انفجار، وإلغاء مفاجئ لإخلاء القرية القريبة منه، وموت خمسة خبراء نوويين، وبعض آثار اليود المشع في الهواء فوق الساحل الشمالي النرويجي. تلك هي توابع ما يبدو أنها أحدث محاولة روسية فاشلة لاختبار صاروخ Burevestnik، المعروف أيضاً باسم Skyfall.
ويزعم مالكه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن مداه غير محدود وأن بإمكانه تجاوز جميع الدفاعات الجوية الأمريكية. ولكن هذا الشهر، ثبت أنه انتكاسة كبيرة للكرملين حريص على التأكيد على قوته العسكرية المتنامية. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين، ليست هذه هي المرة الأولى التي لا ينجح فيها اختبار الصاروخ نجاحاً مكتملاً.
لكن ما هو صاروخ Skyfall؟
في الحقيقة، لا يعرف المحللون طبيعته فعلياً، لكن تخمينهم يقودهم إلى الاعتقاد بأنه نوع من صواريخ كروز المصممة بالقرب من مفاعل نووي. ويضفي ارتفاع مستويات الإشعاع في المنطقة، الذي يحتمل أن يكون قد وصل إلى أماكن بعيدة مثل النرويج، مصداقية على هذه النظريات، كما تقول شبكة CNN الأمريكية.
ورفض ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، تأكيد تكهنات دولية واسعة النطاق بأن الحادث يتعلق بصاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية، لكنه قال إن الحادث لن يعيق الجهود الروسية لتطوير قدراتها العسكرية المتقدمة.
وقال بيسكوف إن الخبراء وحدهم هم الذين يمكنهم التحدث مع السلطة حول مثل هذه الأمور، لكنه أضاف: "الحوادث تقع لسوء الحظ. وهي مآس. لكن في هذه الحالة بالذات، من المهم بالنسبة لنا أن نتذكر أولئك الأبطال الذين فقدوا أرواحهم في هذا الحادث".
وقال جون هوكس، المدير المساعد لقسم الحرب البرية في مجلة Jane التي تملكها شركة IHS Markit، إن نظام الصاروخ قد يكون معتمداً على إحدى طريقتين. فقد يكون "محركاً يعمل بالهواء ويعتمد على قلب مفاعل نووي صغير لتسخين الهواء الداخل الذي ينطلق خارجاً لتوليد قوة دفع".
أو قد يكون "محركاً صاروخياً حرارياً نووياً، يُستخدم فيه قلب المفاعل النووي لتسخين وقود سائل مثل الهيدروجين قبل إطلاقه عبر فوهة لتوليد قوة دفع".
"سلاح نهاية العالم"
لكنه أضاف: "بالنظر إلى أن الروس يزعمون أن مداه غير محدود، عندها يمكننا أن نفترض أنه أقرب إلى الخيار الأول، لأن جهاز وقود الهيدروجين سيضع حداً لمداه".
تقول CNN، إن المشكلة الرئيسية في صاروخ 9M370، أو SSC-X-9 Skyfall (كما يسميه حلف الناتو)، هي العادم. إذ لا يمكنك استخدام مفاعل نووي لتشغيل صاروخ دون تثبيت نوع من القنابل الإشعاعية على الأجنحة. وقال الدكتور مارك غاليوتي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الأمنية والدفاعية "هذا سلاح لا يُستهان به من أسلحة نهاية العالم".
وأصاف: "هو ليس سلاحاً يمكن نشره في أي ظروف سوى في حرب نووية شاملة. إذ أنه من صواريخ كروز التي بوسعها البقاء في الجو لفترة طويلة، لكنه يخلف انبعاثات إشعاعية". وبحسب CNN كان لدى الولايات المتحدة بالفعل برنامج مماثل في الستينيات، أطلق عليه "مشروع بلوتو"، لكنهم أوقفوه لأنهم خلصوا إلى أنه كان خطيراً للغاية في ذلك الوقت.
عندما أطلق بوتين الصاروخ وسط ضجة كبيرة في مارس/آذار عام 2018، كان يتفاخر بمداه غير المحدود، إذ يمكنه الدوران حول الكرة الأرضية عدة مرات ثم يطلق نفسه على هدفه من زاوية غير متوقعة، وربما حتى بعد أيام من إطلاقه. هل أزعج بوتين أنه لا يبدو أنه يعمل بهذه الدرجة من الكفاءة؟ كلا، في الواقع، مثلما قال غاليوتي.
وقال: "روسيا في ظل رئاسة فلاديمير بوتين تحاول بصفة أساسية إبراز نفسها. فهي تحاول أن تبدو قوة عسكرية أضخم مما هي عليه. ورغم أنهم لا يحبون حقيقة فشله، فإن حقيقة أننا نتحدث عن أحدث التقنيات العسكرية الروسية هي بالتأكيد مكسب لهم".
وقال مسؤولون أمريكيون لشبكة CNN إنه اُختبر عدة مرات، ولكن نجاحه لم يكتمل أبداً. إلى أي مدى وصل هذا المشروع، وما حجم هذه الانتكاسة، لا أحد يعلم.
صيف مشؤوم بالنسبة للكرملين
لكن الكرملين واجه عدداً من الحوادث الشهر الماضي. ففي أوائل شهر يوليو/تموز، واجهت الغواصة AS-31 أو لوشاريك، غواصة التجسس فائقة السرية التي يمكنها الغوص لأعماق سحيقة، مشكلة قبالة الساحل الشمالي. إذ قالت وسائل إعلام حكومية إن 14 بحاراً قضوا نحبهم بسبب استنشاقهم الدخان وأكد الكرملين أن مفاعلها النووي كان سليماً عندما أعيدت إلى الميناء.
كان الهدف من لوشاريك -التي سميت باسم الحصان الكرتوني الذي ظهر في الحقبة السوفيتية بسبب مكوناتها المجزأة التي تمكّنها من الغوص في قاع المحيط- أن تغوص إلى أعماق لا تستطيع الغواصات النووية والهجومية بلوغها.
ومرة أخرى، وجد بوتين نفسه يستمع إلى تفاصيل عملية تنظيف. إذ بعدها بأسابيع، دوت سلسلة من الانفجارات في مخزن للذخيرة في مدينة أتشينسك على مدار خمس ساعات، وتسبب بعضها في موجات صدمية مدمرة وانتشار الحطام في المنطقة. وبعد أسبوع، أقر المسؤولون المحليون بإصابة أربعين شخصاً.
تمثل هذه الحوادث الثلاث صيفاً مشؤوماً للجيش الروسي، الذي أفاد بعد غزوه أوكرانيا وتدخله في سوريا من زيادة هيبته المحلية مؤقتاً. هل يمكن أن يكون تجاوز المألوف وراء هذه الموجة الأخيرة من المشكلات؟
قال أندري كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي: "إذا راجعت ميزانية الدفاع الحالية لروسيا الاتحادية، فستجد أنها بلغت ذروتها عام 2016". وأضاف أنها انخفضت منذ ذلك الحين.
وأضاف: "لذا، ببساطة، يُطلب من الجيش وقطاع الدفاع أن يفعلا الكثير لقاء القليل، وقد يكون ذلك مبالغة. ربما تكون بعض هذه الحوادث جزءاً من الثمن الذي يتعين على الجيش أن يدفعه من هذه الميزانية المتواضعة نسبياً التي تكمن وراءها طموحات كبيرة".
يثير شهر مضطرب من الانفجارات والتسربات غير المتوقعة تساؤلاً حول ما إذا كان سباق الكرملين إلى أعماق البحر، أو إلى عنان السماء، سيخلف حريقاً كبيراً وراءه.