كان دخول قوات الشرعية اليمنية إلى عدن سريعاً ومفاجئاً، في ظل انهيار قوات الانفصاليين الجنوبيين فهل يعني هذا المشهد قرب انهيار النفوذ الإماراتي في اليمن، بعدما كان وصل لذروته عبر سيطرة الانفصاليين على عدن.
فقد وصلت قوات الجيش اليمني عدن، وأحكمت سيطرتها على المطار الدولي الأربعاء 28 أغسطس/آب 2019، وذلك بعد سيطرتها على مناطق أخرى بجنوب اليمن.
وأفادت مصادر ميدانية بانهيار قوات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، في وقت وصل فيه رئيس الحكومة معين عبدالملك إلى مدينة عتق، مركز محافظة شبوة جنوبي اليمن.
القوات الإماراتية تخلي المطار
وتم تعليق الرحلات الجوية في مطار عدن، فيما قامت القوات الإماراتية بإخلائه من الموظفين، حسب المصادر.
وقال وزير الإعلام اليمني على تويتر "قوات الحكومة تنتزع السيطرة على مطار عدن من الانفصاليين الجنوبيين" .
وتأتي هذه التطورات بعد أن تمكَّنت قوات الجيش اليمني من استعادة السيطرة على محافظة أبين بشكل كامل، من قبضة القوات التابعة للمجلس الانتقالي.
وأشارت تلك المصادر إلى سقوط قتلى وجرحى في الاشتباكات التي اندلعت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين الطرفين.
هل هو انقلاب سعودي على الحليف المفضل؟
ويُنظر لهذه التطورات على أنها انعكاس لانقلاب في العلاقات بين العضوين الرئيسيين في التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن.
إذ يعتقد أنها تمثل تغييراً في موقف السعودية من الإمارات، بعد أن كانت المملكة قد تركت الحبل على الغارب لأبوظبي، حليفتها الصغرى في جنوب اليمن.
وانجرفت قيادة "التحالف العربي" خلف الإمارات، لتُبدد طاقاتها في جهود كبيرة خارج إطار الهدف الذي تدخلت بسببه عسكرياً في اليمن، والمتمثّل في استعادة الشرعية.
إذ تركّزت اهتمامات قيادة التحالف على ملفات وأجندة خاصة تشكّل أولوية عند دولة الإمارات تحديداً.
وقبل التطورات الأخيرة التي وقعت اليوم في عدن، كان الخاسر الأكبر في هذه الحرب هو تلك الجماعات التي اندفعت للقتال في صفّ الحكومة الشرعية، والتي كانت قيادة "التحالف العربي" في بداية الحرب قد وجَّهت الدعم العسكري والمالي بشكل مباشر لها، خصوصاً الجماعات الدينية من تيار السلفيين والإخوان المسلمين.
إذ تحمَّلت هذه القوات عبءَ القتال مع الحوثيين، فيما عزّز الانفصاليون سيطرتهم على جنوب اليمن، دون أن يشاركوا بشكل فعال في المعركة الرئيسية.
وبعد أن سلمت الرياض زمام القيادة في الجنوب للإمارات، فاجأتها الأخيرة بإعادة نشر قواتها، تاركةً السعوديين وحدهم أمام الحوثيين بالتزامن مع تقارب إماراتي مع إيران، خَصم الرياض اللدود.
ولم تكتفِ أبوظبي بذلك، بل تحرَّك حلفاؤها الجنوبيون ليسيطروا على عدن ويطردوا ممثلي الحكومة المعترف بها دولياً من قصر الرئاسة.
ولكن يبدو أن بيت العنكبوت الإماراتي في اليمن يتهاوى، بعدما رفض حلفاؤهم الجنوبيون دعوات السعودية للتفاهم مع الحكومة الشرعية، في مواجهة الحوثيين عدوهم المشترك.
ولا يمكن تصور أن يكون تحرك القوات الحكومية جاء من دون موافقة أو توجيه سعودي، في ظل خلاف مع الإمارات عبَّر عنه مواقف الإعلام السعودي المحتفي بانتصارات قوات الشرعية.
ما الذي غيَّر موقف السعودية في اليمن؟
"الإمارات" تمارس دور المحتل في اليمن، حسبما قال وزير النقل اليمني صالح الجبواني.
واعتبر الوزير اليمني أن "لدى الإمارات مشروعاً يمنياً مناطقياً مفككاً، وأن هناك إجماعاً حكومياً على التخلي عنها" .
وكشف أن السعودية كانت إلى وقت قريب تتلقَّى تقاريرها عن الجنوب من المخابرات الإماراتية، لكن الآن لديها رؤيتها الخاصة، بفضل وجودها على الأرض، بحيث لم يعد هناك ما يسمى بالدور الموكل إلى الإمارات بتولي مهامها في أجزاء معينة من اليمن.
ما الذي تريده الإمارات من اليمن؟
أهداف الإمارات في اليمن، بل في المنطقة كلها مختلفة عن السعودية، التي ترى أن الخطر الرئيسي هو النفوذ الإيراني المتمادي في الدول العربية، والذي لم يُفض فقط إلى سيطرة طهران على أربع عواصم عربية كما يقول المسؤولون الإيرانيون أنفسهم، بل تغيير الهوية الديموغرافية في بلد عربي كبير مثل سوريا.
ولكن الإمارات تتجاهل طموحَ إيران، التي تحتل جزرها الثلاث، وتركز على معاداة الديمقراطية في العالم العربي والحركات الإسلامية، إضافة لإنشاء إمبراطوريتها البحرية الخاصة.
وسارت السعودية في ركاب الإمارات، فحاصرت قطر في وقت كانت قوات الدوحة تقف على حدود تشارك في حمايتها من اعتداءات الحوثيين.
وناصبت الرياض تركيا عداء غير معلن، رغم أن البلدين كانا متفقين على التصدي للمشروع الطائفي الإيراني.
كما أخذت المملكة تهاجم الإخوان المسلمين في كل مكات، رغم نظرة الاحترام التي يُكنّها الإسلاميون عامة لبلاد الحرمين.
سر تشابه أهداف طهران وأبوظبي
والنتيجة أن أبوظبي غازلت إيران، بعدما كانت تحرِّض الأمريكيين ضدَّها وتركت السعودية وحدها في اليمن، واضعة بذوراً انفصالية في الجنوب، من شأنها تفكيك اليمن إلى يمنَيْن؛ شمالي يسيطر عليه الحوثيون، وجنوبي يسيطر عليه المجلس الانتقالي الموجَّه إماراتياً.
كأنّ هدف الإمارات هو تقسيم النفوذ في اليمن بينها وبين إيران، التي يفترض أنها دخلت للتصدي لها.
وفي هذا الصدد يقول وزير النقل اليمني، إنَّ "خطر إيران واضح، لكن دور الإمارات هو دور غادر في ثياب صديق"، مضيفاً أن الإمارات تريد السيطرة على منابع الثروة وسواحل اليمن لتتحكم في المشهد كله.
وذكر الجبواني أن هناك ثلاث محاولات انقلابية قامت بها الإمارات لتصفية الدولة في جنوب اليمن، مشيراً إلى أنها استغلت الغطاء السياسي للدولة اليمنية لتنفيذ مشروعها في الجنوب.
90 ألف مقاتل.. كيف بنت الإمارات إمبراطوريتها في اليمن؟
90 ألف مقاتل موالين للإمارات في اليمن، حسبما تذكر العديد من المصادر.
فكيف نجحت أبوظبي في بناء هذه القوة في غفلة من السعودية.
منذ بداية الحرب اليمنية، اكتسب التدخل الإماراتي طابعاً خاصاً، بفضل الأداء المتفوق للقوات الإماراتية على الجيش السعودي.
وأيضاً بفضل التحالفات والتكتيكات التي استخدمتها أبوظبي، وكذلك لانشغال السعودية بحماية حدودها من هجمات الحوثيين.
أبطال معركة عدن ينأَون بأنفسهم عن الحرب الحقيقية
لعبت القوات الإماراتية الدورَ الرئيسي في معركة تخليص عدن من الحوثيين.
إذ أظهرت كفاءة مَنحت التحالف العربي انتصارَه الوحيد المهم في الحرب اليمنية المستمرة منذ نحو أربع سنوات.
ومنذ ذلك الوقت ركزت القوات الإماراتية نفوذَها في الجنوب، تاركةً السعوديين وقوات الحكومة الشرعية وأنصار الإصلاح متورطين في معارك الشمال الأكثر وعورة، باستثناء الدور الإماراتي في معركة الحديدة، الذي لم يُكلل بالنجاح.
أدوات الإمارات.. خلطة من الانفصاليين والسلفيين والمرتزقة
منذ البداية استخدمت الإمارات أدوات متناقضة في اليمن لتحقيق أغراضها، عبر تحالفات يبدو أنها تُخالف هدف التحالف العربي في الحفاظ على وحدة اليمن.
فمع بدء الحرب، اعتمدت الإمارات على المرتزقة الأجانب، لاسيما الكولومبيين، لخوض المعارك في جنوب اليمن.
كما حاولت تجنيد مرتزقة من قبائل عربية ليبية وبدول إفريقية أخرى للقتال في اليمن.
وقالت مصادر مقربة من عائلات المجندين "أن الإمارات تجند أبناء القبائل العربية التشادية والنيجرية، وتلبسهم الزي العسكري الإماراتي، وتزجهم في الحرب اليمنية على أنهم عناصر من الجيش الإماراتي".
وأوضحت المصادر, أن "أبو ظبي تخدع أبنائهم عبر إقناعهم بأنهم ذاهبون إلى الإمارات للعمل في الشركات الأمنية الموجودة هناك بمبالغ وامتيازات خرافية، وحين وصولهم يتم أخذهم وإرسالهم إلى الجبهات الساخنة".
وها هي تنقلب على السلفيين
ثم بحثت عن حلفاء يختلفون عن أصدقاء السعودية.
فأسَّست أغرب تحالفات.
إذ تحالفت بشكل أساسي مع الانفصاليين، ولكنها لم تتورع أيضاً عن التحالف مع متطرفين سلفيين، رغم خطابها المتكرر عن محاربتها للتطرف.
الغريب أن أبوظبي سرعان ما انقلبت على السلفيين، الذين تعرض العديد من قياداتهم لعمليات اغتيال غامضة، وبعضهم تم إدراجهم في قوائم دعم الإرهاب،
كما حدث مع تصنيف الحليف الأقوى للإمارات، الشيخ السلفي عادل عبده فارع (أبوالعباس)، المدرج على قائمة داعمي الإرهاب بموافقة الإمارات والسعودية.
وتستخدم المرتزقة لاغتيال قيادات الإصلاح
وفي الوقت ذاته لم تتوقف أبوظبي عن إضعاف الحكومة الشرعية، بدعوى أن الإصلاح يسيطر عليها، علماً أنه لا يمكن التصدي لنفوذ الحوثيين في اليمن دون مشاركة الإصلاح، باعتباره أكبر حزب سني في اليمن.
ووصل الأمر إلى استخدام المرتزقة الأجانب لاغتيال قيادات الإصلاح في اليمن، حسبما كشف تحقيق أجراه موقع Buzzfeed News الأمريكي.
إذ صورت طائرات عسكرية من دون طيار،على سبيل المثال، مقطع فيديو يفضح مشاركة جنود مرتزقة أمريكيين مسلحين في عملية اغتيال رجل دين بارز في اليمن.
كل هذه التقلبات والممارسات أضعفت القضية الرئيسية في اليمن؛ الحوثيين.
ولكن التصدي للحوثيين ومن خلفهم الإيرانيين يبدو أنه آخر هم الإماراتيين.
فالإمبراطورية التي يزمعون إنشاءها على طول سواحل جنوب الجزيرة العربية والقرن الإفريقي تحتاج حتماً لتفكيك اليمن لأن عدن بميناءها وموقعها الاستراتيجي هي درة الإمبراطورية الإماراتية.
ومن معركة عدن بدأت الإمارات في تشييد إمبراطوريتها اليمنية، وفي عدن وصلت لذروتها عقب سيطرة حلفائها الانفصاليين، ومن عدن بدأت الإمبراطورية اليوم تتداعى.
هل تؤدي معركة عدن إلى انهيار النفوذ الإماراتي في اليمن؟
رغم مظاهر الانهيار في قوات الانفصاليين الجنوبيين المدعومة من الإمارات، يبقى المشهد في اليمن ملتبساً.
يشير هذا الانهيار في أماكن عدة إلى أن شعبية الانفصاليين في الجنوب ليست كبيرة، كما أن الانتهاكات المنسوبة لهم أغضبت الشارع الجنوبي.
كما أن طبيعة علاقات الإمارات بأصدقائها في اليمن ليست كعلاقة السعودية بالسلفيين وإيران بالميلشيات الشيعية.
فالإمارات تملك في اليمن مناصرين واتباعاً، وليس حلفاء، بسبب عدم وجود رابط عقائدي يمكنه ضمان أن يحارب الآخرون في صفِّها مهما كانت الخسارة.
ولكن يبقى وجود الانفصاليين على الأرض مؤكداً، وأن هناك قطاعاً من الجنوبيين يؤيد الانفصال تارة للتخلص من مشاكل الشمال التي لا تنتهي، وتارة بسبب مظالم يتحدث الجنوبيون عن تعرضهم لها بعد الوحدة، خاصة أن بلادهم كانت دولة مستقلة لعقود.
كما أن حجم وقدرات قوات الانفصاليين لا يمكن الاستهانة بها في ظل التقديرات التي تشير إلى وجود 90 ألف مقاتل موالٍ لأبوظبي، علماً أن جميعهم ليسوا انفصاليين.
الأخطر أن الإمارات مشهود لها بالقدرة على تجنيد المرتزقة واستغلال التشوهات الاجتماعية لحشد الاتباع، وعبر تدفقات مالية لا يضاهيها فيها أحد.
وتظل السعودية في حاجة لمقاربة جديدة في اليمن، مقاربة تقوم على إدراك أن خطر الإمارات والانفصاليين على وحدة اليمن لا يقل عن خطر الحوثيين.
مقاربة لا تستبعد الخيار المُر للسعوديين، وهو التفاوض مع الحوثيين، وهو خيار تحدَّثت تقارير إعلامية عن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إليه.
وقد يكون على السعوديين التفكير في إبرام صفقة تحفظ مصالحهم ووحدة اليمن وحقوق سُنته، في ظلّ حديث عن لقاء محتمل بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني، لعقد صفقة لحلِّ الأزمة الإيرانية، صفقة إذا تمت تستحق لقب صفقة القرن الحقيقية.
فهل ينال اليمنيون نصيباً من صفقة القرن المحتملة، أم تغفر السعودية للإمارات خيانتها في عدن؟.