في الوقت الذي ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية أن أستراليا حليف استراتيجي وهام في نشر صواريخ تهدد الصين، ترفض الأخيرة هذه الفرصة الذهبية بسبب علاقاتها الاقتصادية الهامة.
وبحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، تملك أستراليا شراكة دفاعية وثيقة مع أمريكا. لكنَّ هذا لا يعني أنَّها تريد تعريض علاقاتها مع الصين للخطر من خلال السماح بنشر الولايات المتحدة صواريخ على أراضيها.
إذ رفض كلٌّ من رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون ووزيرة دفاعه ليندا رينولدز فكرة إمكانية نشر صواريخ أمريكية متوسطة المدى –ستكون مُوجَّهة للصين- شمال غربي أستراليا. جاء ردَّاهما بعدما صرَّح وزير الدفاع الأمريكي مايك إسبر بأنَّ الولايات المتحدة تأمل نشر صواريخ متوسطة المدى في آسيا، الأمر الذي أدَّى إلى تكهُّناتٍ بأن تكون أستراليا مُرشَّحة رئيسية لاستضافة تلك الصواريخ.
التحايل الأمريكي على حظر الصواريخ البالستية
جاءت تصريحات إسبر بعد انسحاب الولايات المتحدة من "معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى" بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والتي حظرت الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز التي تُنشَر على الأرض (البر) بمدى يتراوح بين 500 إلى 5500 كيلومتر. أشاد خبراء الحد من التسلُّح بالمعاهدة لأنَّها جنَّبت حدوث سباق تسلُّح نووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (وروسيا ما بعد الشيوعية). لكنَّ إدارة ترامب انسحبت من المعاهدة بعدما زعمت انتهاك روسيا لها. وليست الصين دولة مُوقِّعة على المعاهدة، وكدَّست ترسانة باليستية ضخمة، الأمر الذي شجَّع على الاهتمام الأمريكي بتطوير ونشر الصواريخ متوسطة المدى في آسيا.
لكنَّ تلك الصواريخ لن تُنشَر في أستراليا؛ إذ قال موريسون: "لم يُطلَب الأمر منا، ولا نُفكِّر فيه، ولم يُطرَح علينا. وأعتقد أنَّ بإمكاني وضع حدٍ لهذا" .
ويرى مالكوم ديفيز، وهو محلل أول بمعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، تحقَّق مزايا للولايات المتحدة من نشر الصواريخ بأستراليا. فصرَّح لمجلة The National Interest الأمريكية قائلاً: "بالتأكيد يمكنها نشر مثل تلك الأسلحة في جزيرة غوام وتجنُّب المشكلات المرتبطة بنشرها في قواعد أجنبية تماماً، لكنَّ غوام تُعَد بالفعل هدفاً ذا قيمة كبيرة للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الهجومية البرية الصينية. وقد يكون الاعتماد كليةً على غوام بمثابة وضع الكثير للغاية من البيض في سلة واحدة. ويُولِّد نشر الصواريخ في قواعد باليابان –في أوكيناوا ربما- مخاطر سياسية محلية لرئيس الوزراء (شينزو) آبي، وقد يُشعِل الخلاف المحلي على الوجود الأمريكي هناك، ويضع تلك الأسلحة في خطر أكبر من جانب منظومات صواريخ قوات الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، بما في ذلك العدد الكبير للغاية لديها من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، وليس فقط من صواريخ DF-26 (الباليستية متوسطة المدى)" .
لماذا أستراليا بالتحديد؟
لكنَّ أستراليا ستكون موقعاً مثالياً، فقال ديفيز: "من شأن صاروخ متوسط المدى يبلغ مداه 4000 كيلومتر منشور شمالي أستراليا، قرب قاعدة تيندال التابعة لسلاح الجو الملكي الأسترالي، أن يضرب بالتأكيد القواعد الصينية في جزر سبراتلي. وإن كانت الولايات المتحدة ستطور حينئذ مركبات انزلاق أسرع من الصوت لمثل تلك الأسلحة، فمن شأنها إذاً أن تُغطِّي بقية بحر الصين الجنوبي، وربما جنوب شرقي الصين. ومن شأن هذا أن يتضمَّن جزيرة هاينان" .
وبنفس القدر من الأهمية، ستتمتع الصواريخ الأمريكية بقاعدة آمنة على أراضٍ تعود إلى حليفٍ وفيّ ومستقر. فقال ديفيز: "بعكس غوام أو أوكيناوا، لدى أستراليا مساحات واسعة مفتوحة لإخفاء الصواريخ المتنقلة، وستكون في خطر أقل بكثير من قوات الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني. وستحتاج الصين لنشر صواريخ DF-26 بمواقع متقدمة في جزر سبراتلي، وتطوير منظومة صواريخها الدفاعية من طراز CH-AS-X-13 الباليستية التي تُطلَق من الجو بصورة أكبر، أو استخدام وسائل أخرى لمهاجمة الصواريخ الأمريكية المنشورة شمالي أستراليا، وسيكون عليهم كذلك إعداد تسلسل هجوم يحظى بتغطية استشعار واسعة النطاق. وفعل هذا بالتأكيد ليس مستحيلاً على الصين، لكنَّه ليس بالأمر الهين كذلك" .
أسباب الرفض الأسترالي
وبالنسبة لأستراليا، فإنَّ استضافة تلك الصواريخ ستُوثِّق علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، وتُمثِّل إشارة إلى الالتزام الأمريكي بالمنطقة في وقتٍ بدأت فيه الشكوك تثاور بعض حلفاء أمريكا الآسيويين، ويُعزِّز الدفاعات الأسترالية في مواجهة العملاق الصيني.
لماذا إذاً لا تغتنم أستراليا الفرصة لتصبح قاعدةً للصواريخ الأمريكية؟ قد يعترض بعض الأستراليين على جعل أستراليا هدفاً أكبر في أي صراعٍ أمريكي-صيني محتمل (سؤال إضافي: هل ستكون تلك الصواريخ الأمريكية قادرة على حمل رؤوس نووية؟).
لكنَّ الأمر الأهم هو علاقة أستراليا التجارية البالغ حجمها 100 مليار دولار مع الصين. قال ديفيز: "وجهة نظري هي أنَّ الحكومة الحالية تحاول الحفاظ على توازنها الحساس على رأس مثلثٍ استراتيجي مع كلّ من علاقتها الاستراتيجية الحيوية مع الولايات المتحدة من جانب، وعلاقتها التجارية المهمة مع الصين من الجانب الآخر. ولا يمكن أن يستمر تحقيق هذا التوازن لمدة أطول بكثير من هذا؛ بسبب أنشطة الحرب السياسية الصينية ضد أستراليا، وزيادة مصالحها الإقليمية. وسيتعين على أستراليا في مرحلةٍ ما أن تتخذ بعض القرارات الصعبة بشأن مستقبلها الاستراتيجي".