«يريدون قتلنا والاستيلاء على أرضنا».. صمت الكشميريين عن جرائم الهند لن يستمر إلى الأبد

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/25 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/25 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
الجيش الهندي يفرض أشبه بحصار على كشمير من خلال عزلها تماماً عن العالم وتحويلها لثكنة عسكرية

في فبراير/شباط الماضي، فجَّر انتحاريٌّ نفسه بقافلة تابعة للجيش في مدينة بولواما الكشميرية، وهو ما أدى إلى مقتل أكثر من 40 فرداً عسكرياً. دفع هذا الهجوم، الذي زعمت الهند أنه من تنفيذ مسلحين عبروا الحدود من باكستان، الدولتين النوويتين إلى حافة الحرب. ولكن مع هدوء التوترات بين البلدين خلال الأشهر التالية، تصاعدت حدة التوترات مجدداً في 5 أغسطس/آب، عندما أعلنت نيودلهي من جانب واحد، إلغاء بعض جوانب الحكم الذاتي في جامو وكشمير، التابعتين للإدارة الهندية، وهي الخطوة التي حذرت إسلام آباد من أنها قد تكون بداية تطهير عرقي في الإقليم المتنازع عليه ذي الأغلبية المسلمة.

في 16 أغسطس/آب، ناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قضية كشمير للمرة الأولى منذ عقود. ولكن على الرغم من أن مصير المنطقة كان محل نقاش وجدال عنيف في واشنطن ولندن وموسكو وبكين وباريس، عواصم الدول صاحبة العضوية الدائمة بمجلس الأمن، تعرضت الأصوات الكشميرية للقمع منذ 5 أغسطس/آب، مع فرض إجراءات أمنية مشددة وانقطاع شبه تام للاتصالات. حتى إن نيودلهي رفضت الاعتراف بالتقارير المصورة التي جاءت من الإقليم، مثل مقطع شبكة BBC الذي يُظهر تعرُّض آلاف المتظاهرين في سريناغار لاعتداء الشركة بالغاز المسيّل للدموع، وصفتها بـ "الملفقة".

بالإضافة إلى قطع الاتصالات، نظّمت نيودلهي عمليات اعتقال جماعي لنشطاء سياسيين وانفصاليين، وأعضاء بارزين بالمجتمع المدني، ومحامين، ورجال أعمال؛ في محاولة للسيطرة على الأنباء والمعلومات المتدفقة إلى داخل كشمير وخارجها. ومع ذلك، أعلنت الحكومة الهندية مراراً، أنه لا توجد أي أزمات قانونية أو نظامية في الولاية. لذا، سافر مراسل مجلة Foreign Policy الأمريكية إلى مدينة بولواما، لاستكشاف الوضع الراهن على أرض الواقع.

المدينة تتحول إلى ثكنة عسكرية

يعتمد اقتصاد بولواما بشكل أساسي على بساتين التفاح الشاسعة في أنحاء المدينة، والتي تنتشر بشكل واضح حول الطريق السريع الرئيسي لأبعد مما قد تبصره عين الرائي. ويعد شهر أغسطس/آب موسم ذروة العمل في البساتين، حتى حظر التجوّل الذي تفرضه الحكومة لا يمكنه إبعاد سكان بولواما عن مزارعهم. 

وفي 14 أغسطس/آب، أي قبل يوم واحد من ذكرى يوم الاستقلال الهندي، كانت المدينة أشبه بثكنة عسكرية، واستغرق الأمر بعض الوقت حتى عثر مراسل المجلة على سكان محليين مستعدين للحديث إلى مراسل صحفي. وفي زقاق مهجور، على خلفية أصوات طائرة مراقبة ضخمة تحوم في سماء المدينة، قال شابان بعمر العشرين إن الشرطة ألقت القبض على صديقهما، مدثر حميد دار، في حملة أمنية شنتها منتصف الليل قبل أسبوع.

تتحدث التقارير عن اعتقال القوات الهندية لآلاف الشبان في كشمير/ getty
تتحدث التقارير عن اعتقال القوات الهندية لآلاف الشبان في كشمير/ getty

وقال الشابان إن الشرطة هددتهما بالمصير نفسه إن لم يصمتا. وقالا إن صديقهما "دار" يدرس الطب وكان يستعد لاختبارات الأهلية للدراسات العليا (NEET)، وهو اختبار القبول المركزي بالهند لدخول أفضل كليات الطب في البلاد، ويتميز بالتنافسية العالية.

وقال أحد أصدقاء "دار": "أخشى على حياتي، ولكن عندما يتعلق الأمر بأهلك وجماعتك، يُجبَر المرء على المخاطرة بكل شيء". وقال إن أغلبية الشباب من المنطقة اعتقلتهم الشرطة مرة واحدة على الأقل خلال العامين الأخيرين، لأنهم كانوا يقذفون الحجارة على قوات الجيش خلال الحملات المعارضة للقبضة الأمنية المفروضة على المنطقة.

حملات اعتقال عشوائية واتهامات جاهزة بالإرهاب

وقال أحد الشباب الكشميريين: "بمجرد إلقاء القبض على صبية أبرياء وتعذيبهم بسبب شكوك لا أساس لها، ينضمون إلى الجانب المتشدد؛ رداً على حملات الاعتقال العشوائية. ثم تعلن الحكومة انضمامهم إلى الإرهابيين ويطلقون عليهم النار".

وأضاف الشاب، الذي يسعى إلى أن يصبح مهندساً ميكانيكياً، في إشارة إلى إلغاء نيودلهي البند الدستوري الذي يمنح كشمير درجة من الحكم الذاتي: "إلغاء المادة 370 يؤسس لعصر البلطجة. أصبحوا يعتقلون من يريدون وقتما يريدون. ورويداً رويداً، سوف يقتلون جميع الصبية في كشمير. يريدون قتلنا والاستيلاء على أرضنا".

محتجون يرشقون الجيش الهندي بالحجارة في كشمير/ AFP
محتجون يرشقون الجيش الهندي بالحجارة في كشمير/ AFP

ويعتبر قرار رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، تغيير الوضع الخاص لإقليم كشمير من جانب واحد، وهي القضية الرئيسية لحزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي، يعد استهانة بمكانة وأهمية الولاية، ويُخضعها لسيطرة نيودلهي مباشرة. بإمكان الهنود غير الكشميريين الآن شراء الأراضي في الولاية، وهو ما يثير مخاوف حقيقية من محاولة استقرار الهندوس في المنطقة وتغيير التركيبة السكانية للولاية ذات الأغلبية المسلمة.

عزل الكشميريين عن العالم

وعلى بُعد بضعة كيلومترات من البلدة الرئيسية على الطريق الرئيسي يقع سجن بولواما، حيث يُحتجز معظم الشباب المعتقلين. وفي أي صباح منذ 5 أغسطس/آب، يمكنك أن ترى حشداً من الآباء يسألون عن أبنائهم المفقودين.

وعلى بعض أمتار قليلة، أعربت مجموعة من الرجال المحليين عن صعوبة الحياة في ظل حظر التجوّل. وقال مير وسيم، (40 عاماً)، الذي يدير شركة ومدرسة في المنطقة: "تخبرنا وسائل الإعلام الهندية بأن الأمور هادئة، دون أن يسألونا عمّا نشعر به".

هناك إجماع في بولواما على أن قرار نيودلهي أدّى إلى عزل الكشميريين الذين كان بعضهم يشعر بالولاء للهند، عكس من أرادوا التحرر منها.

وقال وسيم: "المسلّح الذي حمل السلاح لن يهتم كثيراً بهذا التغيير. يمكنك رفع علم الهند أو باكستان أو الولايات المتحدة أو حتى أفغانستان، كل ذلك لا يعني له شيئاً، لأنه لا يريد سوى الحرية. الوحيدون الذين يهتمون بشأن إلغاء المادة 370 هم من يؤمنون فعلاً بالدستور الهندي، من يؤمنون بأنهم جزء من الهند"، حسب وصفه.

تقول "فورين بوليسي" إن كثيرين في الإقليم المضطرب يدعمون رأي وسيم. عندما أقدمت الهند على إلغاء المادة 370 من طرف واحد، دفعت بذلك المعتدلين الذين يميلون نحو نيودلهي في خطابات الهوية والولاية الكشميرية إلى حافة الهاوية.

عزلت كشمير عن العالم بعد قطع الانترنت والاتصالات وفرض حظر للتجوال عليها من قبل نيودلي/ رويترز
عزلت كشمير عن العالم بعد قطع الانترنت والاتصالات وفرض حظر للتجوال عليها من قبل نيودلي/ رويترز

إلى متى تستطيع الهند احتواء غضب الكشميريين؟

عكس العاصمة سريناغار، التي هزتها احتجاجات جماعية عارمة منذ 5 أغسطس/آب، لم تكن هناك مظاهرات حاشدة في بولواما. يقول السكان المحليون إن الخوف من الغارات والاعتقال هو ما منع المنطقة من الانفجار. ولكن السؤال هو: إلى متى تستطيع الهند احتواء غضب الكشميريين؟ قال وسيم: "طالما ظلت القيود والتشديدات الأمنية قائمة، فلن تكون هناك مظاهرات في بولواما. إنها أشبه بزجاجة صودا بعد رجّها وإحكام قفل غطائها. بمجرد أن ترفع الغطاء سوف تنفجر المدينة".

كريم آباد، قرية صغيرة في بولواما تشتهر بأنها من أكثر القرى تمرداً بكشمير. دائماً ما كانت المشاعر الانفصالية قوية جداً في تلك المنطقة. وفقاً لتعداد الولاية لعام 2011، كان تعداد سكان كريم آباد 3.565 نسمة فقط.

مقبرة القرية، التي يطلَق عليها أيضاً "مقبرة الشهداء"، تحمل جثامين الرجال الذين ماتوا في أثناء كفاحهم من أجل استقلال كشمير. وتحظى بمنزلة مقدسة في القرية. وعلى بُعد أمتار قليلة، هناك مجموعة مبانٍ حجرية تفصلها أزقة ضيقة ومتعرجة. هناك، في تمام الساعة الـ3:15 صباحاً يوم 8 أغسطس/آب، استيقظت نيلوفر، (26 عاماً)، وأمها على أصوات خطوات رجال الجيش الذين تسلقوا جدار منزلهم المكون من طابقين للقبض على سيهير، شقيق نيلوفر البالغ من العمر 19 عاماً. ولن نذكر الاسم بالكامل من أجل سلامتهم.

وقالت نيلوفر: "عندما وصلوا إلى الشرفة، اقتحموا الأبواب وأرهبونا، وسألوا أمي عن مكان سيهير". قالت إن أخاها كان نائماً بالداخل، ولكنه استيقظ مفزوعاً على تلك الجلبة. أمسك الجنود به من شعره وسحبوه إلى خارج المنزل.

يقول السكان إن الجيش حطم النوافذ في باريجام أثناء الحملة في بولواما. إلى اليمين: ثقوب الرصاص على الأرض في منزل سهير كريم آباد في 14 أغسطس/ فورين بوليسي
يقول السكان إن الجيش حطم النوافذ في باريجام أثناء الحملة في بولواما. إلى اليمين: ثقوب الرصاص على الأرض في منزل سهير كريم آباد في 14 أغسطس/ فورين بوليسي

وقالت نيلوفر: "ظللت أخبرهم بأن أخي بريء، إنه لم يحمل سلاحاً في حياته". وأضافت أن القوات عندما غادرت أطلقوا رصاصتين، وأزالت بساط الشرفة الأحمر لتُظهر العلامات. يُذكر أن القوات ألقت القبض أيضاً على عديد من الشباب المحليين في مدينة كريم آباد تلك الليلة؛ في محاولة استباق الاحتجاجات المحتملة.

"مودي قتل مستقبلنا" 

كان سيهير يعمل في القرية عامل لحامٍ. ولكن نيلوفر لا ترى مستقبلاً للشباب في كريم آباد. وقالت: "لقد قتل مودي مستقبلنا. أصبحنا نخشى على حياتنا وسلامتنا كل يوم. هل يعتقد مودي إن بإمكانه حقاً حكم الكشميريين؟ لن نسمح بحدوث ذلك أبداً. سنواصل القتال. كما استشهد إخواننا وشبابنا، فإن فتيات كشمير أيضاً على استعداد للتضحية بأرواحهن من أجل قضيتنا".

"لقد قتل مودي مستقبلنا. أصبحنا نخشى على حياتنا وسلامتنا كل يوم"

وذكرت وكالة Associated Press اعتقال 2.300 شخص على الأقل، معظمهم من الشباب، بكشمير في أثناء الأزمة الحالية. وأكدت كافيتا كريشنان، الناشطة السياسية من نيودلهي وعضو فريق تقصّي الحقائق الذي يقيّم الوضع الحالي في كشمير، وجود اعتقالات جماعية بجميع أنحاء الولاية. وقالت كريشنان: "ليست لدينا فكرة عن أعداد المعتقلين، لأن معظمهم لا يُحتجز في مرافق الاحتجاز الرسمية، ولكن في معسكرات الجيش مراكز الشرطة". وبسبب تاريخ المنطقة، يمتلك الكشميريون ذاكرة جماعية قوية لشباب يُقبض عليهم ولا يعودون لمنازلهم قط، وهو الشعور الذي يتجدد ويسيطر على الوادي الآن.

وقال فاروق أحمد، نائب مدير شرطة بولواما، إن فرق الشرطة تتبع البروتوكول. وأضاف: "الوضع آمن تماماً. لم نُبلَّغ بأي واقعة عنف. إننا نلقي القبض على الأشخاص كالمعتاد، لا يوجد شيء غريب في ذلك. اعتدنا كذلك إلقاء القبض على الأشخاص بتهمة إلقاء الحجارة على القوات في السابق، هذا الأمر طبيعي تماماً".

تعذيب وإذلال 

وعلى بُعد عدة أميال، تقع مدينة بريغام بين سريناغار وسهول كشمير الجنوبية. وعكس كريم آباد، ظلت بريغام آمنة بشكل كبير خلال السنوات العشر الأخيرة. نادراً ما يظهر المسلحون في ذلك الجزء من البلاد.

ولكن في 6 أغسطس/آب، بعد يوم واحد من إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، انتشرت قوات مكافحة التمرد المعروفة بـ "بنادق راشتريا" في المنطقة. وقال سكان باريغام إن القوات سحبت الشباب من منازلهم، وحذرت عائلاتهم من البقاء بالداخل. قال أحد السكان، مشيراً إلى شعارين هندوسيين وطنيين: "أجبرنا الجيش على غناء (النشيد الوطني الهندي) وترديد (عاشت الهند). وعندما ردد أحد الرجال (الشهادتين)، جعلوه يلعق التراب على الأرض".

ويُقال إن أدوات التعذيب التي استُخدمت في تلك الليلة تضمنت الأسلاك، والقضبان، وأنابيب السباكة. هناك نجار شاب أصبح لا يستطيع المشي دون عكازات، وتظهر علامات التعذيب على ظهره وأقدامه. ولكن أحد أفراد القوات سأله أمام الجميع: "لَم نضربك، أليس كذلك؟" فهزَّ القرويون رؤوسهم قائلين: "لا سيدي، لم تضربوه".

تحميل المزيد