سينسحب الدبلوماسيون البريطانيون خلال أيام من هياكل سلطة الاتحاد الأوروبي المؤسسية في بروكسل، بموجب خطط تُرسم داخل مكتب رئاسة الوزراء، في وقت يشهد فيه الجنيه الإسترليني تدهوراً غير مسبوق منذ 10 سنوات.
وفي محاولة لدعم رسالة أنَّ المملكة المتحدة ستغادر الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول "مهما كان الثمن"؛ ستتوقف المملكة المتحدة عن حضور الاجتماعات اليومية التي ترسم عملية صنع القرار في الاتحاد.
انتقاد لقرارات جونسون
قال مسؤولون بالمملكة المتحدة إنَّ هذه الخطوة التي يجري مناقشتها تتسق مع تصريح بوريس جونسون الأول في مجلس العموم، والذي قال فيه إنَّه سوف "يكسر أغلال" مصالح الاتحاد الأوروبي التي تكبل الدبلوماسية البريطانية.
ولم يتضح بعد الحد الذي سيصل إليه انسحاب المملكة المتحدة من هياكل الاتحاد الأوروبي قبل 31 أكتوبر/تشرين الأول، وما إذا كان الوزراء أو ممثل المملكة المتحدة الدائم في الاتحاد سيعجز عن حضور اجتماعات شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.
وقال دومينيك راب، وزير الخارجية، إنَّه سيحضر اجتماع نظرائه الأوروبيين في نهاية أغسطس/آب بمدينة هلسنكي.
ومن جانبها قالت لويزا بوريت، نائبة قائد كتلة الديمقراطيين الليبراليين في البرلمان الأوروبي: "إن بوريس جونسون يُدمِّر النفوذ البريطاني في أوروبا بلا داعي. فمثل هذه الوقفات المتعجرفة تُقوِّض مكانتنا العالمية، وسوف تُعتبر غطرسةً من قبل حلفائنا وجيراننا الأوروبيين، الذين يتحتم علينا التعاون معهم لمواجهة التحديات المشتركة".
وأضافت أن "قصر النظر هذا كان ليفزع مارغريت تاتشر ووينستون تشرشل. يجب أن يكون لنا دور قيادي في أوروبا، لا أن نهدم مصالحنا الخاصة. إنَّ وجودنا خارج الغرفة -إبان تُناقش مصالحنا الأمنية المشتركة- يُظهر ضعفاً وتفاهة؛ لا قوة. فليس خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست) أمراً حتمياً، ويجب أن ينتهي هذا الإذلال الوطني، وهذه الحكومة المحافظة المتعفنة".
إصرار على المغادرة
وهناك 150 دبلوماسياً تقريباً في التمثيل الدائم للمملكة المتحدة ببروكسل، يضغطون من أجل المصالح البريطانية أثناء صياغة مواقف الاتحاد الأوروبي وقوانينه.
ولحرصها على عدم هجر الساحة تماماً في بروكسل، كانت حكومة تيريزا ماي تبحث في طرقٍ تضمن الدخول إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي للتأثير على الأحداث من الخارج.
إلا أن جونسون أثناء خطابه في مجلس العموم حول وصوله إلى رئاسة الوزراء، قال إن كلا الجانبين يحتاجان إلى إدراك "حقيقة" أن "المشاركة الوطنية للمملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى نهايتها".
وادَّعى رئيس الوزراء أنَّ "الكثير من المسؤولين اللامعين كانوا محاصرين في اجتماعاتٍ لا تنتهي داخل بروكسل ولوكسمبورغ، في ما كان بإمكانهم توظيف مهاراتهم بشكلٍ أفضل في ريادة اتفاقيات تجارةٍ جديدة وتعزيز مكانة بريطانيا عالمياً بحق".
ولم تُؤدِّ المملكة المتحدة دورها الكامل المعتاد في الاجتماعات التي تخص مستقبل الاتحاد الأوروبي، بما فيها مناقشة ميزانية الاتحاد، منذ استفتاء بريكست في 2016. لكنها كانت طرفاً نشطاً في مجالات أخرى، مثل الشؤون الخارجية".
وقد صرَّح دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي بأنهم سيأسفون على أي قرار تتخذه الحكومة البريطانية من شأنه إخراجها خروجاً سابقاً لأوانه من مؤسسات بروكسل، التي بنى فيها الدبلوماسيون البريطانيون سُمعةً قوية.
إذ قال أحدهم: "لقد كانوا يوماً القوات الدبلوماسية الأكثر احتراماً هنا. تقلص ذلك خلال حكومة ديفيد كاميرون، لكن كان موقف الممثل البريطاني دائماً مهماً. حتى في المساحات التي لم تكن المملكة المتحدة تحظى فيها بموقفٍ وطني قوي؛ كانوا يمتلكون أفكاراً لحل المشكلة".
وأضاف متحدثٌ رسمي باسم الحكومة: "سنغادر الاتحاد الأوروبي مهما كانت الظروف في 31 أكتوبر/تشرين الأول. وبالتالي، فمن المنطقي أن نراجع أمر حضورنا لاجتماعات الاتحاد الأوروبي، لنضمن أنَّنا نستغل وقت الحكومة أفضل استغلال. هذه العملية مستمرة".
الجنيه الإسترليني يتدهور
وفي الوقت نفسه، انخفض اليوم الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له مقابل اليورو منذ أحلك أيام الأزمة المالية. إذ حُذرت المملكة المتحدة من أن "الكلام" عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة يُقلق الأسواق المالية.
وهبط الجنيه الإسترليني خلال الليل إلى 1.0725 يورو مقابل الجنيه الواحد، وهو أدنى مستوى له منذ أكتوبر/تشرين الأول 2009، حين كانت أوروبا تحت وطأة أسوأ وضعٍ اقتصادي منذ 80 عاماً.
وعلى الرغم من أنَّه حقق انتعاشاً بسيطاً في وقتٍ لاحق، إلَّا أنَّ ذلك يعني أن المصطافين الذين تضرروا بالفعل -والذين يقضون عطلتهم في الخارج- يُواجهون خطر الحصول على قدرٍ أقل من المال المعد للإنفاق مقابل ما يحملونه في جيوبهم من جنيهات.
وارتفعت العملة البريطانية أمام الدولار الأمريكي قليلاً بعد خسارة يوم الجمعة 9 أغسطس/آب، المرتبطة بمخاوف حول أرقام إجمالي الناتج المحلي الجديدة.
إذ كشفت الأرقام عن انكماش الاقتصاد في الربع الثاني للمرة الأولى منذ سبع سنوات، متأثراً بالحروب التجارية والشكوك حول بريكست.
وقال نيل ويلسون، محلل الأسواق الكبير في موقع Markets.com، في مذكرةٍ له: "سيستمر المزيج المكون من اقتصادٍ متباطئ، وضعفٍ اقتصادي عالمي، واحتمالية متزايدة لانخفاض معدلات الفوائد، وخطر الخروج من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، في إثقال كاهل الجنيه الإسترليني. إن الكلام حول عدم وجود صفقة هو القلق الأكبر، وحين نُزيل ذلك القلق سنشهد قفزة كبيرة رغم وجود المخاطر الاقتصادية والمالية".
وقد انخفض الجنيه الإسترليني يوم الجمعة الماضية إلى أقل مستوياته أمام الدولار الأمريكي منذ أكثر من سنتين ونصف، حيث تحوَّلت مؤشرات الاقتصاد البريطاني إلى اللون الأحمر لأول مرة منذ عام 2012.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، التي توقع الاقتصاديون المرتبكون أن تبقى ثابتة، انكمشت الشركات البريطانية العمومية المحدودة بنسبة 0.2% خلال الثلاثة أشهر التي سبقت يونيو/حزيران.
وكذلك أشعلت الأرقام، التي جاءت أسوأ من المتوقع، المخاوف من الكساد الاقتصادي الكامل، والذي يعني تقنياً استمرار الانكماش لربعين ماليين متتاليين. مما يراكم المزيد من الضغط على بوريس جونسون في ما يتعلق ببريكست.
وتُرجِع الأنشطة التجارية الركود الاقتصادي الواضح إلى الحيرة حول مستقبل علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي.