ما هو الرابط المشترك بين استثمار سعودي في الهند وبطولة ملاكمة مثيرة للجدل؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/29 الساعة 13:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/29 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش
ولي العهد السعودي في ضيافة مودي الهند - أرشيفية

ما هو الرابط المشترك بين استثمارٍ سعودي قيمته 15 مليار دولار أمريكي في شركاتٍ هندية تعمل في مجال النفط وبطولة ملاكمة مثيرة للجدل؟ الإجابة تكشف الكثير عن عالم مخيف أشبه بالغابة، التي ترفع شعار البقاء للأقوى.

جيمس دورسي زميلٌ أول في كلية الدراسات الدولية في جامعة راجارتنام بسنغافورة، استعرض القصة في تقرير نشره موقع لوب لوغ الأمريكي بعنوان: "الصفقات التجارية والملاكمة وجهان لعملةٍ واحدة"، أجاب فيه عن السؤال: "كلاهما يعكس عالماً تقود فيه القوة والاقتصاد السياسة والأعمال التجارية على حساب الحقوق الأساسية" .

البقاء للأقوى

ويؤكد كلاهما نظاماً عالمياً جديداً ناشئاً، يشهد اتّباع نهج البقاء للأقوى، ويشبه غابةً يُحاصَر فيها المعارضون والأقليات وكل الفئات المهمشة الأخرى ويتعرضون للقمع بوتيرةٍ متزايدة. 

فبدلاً من تعزيز الاستقرار ببناء مجتمعات شاملة ومتماسكة، تدعم القوة والاقتصاد اتجاهاتٍ من المرجح أن تنتج عالماً غير مستقر وغير آمن إلى الأبد، يتّسم بالصراعات الاجتماعية والهجرة الجماعية والتطرف والعنف، عالماً تستفيد فيه الأعمال التجارية من القرارات التي تتخذها مجموعةٌ معينة من قادة العالم، يتشاركون مبادئ الحكم السلطوية الاستبدادية غير الليبرالية، وكثيراً ما يكافئون بعضهم بعضاً بصفقاتٍ تجارية مربحة على السياسات التي قد تؤدي إلى تفاقم الصراع بدلاً من الحد منه.

ومن ثَمَّ، فلا شك أنَّ استحواذ شركة أرامكو السعودية الحكومية المزمع على 20% من شركة  Reliance Industries، التي تعمل في مجال النفط، وتعد إحدى أكبر الشركات في الهند، له مغزى اقتصادي وتجاري واستراتيجي تجاري.

ضوء أخضر لمودي

ومع ذلك، لا يوجد أدنى شكّ في أنَّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بعد أيام من إلغائه الحكم الذاتي في ولاية كشمير المضطربة ذات الأغلبية المسلمة، سيقرأ إعلان الاستحواذ على أنَّه ترخيصٌ لمتابعة سياساته القومية الهندوسية التي تتسم بالتمييز ضد المسلمين والأقليات الأخرى، وتؤجِّج التوترات بين الهند وباكستان القوة النووية الأخرى في شبه القارة الهندية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ التكلفة النهائية لتداعيات السياسات والصفقات التجارية التي تسهم في تشجيع سياسات إقصاء فئاتٍ معينة بدلاً من إدراج جميع شرائح السكان، وتفاقُم الصراع الإقليمي، وتمنح ترخيصاً بذلك يمكن أن تكون أعلى بكثير من الفوائد التي ستعود على أطراف هذه الصفقات.

وما يؤكَّد خطورة سياسات الإقصاء والتحركات التي تُتخذ من جانب واحد، أنَّ هناك مناوشات حدودية اندلعت بين القوات الهندية والباكستانية في الأسبوع الجاري على طول الحدود الكشميرية، أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل.

لكنَّ توقيت إعلان الصفقة التي أُبرمت بين شركة أرامكو والشركة الهندية في بيئةٍ عالمية تتزايد فيها أشكالٌ مختلفة من العنصرية والتعصُّب، بما في ذلك كراهية الإسلام، يؤكد أنَّ القادة السياسيين ورجال الأعمال الهنود من المستبعد أن يدفعوا ثمن السياسات التي تزرع الشقاق وتُهدِّد الحياة قريباً.

صمت إسلامي مريب

مواجهات بين الجيش الهندي ومتظاهرين في كشمير، أرشيفية/ رويترز

وكما حدث بسبب الصمت السعودي والإسلامي عن الحملة الوحشية التي تشنها الصين على المسلمين الأتراك في إقليم شينجيانغ المضطربة في شمال غرب الصين، التي تعد من أشد الهجمات المباشرة على ديانةٍ معينة في التاريخ الحديث، فإعلان هذه الصفقة قد يجعل الأقليات المسلمة المنكوبة مثل الإيغور والكشميريين، والروهينغا الذين ما زالوا يعيشون في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش، تقتنع بأنَّها تُرِكت للهلاك دون مساعدة. 

وصحيحٌ أنَّ الكشميريين يمكنهم الاعتماد على دعم باكستان، لكنَّ هذا الدعم لن يتجاوز الدعم العاطفي واللفظي والسياسي على الأرجح.

فمن المستبعد أن تُطلق باكستان مقاتليها المناهضين للهند لأنَّها بذلك ستُخاطر بإدراجها في القوائم السوداء من جانب منظمة "مجموعة العمل المالي" الرقابية الدولية، لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في اجتماعها المقبل، المقرر عقده في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

تأثير اجتماعي لمباراة ملاكمة

أمَّا بالنسبة للملاكمة، فإنَّ التأثير الجيوسياسي أو الاجتماعي للنزال المثير للجدل المقرر إقامته بين أنتوني جوشوا وأندي رويز، في ديسمبر/كانون الأول، المقبل في المملكة العربية السعودية، وهو أول بطولة ملاكمة تقام في الشرق الأوسط، يتضاءل مقارنةً بالصفقة التجارية السعودية الهندية.

آندي رويس وجوشوا سيلعبان في السعودية ديسمبر المقبل

والحقيقة هي أنَّ استضافة المملكة العربية السعودية للبطولة أثارت غضب بعض الناشطين وليس مجموعاتٍ كبيرة من سكان البلاد. وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن يُنظر إلى النزال على أنَّه دليلٌ على الجهود الانتقائية التي يبذلها الأمير محمد بن سلمان، في سبيل تحرير المملكة التي كانت متشددة على الصعيد الاجتماعي. 

لكنَّه كذلك يُعزِّز تصور الأمير محمد أنَّ المملكة العربية السعودية يمكن أن تفلت من العقاب على حبس النشطاء الذين طالبوا بإصلاحاته، فضلاً عن عدم وجود شفافية في الإجراءات القضائية ضد الجناة المزعومين الذين قُتلوا الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. وما زالت المملكة العربية السعودية تُصر على أنَّ جريمة القتل ارتُكِبَت على يد عناصر مارقة.

غياب "السلطة الإنسانية"

وهنا نعود مرةً أخرى إلى الرابط المشترك بين الاستثمار السعودي في الهند وبطولة الملاكمة المقرر إقامتها في المملكة، لنجد أنَّ كليهما يؤكدان قواعد عالمٍ تندُر فيه "السلطة الإنسانية"، وهو مفهوم صاغه عالم العلاقات الدولية الصيني البارز يان شويتونغ. 

إذ يستخدم شويتونغ هذا المفهوم ليقول -دون الإشارة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ أو إقليم شينجيانغ أو نهج الصين العدواني تجاه منطقة بحر الصين الجنوبي أو سياستها تجاه تايوان وهونغ كونغ- إنَّ الصين تنقصها السلطة الإنسانية، كي تستفيد من تقويض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدور القيادي الأمريكي في العالم.

ويُضيف أنَّ الدولة التي تحظى بسلطة إنسانية هي دولة تحافظ على المصداقية الاستراتيجية، وتدافع عن النظام الدولي بأن تصبح مثالاً يُحتذى به عن طريق التزامها بالمعايير الدولية، وتكافئ الدول التي تستوفي تلك المعايير وتعاقب الدول التي تنتهكها. وكذلك فاتِّباع نهج السلطة الإنسانية يمكِّن الدولة من كسب الحلفاء وبناء نظام دولي مستقر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تحليل شويتونغ ينطبق على الهند والمملكة العربية السعودية، كما ينطبق على الصين وغيرها من الدول التي تميل إلى السياسات الحضارية، مثل الولايات المتحدة وروسيا والمجر وتركيا.

وينطبق كذلك على أمثال إيدي هيرن، المروِّج الخاص بأنتوني جوشوا، ورؤساء الأعمال التجارية بوجهٍ عام.

وصحيحٌ أنَّ أرامكو شركةٌ حكومية وتخضع لسياسة الحكومة. ولكن حتى هذه الشركة، في ظل استعدادها لطرح عامٍ أوَّلي قد يكون هو الأكبر في العالم، يجب أن تأخذ في اعتبارها عوامل أخرى بعيداً عن المعايير الاقتصادية والمالية البحتة.

وفي النهاية، يُمكن القول إنَّ نظرية شويتونغ مفادها أنَّ معايير القيادة، سواءٌ أكانت جيوسياسية أو اقتصادية أو تجارية، تتضمَّن الأخلاق مثلما تتضمَّن القوة واستغلال الفرص، وبالقدر نفسه. 

من ثَمَّ، فعدم تبنِّي قدرٍ من السلطة الإنسانية، وجعل قرارات القيادة والأعمال التجارية مقصورةً على استغلال الفرص مع تجاهل عواقبها أو البيئة التي تُتخذ فيها، سينقلب في نهاية المطاف على القادة السياسيين ورؤساء الأعمال التجارية.  

إذ يقول شويتونغ: "نظراً إلى أنَّ قيادة السلطة الإنسانية قادرة على موازنة الكفة أمام أخطاء تلك الدول التي تزعج النظام الدولي، يمكن الحفاظ على النظام القائم على قيادتها بصورةٍ دائمة" .

وما ينطبق على القادة السياسيين ينطبق كذلك على رؤساء الأعمال التجارية، حتى إذا رفضوا الاعتراف بأنَّ قراراتهم لها تأثير سياسي بقدر تأثيرها الاقتصادي.

تحميل المزيد