مجموعة القرارات التي اتخذتها السعودية بشأن وزارة الطاقة، أو بمعنى أدقّ وزير الطاقة خالد الفالح، لفتت الانتباه داخل وخارج المملكة، فما الدوافع وراء تقليص صلاحيات الفالح؟ أو بالأحرى تحييده وإبعاده عن مجلس إدارة شركة أرامكو التي كان يرأسها؟ وماذا يريد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان من وراء تلك القرارات؟
ما القرارات؟
البداية جاءت قبل خمسة أيام عندما أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز جملة من القرارات الملكية، شهدت استحداث وزارة جديدة للصناعة والثروة المعدنية، وهو ما يعني فصل المجالين عن وزارة الطاقة، وتقرر تعيين بندر الخريف، وهو مستثمر ورجل صناعة من القطاع الخاص، رئيساً للوزارة الجديدة التي ستصبح مستقلة بدءاً من أول يناير/كانون الثاني.
قيل يومها إن الفالح سيظل وزيراً للطاقة ورئيساً لمجلس إدارة شركة النفط العملاقة التابعة للدولة "أرامكو".
تقليص سلطات أم استبعاد ناعم؟
وأمس الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول، أفاد الموقع الإلكتروني لشركة أرامكو السعودية بأن الفالح لم يعد عضواً في مجلس إدارة شركة النفط الحكومية العملاقة، وذكرت وكالة الأنباء السعودية يوم الثلاثاء أن وزير النقل السعودي نبيل العامودي عُين في مجلس إدارة أرامكو.
جاءت هذه الخطوة بعد الإعلان عن تعيين ياسر الرميان رئيس صندوق الاستثمارات العامة، صندوق
الثروة السيادي للمملكة، رئيساً لمجلس إدارة أرامكو ليحل محل الفالح، بحسب رويترز.
وحتى نقف على مدى أهمية التحرك ضد الفالح، نذكر أنه قد أشرف على أكثر من نصف الاقتصاد السعودي من خلال وزارته الواسعة التي تأسست عام 2016 للمساعدة على تيسير إصلاحات جديدة.
وبحسب رويترز، قال مصدران إن رجال الصناعة بالسعودية لم يكونوا سعداء بعدم تحقيق نتائج تذكر خلال ولاية الفالح، وأضاف أحدهما أن قرار الفصل جاء بعد اجتماعات بين رجال أعمال وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حاكم المملكة الفعلي.
لكن بالرغم من وضع خطط طموحة للصناعة والتعدين، شهد القطاعان تطوراً ضئيلاً نسبياً، وقطاعا الصناعة والتعدين حيويان لخطط الأمير الشاب الرامية لتنويع الموارد في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وخفض الإنفاق الحكومي المتضخم وتوفير الملايين من فرص العمل لقطاع الشباب.
وقال الخبير الاقتصادي السعودي، فواز الفواز، إن الفصل خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها ليست كافية. وأضاف على تويتر: "هناك جهود مبعثرة تنظيمياً في محتوى محلي وتصنيع عسكري ونقص دائم في الاستثمارات. نحتاج تفكيراً أكثر".
ما علاقة طرح "أرامكو" بالفالح؟
عملية التخلص من الفالح مرتبطة بشكل مباشر بالطرح العام لنسبة 5% من أسهم شركة أرامكو الذي أعلن عنه محمد بن سلمان عام 2016 في إطار خطته 2030 لتطوير المملكة وتحويلها لدولة عصرية لا يعتمد اقتصادها فقط على عائدات النفط.
ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريراً بعنوان "أرامكو تستبدل رئيس مجلس إدارتها في ظل اقتراب الطرح العام"، وصفت فيه خطوة إبعاد الفالح عن الشركة بأنه تحول رئيسي.
التقرير وصف ياسر الرميان بأنه "حليف مقرب من ولي العهد"، وقالت إن المراقبين لأرامكو قرأوا التغييرات على أنها تسريع لعملية الطرح العام، وأن ولي العهد يريد أن يصل تقييم أرامكو لتريليوني دولار ليتم جمع 100 مليار دولار من عائد طرح 5% من أسهم الشركة في البورصات العالمية.
خطط الطرح كانت قد تعطلت العام الماضي بسبب مسألة التقييم وانخفاض أسعار النفط وأيضاً مكان الطرح العام في البورصات العالمية، فبورصة نيويورك -بحسب تقارير- تم استبعادها بسبب صورة السعودية التي تضررت كثيراً بعد اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي، وبورصتا لندن وهونغ كونغ لم تعودا خياراً مفضلاً في ظل حالة عدم الاستقرار في البلدين.
وأفاد تقرير وول ستريت جورنال بأن السعودية ستنفذ عملية الطرح على مرحلتين: الأولى قبل نهاية العام الجاري من خلال بورصتها المحلية، والمرحلة الثانية العام المقبل أو 2021 في البورصات العالمية.
التقرير ألقى الضوء على دور الفالح في تأخير عملية الطرح للأسهم خشية كشف أوراق الشركة أمام التدقيق العام غير المرغوب فيه واحتمالات التعرض لمشاكل قانونية.
في هذا الإطار جاء إبعاد الفالح "كدليل على جدية إدراج أرامكو في البورصة"، كما قالت حليمة كروفت، رئيسة قسم استراتيجيات السلع في البنك الكندي آر بي سي، مضيفةً: "الأمير محمد يضع رجاله في المكان المناسب لإنجاز المهمة".