يبدو أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يفقد الأمل في محاولات إنقاذ صفقة القرن التي تبرهن الكثير من المعطيات الإقليمية على فشلها -حتى الآن- فلديه خطة جديدة يسعى من خلالها للتأثير في الشعوب العربية.
موقع Lobelog الأمريكي أشار في تقرير له إلى أن كوشنر، الذي يعد أحد مهندسي الرئيس الأمريكي المُكلَّفين بجهود السلام في الشرق الأوسط، بدأ يلتفت بأنظاره إلى الإعلام العربي، إذ نشرت وكالة McClatchyDC للأنباء مؤخراً تقريراً يفيد بأنَّ كوشنر، المُدجَّج بدولارات الضرائب التي يدفعها المواطنين الأمريكيين وخطة اقتصادية محكوم عليها بالموت قبل أن تولد، يُجري عملياتٍ جمع بيانات للتأثير في تغطية وسائل الإعلام العربية لقضية السلام في الشرق الأوسط كي يدفعها إلى تأييد الموقف الأمريكي.
أولى خطواته تصنيف وسائل الإعلام العربية
وكتب مايكل ويلنر الصحفي في الوكالة: "بتوجيهٍ من جاريد كوشنر، جمعت وكالاتٌ حكومية أمريكية بعض أدوات البيانات والخبرات الإنسانية لأول مرة من أجل تصنيف وسائل الإعلام العربية رسمياً بناءً على تغطيتها لعملية السلام في الشرق الأوسط".
وفي ما يبدو أنَّها محاولة أخرى محكومٌ عليها بالفشل لمعالجة مساعيه الفاشلة حتى الآن -التي كان آخرها ورشة عمل "السلام من أجل الازدهار" التي عُقِدت في البحرين.
الموقع الأمريكي يرى أنَّ كوشنر وعصبته على استعدادٍ للذهاب إلى أقصى مدى لدفع جهود إدارة ترامب الرامية إلى فرض اتفاق استسلام على الفلسطينيين، بدلاً من معالجة القضايا الرئيسية مباشرة.
هدفه فهم ما يحرك الشارع العربي
وأضاف التقرير: "قال ثلاثة من كبار مسؤولي الإدارة إنَّ الغرض من مشروع كوشنر هو التواصل مع السكان المحليين في جميع أنحاء العالم العربي بأكبر قدرٍ ممكن من الفعالية، لفهم "ما يُحرِّك الشارع" العربي فهماً أفضل، حتى يتمكن هو وفريقه من استهداف اتصالاتهم بدقةٍ أكبر".
إلا أن الموقع الأمريكي شكك في جدوى ما يسعى إليه كوشنر وتساءل ماذا سيجعل "الشارع العربي" يثق في أي شخص من "مستنقع واشنطن"؟ وثانياً، هل يُجري كوشنر دراسةً استطلاعية على مجال الإعلام في الشرق الأوسط لمعرفة ما يريده "العملاء" العرب حقاً، أم أنَّ اهتمامه يقتصر على كيفية بيع "منتجاتٍ غير مرغوب فيها" لهم، مثل الدعم الأعمى لبرنامج سياسي إسرائيلي يميني متطرف يدفع المنطقة بأسرها إلى جولة أخرى من العنف، ويُقرِّب إسرائيل من هلاكها؟
وقال مسؤولٌ بارز في الإدارة الأمريكية: "أمضينا وقتاً طويلاً في وضع خطة سياسية، وتكوين خطة اقتصادية، وأردنا قضاء الوقت نفسه في فهم البيئة الإعلامية في المنطقة..".
هل يريدون "فهم.. البيئة" حقاً!.
لا يبدو أنَّ هناك أي مسؤول "كبير" قد أدرك أنَّه ينبغي أن يُلقي نظرةً عميقة على العوامل التي شكَّلت تلك "البيئة" على مرِّ العقود السبعة الماضية. وقائمة هذه العوامل تطول، وتشمل إقامة دولة إسرائيل بالقوة، ونزع ملكية الفلسطينيين بالعنف، و52 عاماً من الاحتلال العسكري الأمريكي-الإسرائيلي العنيف، وتسكين أكثر من 600 ألف مستوطن إسرائيلي غير شرعي في الضفة الغربية، والحصار الإسرائيلي العنيف لمليوني فلسطيني في قطاع غزة، والتمييز الهيكلي والمؤسسي داخل دولة إسرائيل.
ومن ثَمَّ، ألم يكن من الأفضل إجراء دراسة استقصائية لمعرفة آراء سكان المنطقة ومعتقداتهم؟ لا يبدو ذلك، لأنَّ الهدف الوحيد هنا هو البيع، وليس الفهم.
وقال المسؤول البارز كذلك إنَّ "كثيراً من وسائل الإعلام التي كانت معادية لأمريكا أو إسرائيل في الماضي لم تكن على تواصل مع الحكومة الأمريكية ولم تكن تتعامل معها".
فهل هذه الإدارة الأمريكية تجهل حقاً تاريخ المنطقة الحديث؟
أليس العراقيون يعرفون أنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها شوَّهوا بلدهم دون سببٍ يستحق الذكر؟ وهل اللبنانيون لا يعلمون أنَّ السفن الحربية الأمريكية كانت تقصفهم في حرب لبنان عام 1982؟ وألا يُدرك الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري أنَّ طائرات F-16 وF-35 الأمريكية بيعت لإسرائيل من أجل قصف الفلسطينيين حتى الخضوع!
بل ربما كانت المنطقة على "تواصل" مع أمريكا إلى حد كبير للغاية، ونتيجة لذلك، لم تعد وسائل الإعلام العربية على استعدادٍ للاقتناع بالأكاذيب الأمريكية.
وفي السياق نفسه، أشار التقرير المنشور في وكالة McClatchyDC إلى أنَّ كوشنر "أصدر أمراً بإطلاق المشروع في أغسطس/آب من العام الماضي 2018، بعدما أكمل هو وفريقه صياغة العناصر السياسية الأساسية في خطتهم الخاصة بالإسرائيليين والفلسطينيين". وهذا ينقلنا مرةً أخرى إلى النقطة نفسها، ما الذي يحاول أي بائعٍ بيعه للمستثمرين في مشروعٍ ما قبل تحليل احتياجات الأطراف الفاعلة الرئيسية أولاً؟ وهنا يُمكن القول إنَّ كوشنر يراعي العنصر المهم قبل الأهم، بل إنَّه يتجاهل العنصر الأهم كلياً.
فما هي تفاصيل خطته إذن؟
تنقسم جهود كوشنر إلى قسمين: تقييم المتابعة العامة للأخبار في كل بلدٍ في المنطقة، و"دراسة وسائل إعلامية محددة، وتقييم حيادية كل مؤسسة في كيفية تصويرها لسياسة الولايات المتحدة، وتقييم تأثيرها وإدراج ملكيتها، استناداً إلى تحليلاتٍ تجريها وكالتان حكوميتان تحللان المواد المتاحة للجمهور".
كان هذا الأمر ليعتبر هزلياً لو لم تكن هناك حيوات على المحك. لكن، ما العوامل التي تُحدِّد "الحيادية" من وجهة جاريد؟ يبدو أنَّ ما يعنيه كوشنر في الواقع هو "ما مدى تأييد وسائل الإعلام في الشرق الأوسط لإسرائيل؟".
وذكر التقرير أنَّ فريق كوشنر اكتشف "كثرة استخدام الهواتف المحمولة بين الفلسطينيين لدرجة أنَّ أغلبهم يعرفون الأخبار الآن عبر أجهزتهم المحمولة في أثناء الانتظار في طوابير المرور عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية". وأتساءل هنا، هل ذكر التقرير كذلك أنَّ إسرائيل تحرم الفلسطينيين من الوصول إلى خدمات الإنترنت الكاملة؟ وهل أشار إلى أنَّ الضفة الغربية لم يُسمَح لها بالوصول إلى خدمات الجيل الثالث إلا في العام الماضي، بينما ما زال قطاع غزة ينتظر موافقة إسرائيل على تلك الخطوة؟
وكذلك ذكر التقرير أنَّ "التركيز الرئيسي هو فهم الطريقة التي تصف بها وسائل الإعلام في الشرق الأوسط الجهود الدبلوماسية للإدارة". لكن ينبغي لكوشنر وفريقه أن يكونوا أكثر اهتماماً بـ"الأسباب" وليس "الطريقة".
ومن جانبه قال ند برايس، المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لوكالة McClatchyDC: "إنني أقل اهتماماً بقدرتهم على التواصل من اهتمامي بجوهر اتصالاتهم".
يحاولون الآن تغيير العقليات بمقدار 180 درجة
وحتى دينيس روس، المبعوث الأمريكي المخضرم إلى الشرق الأوسط الذي عمل في إدارات الرؤساء السابقين بيل كلينتون، وجورج بوش الابن وباراك أوباما، يتفق مع ذلك، قائلاً إن الاتصالات الاستراتيجية لا يمكن أن تُحقِّق إلَّا نتائج محدودة. وقال روس: "من بعض النواحي، يتضح أنَّه لا يفهم الوضع كما ينبغي، لأنَّه إذا كان جوهر ما يُمثِّلونه غير مقبول على الإطلاق، فستصبح الطريقة التي يستهدفون بها وسائل الإعلام غير مهمة. وربما هذا ما كان ينبغي لهم فعله في عام 2017، لكنَّهم يحاولون الآن تغيير عقلياتٍ بمقدار 180 درجة. وهذه مهمةٌ شاقة. فالاتصالات الاستراتيجية محاطةٌ بعوامل أخرى تؤثِّر فيها".
خلاصة القول.. يرى الموقع الأمريكي أن الفكرة الأساسية بسيطة، ولا تتطلب إهدار المزيد من أموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة سعياً لترويض وسائل الإعلام العربية كي تقبل ما هو مرفوض بالنسبة لها. لقد حان منذ فترةٍ طويلة الوقت كي تستيقظ هذه الإدارة الأمريكية وتستشعر الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر منذ 52 عاماً، وحينئذٍ فقط، ستنجح الاتصالات الاستراتيجية، والمقصود هنا أن تتواصل مع إسرائيل، حليفتها الاستراتيجية، وتُخطِرها بضرورة الخروج من دولة فلسطين الآن وإلى الأبد.