ازدهار اقتصادي، قوة عسكرية تتضاعف، عداء عربي يتراجع، صداقة تتعزز مع أقوى دولة في العالم، وحلفاء سريون يتزايدون، كل هذه الملفات كانت كفيلة بإنجاح بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية السابقة بسهولة، ولكن غزة كانت فشله الأكبر الذي استغلته المعارضة ضده، وما زالت تستغلها.
والنتيجة أن غزة والقضية الفلسطينية هي التي ستدفع ثمن الأزمة السياسية التي وقعت في إسرائيل وأدت إلى إجراء دورتين انتخابيتين في عام واحد، بعدما فشل اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته الائتلافية إثر الانتخابات الماضية، الأمر الذي دفع الأحزاب الإسرائيلية للتوافق "القسري" على تنظيم دورة انتخابية جديدة في ذات العام.
ومن المتوقع أن يذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع يوم السابع عشر من سبتمبر/أيلول القادم، بعد أن أدلوا بأصواتهم في انتخابات التاسع من أبريل/نيسان المنصرم، في ظل تعقد المشهد السياسي الإسرائيلي من جهة، وحضور الملف الفلسطيني من جهة أخرى، لاسيما أن أحد أسباب إخفاق رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومته الخامسة كان التعامل مع حماس التي تحكم قطاع غزة.
اختلاف حول التعامل مع حماس والسلطة وترقب لصفقة القرن
يبدو لافتاً هذه المرة مدى حضور الملف الفلسطيني في الدعاية الانتخابية الإسرائيلية، لاسيما أن الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة تظهر مواقف متباينة حول مستقبل التعامل مع حماس في قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
في الوقت ذاته، تشكل الانتخابات الإسرائيلية القادمة فرصة لإظهار توجهات الفلسطينيين تجاه القوى الإسرائيلية المرشحة.
ويبقى السؤال الأهم حول توقيت إعلان صفقة القرن الأمريكية، قبيل الانتخابات الإسرائيلية أم بعد تشكيل الحكومة القادمة.
لم تعد هناك فوارق بين اليسار واليمين.. ميرتس تدعم اقتحام الأقصى
برهوم جرايسي، القيادي بالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة "حداش" في إسرائيل والمحلل السياسي، قال إن "الانتخابات الإسرائيلية أسقطت الفوارق بين معسكري اليمين واليسار، بسبب مواقفهما المتشابهة تجاه الفلسطينيين، فإذا كان الليكود واضح بمعاداته للفلسطينيين، فإن حزب أزرق-أبيض المحسوب على الوسط يزايد على الليكود بالدعوة للعدوانية ضد غزة، وحزب ميرتس ذو التوجهات اليسارية لم يتردد في الدعوة للسماح للمستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، والحزب الذي شكّله إيهود باراك منافس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اختار الجنرال يائير غولان نائب رئيس أركان الجيش السابق ليكون نائبه بقيادة الحزب".
وقال جرايسي لـ "عربي بوست" إن "التنافس الانتخابي يتمحور حول الأبعاد الشخصية في إقصاء نتنياهو، وليس خلافاً حول البرامج السياسية والمواقف الميدانية، ما يعني أن العدوانية ستميز السلوك السياسي لأي حكومة إسرائيلية قادمة، بغض النظر عن الحزب الفائز.
وقال: "لا أتوقع عودة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، فالأحزاب الإسرائيلية مجتمعة تدعو لفرض السيادة على المستوطنات في الضفة، واستمرار احتلال غور الأردن والجولان، ما يعني وجود تطابق في المواقف السياسية بين الحزبين الكبيرين: الليكود وأزرق-أبيض".
وصفقة القرن سيتم الإعلان عنها قريباً
تزامناً مع التحضير للانتخابات، رجّح مسؤول إسرائيلي كبير في حديث لصحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو، يوم 21 أغسطس/آب 2019، أن تقوم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإعلان عن الشق السياسي لصفقة القرن قريباً، دون تحديد ما إذا كان ذلك سيتم قبل الانتخابات، أم بعد تشكيل الحكومة.
وقال المسؤول المرافق لنتنياهو إنه "إذا كانت الصفقة تحتوي على بنود تتعارض مع مصلحة إسرائيل، فسنعارضها، لأننا أوضحنا خطوطنا الحمراء التي نرفض الاقتراب منها، أو التنازل عنها، كرفض إخلاء المستوطنات من الضفة، والسيطرة الأمنية الكاملة عليها، والحفاظ على وحدة القدس، ومعارضة عودة اللاجئين.
عبدالله عبدالله، رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي الفلسطيني عضو المجلس الثوري لحركة فتح في رام الله، قال إن "القناعة الفلسطينية السائدة تفيد بعدم وجود خلافات كبيرة بين الأحزاب الإسرائيلية، التباينات قائمة على أبعاد شخصية، ولا نراهن على سياسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، أياً كانت توجهاتها. نسعى حالياً لإحداث اختراقات في المجتمع الإسرائيلي عبر لقاءات تعقدها القيادة الفلسطينية مع بعض الشخصيات الإسرائيلية المؤثرة".
اليمين سيفوز وفلسطين قد تكون على موعد مع هبة كبيرة
"تقديراتنا بأن اليمين سيفوز بالانتخابات، وهناك صعوبات بعودة الوسط واليسار الإسرائيلي"، حسبما يقول عبدالله عبدالله لـ "عربي بوست".
وبالنسبة لصفقة القرن فقد تأجل إعلانها عدة مرات، وأتوقع لها مزيداً من التأجيل، وقد لا تعلن بالمرة؛ لأن بنودها الأساسية تطبق على الأرض دون الإعلان عنها، نحو القدس والأونروا والجولان والتلويح بضم الضفة".
أجهزة الأمن الإسرائيلية كشفت يوم 21 أغسطس/آب 2019 أن هناك احتمالاً كبيراً لاندلاع هبة فلسطينية قبل الانتخابات، فالسلطة تواجه أزمة اقتصادية شديدة، وهناك تخوّف من فقدان سيطرتها الميدانية على الضفة التي قد تستغلها حماس، حسب التقارير الإسرائيلية.
فالمؤشرات على انعدام الهدوء آخذة بالتراكم، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد العمليات الفدائية، بجانب التوتر الأمني في الحرم القدسي، واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى.
اختلافات إثنية
"اختلاف الأحزاب الإسرائيلية نحو غزة نابع من الطريقة والأسلوب فقط"، يقول حازم قاسم، المتحدث باسم حماس في القطاع.
ويضيف أن "التجربة الطويلة للفلسطينيين مع الانتخابات الإسرائيلية تظهر أن الأحزاب الإسرائيلية تختلف ببرامجها للداخلية المتعلقة بإدارة شؤون الكيان، بسبب الأصول الإثنية والمذهبية التي تنحدر منها".
وأضاف لموقع "عربي بوست" أن "الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في الانتخابات تجتمع على استمرار الاحتلال، ورفض الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني، ما يؤكد أنها وجهان لعملة واحدة، وهذه الأحزاب رغم استغلالها للموسم الانتخابي لإطلاق التهديدات ضد غزة، وتزداد حمى التهديدات في أوج السباق على كسب الصوت الانتخابي.
وأكد أن المقاومة في غزة ستدافع عن شعبها أمام أي عدوان إسرائيلي، قبل الانتخابات أم بعد تشكيل الحكومة.
معارضو نتنياهو يطالبون بضرب غزة
وتشهد هذه الدورة الانتخابية الإسرائيلية حضوراً، لافتاً للجنرالات الموزعين على الأحزاب المتنافسة، وجميعاً يدعون لتوجيه ضربات إلى غزة، ويتباهون بما قاموا به في حروب 2008، 2012، 2014، ما يعني أن نتائج الانتخابات القادمة ستكون صعبة على حماس، بغض النظر عن الحزب الفائز.
وفي ظل إدراك حماس للحساسية الإسرائيلية بسبب الانتخابات القريبة، فقد تحاول استغلال زيادة الضغط العسكري على تل أبيب على أمل تحقيق المزيد من التسهيلات في رفع الحصار عن القطاع.
وتبدو حماس هي الحاضر الأكبر في وجه نتنياهو في الانتخابات والوضع الأمني في غزة.
إذ تقوم جميع الأحزاب بمزايدات انتخابية تركز على تنامي قوة حماس في القطاع، ما يجعل فرص التصعيد العسكري كبيرة.
كما تركز البرامج الانتخابية على العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي تأمل أن تؤدي الانتخابات إلى طيّ صفحة حكم اليمين الإسرائيلي بعد عقد كامل كان قاسياً عليها.
صالح النعامي، خبير الشؤون الإسرائيلية، قال إن "النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية لن تكون في المصلحة الفلسطينية، فلا توجد فروق كبيرة في السياسات المتبعة.
من جهة السلطة الفلسطينية في حال شكّل اليمين وحده الحكومة دون ائتلاف مع أحد، فستؤول قدرة السلطة على المناورة السياسية إلى الصفر، لأن القرارات الإسرائيلية على الطاولة ستتمثل بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وأضاف النعامي لـ "عربي بوست" أنه "في حال تم تشكيل حكومة ائتلافية، فقد جرت العادة أن تشهد هذه الحكومات جموداً سياسياً، صحيح قد تتغير اللهجة تجاه الفلسطينيين فتصبح أقل حدة من اليمين البحت، لكن ترجمة ذلك على الأرض لن تبدو ظاهرة للعيان، مع أن ترامب لن يقدم على إعلان صفقة القرن إلا بحصوله على ضوء أخضر من نتنياهو".