النقد لماكرون
وفي نفس الوقت الذي عبر فيه عن ثقته التامة في المحادثات بقيادة ترامب، كرر نتنياهو إدانته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعمل على تعزيز هذه المحادثات، إذ قال: "اعتقدت أنَّ الدعوة التي وجَّهها ماكرون إلى (وزير الخارجية الإيراني) ظريف في اليوم الذي كانت تخطط فيه إيران لشن هجماتٍ علينا (في إشارة إلى دعوته لحضور قمة مجموعة السبع) غير مناسبة تماماً، وقد أخبرته بذلك. فهناك حاجة إلى ممارسة مزيد من الضغط على إيران". وبدا الأمر كما لو أنَّ نتنياهو يستخدم ماكرون وسيلةً لمحاربة الفكرة، دون أن يهاجم ترامب مباشرة.
وعلاوة على ذلك، اضطر نتنياهو إلى إدراك الحقيقة التي تتكشف أمام عينيه، وفقاً لما ذكره لجونسون.
إذ قال: "قلت لبوريس جونسون إنَّ هذا هو وقت الضغط على إيران، وإنه في حال إجراء مفاوضات، فيجب أن تكون شاملة وتتضمن وقف تطوير الصواريخ الباليستية، وأكَّدت أنَّ الاتفاق برمته يعتمد على أن توقف إيران تصرفاتها العدوانية".
وصحيح أنَّ نتنياهو سبق له أن أعلن بتلميحاتٍ مراوغة "عدم معارضته" إبرام اتفاقٍ جديد من الناحية النظرية، لكنَّ الشروط التي يضعها غير واقعية على الإطلاق.
فعلى سبيل المثال، يأمل نتنياهو، في حال سعي الولايات المتحدة إلى اتفاق جديد، ألَّا تتراجع الإدارة الأمريكية عن الخطاب المكون من 12 نقطة الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والذي وضع فيه شروطاً قاسية على طهران. ومن ثَمَّ، فمن الصعب تخيُّل التوصُّل إلى مثل هذا الاتفاق.
وتختتم الصحيفة الإسرائيلية تقريرها قائلة: "على أي حال، من المفارقات المثيرة للسخرية أننا قد نرى نتنياهو في المستقبل القريب وهو يشيد باتفاقٍ جديد مع إيران. وربما حتى في الكونغرس، من يدري؟".