واجهت حالة الحكم الذاتي الخاصة في كشمير تحدِّياً هذا الأسبوع حين مرَّرت حكومة ناريندرا مودي الهندية مشروع قانونٍ يُلغي المادة 370 من الدستور. وبهذا التغيير، فقدت جاموا وكشمير ذات الأغلبية المسلمة حريتها في صياغة وتطبيق قوانينها الخاصة. فقد تمتَّعت حكومة جاموا وكشمير في السابق بالحكُم الذاتي في كل شيءٍ تقريباً، باستثناء القرارات المُتعلِّقة بالشؤون الخارجية والدفاع والمالية والاتصالات.
وجاء رد الفعل من الدول المجاورة للهند فورياً؛ إذ أدانت باكستان الخطوة، وخفضت علاقاتها الدبلوماسية، وسحبت سفيرها، وعلَّقت التجارة. وعرضت باكستان المسألة أيضاً على "منظمة التعاون الإسلامي"، التي تُمثِّل 57 دولة ذات أغلبيةٍ مُسلمة حول العالم، ومجموعة الاتصال المعنية بجاموا وكشمير.
وأصدرت بيان إدانةٍ رسمياً، وشدَّدت على الحالة الدولية لنزاع كشمير. وبالمثل، أشارت الصين إلى التداعيات الدولية، موضحةً أنَّ نزاع كشمير يجب حلُّه بشكلٍ مُشترك بين الهند وباكستان. وربما تأثَّر الموقف الصيني بالخطوة الموازية لإعلان منطقة لداخ، التي تُطالب بها الصين، إقليماً اتحادياً هندياً.
كيف يرى الشرق الأوسط ما يحصل في كشمير؟
وفي حال نظرنا إلى أبعد من ذلك في العالم الإسلامي، وإلى الشرق الأوسط تحديداً، سنجد أنَّ أكثر ردود الفعل إثارةً للدهشة جاء من جانب الإمارات العربية المتحدة. فبعد وقتٍ قصير من تمرير مشروع القانون، دافع السفير الإماراتي في الهند عن موقف نيودلهي، واصفاً التغيير بأنَّه شأنٌ داخلي سيُساعد في تحسين كفاءة وفعالية الإدارة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة. لكن وزير الخارجية خفَّف من لهجة الخطاب حين دعا إلى ضبط النفس والحوار بين الجانبين.
وتوافق الموقف الإماراتي الأخير مع تصريحات الدول المحورية الأخرى في الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا؛ إذ أعربت الدول الثلاث عن أنَّ الصراع يجب حلُّه من خلال الحوار بين الهند وباكستان، وأكَّدت ضرورة اتِّخاذ خطواتٍ لتجنُّب التوتُّرات المتصاعدة. ولكن من بين المواقف الثلاثة، يُمكن القول إنَّ الرأي السياسي والإعلامي الباكستاني كان إيجابياً تجاه تركيا أكثر من غيرها، نتيجة عرض الرئيس أردوغان هاتفياً تقديم "دعمه الثابت" ومساعدته المستقبلية.
بمَ يُفسَّر رد الفعل الصامت من دول المنطقة؟
1- الاقتصاد: تقول مجلة The Diplomat اليابانية، إن أحد الأسباب هو أنَّ الهند تُمثِّل شريكاً تجارياً أكثر أهميةً من باكستان لدول الشرق الأوسط؛ إذ إنَّ حجم الاقتصاد الهندي يُساوي تسعة أضعاف الاقتصاد الباكستاني؛ لذا تُوفِّر الهند فرصاً أكبر للتجارة والاستثمار.
وعلى النقيض، يُعد وضع باكستان الاقتصادي ضعيفاً وواهناً نسبياً، لدرجة أنَّ حكومتها اضطرت للبحث عن قروض طارئة من الصين والسعودية أوائل العام الجاري، بلغت قيمة كلٍّ منها حوالي مليارَي دولار.
2- اندثار القضية بالنسبة لهذه الدول: تضاءلت أهمية قضية كشمير بالنسبة للقادة السياسيين في الشرق الأوسط، فعلى مدار العقود التي تلت عام 1947، تبنَّت الحكومات الهندية المتعاقبة موقفاً مؤيداً لفلسطين، في خطوةٍ راميةٍ لحصد تأييد السكان المسلمين في كشمير وكافة أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك الشرق الأوسط.
ولكن حين بدأ العرب لقاء الإسرائيليين والسعي لإقامة عمليات سلامٍ معهم؛ شكَّك قادة الهند في جدوى أن يكونوا "أكثر عروبةً من العرب أنفسهم". فبدأت الهند تُنمِّي علاقاتها الخاصة مع إسرائيل، وشمل ذلك تجارة الأسلحة المتنامية بعد عام 1999. ولم تشهد الهند أيّ رد فعلٍ عنيف يُؤثِّر على علاقاتها الفردية مع الدول العربية أو كشمير حين فعلت ذلك، باستثناء بعض التصريحات التي أُدلِيَ بها في مؤتمرات "منظمة التعاون الإسلامي" .
3- أزمات باكستان مع هذه الدول: ثالثاً، فإنَّ المنافسات بين باكستان وبعض الدول الشرق أوسطية كانت أكثر إشكاليةً من الهند، مما طغى على قضايا مثل قضية كشمير. وبالنسبة لإيران، كانت المنطقة الحدودية إشكالية؛ إذ اتَّهمت طهران باكستان بالتغاضي عن المساعدة السعودية لمقاتلي البلوش الذين استهدفوا الجنود والمنشآت الإيرانية. وتتنافس البلدان على النفوذ في أفغانستان، إلى جانب المنافسة التجارية من أجل حصةٍ أكبر في أسواق الشحن بالمحيط الهندي داخل موانئ شبهار وجوادر على الترتيب.
وفي الوقت ذاته، صارت كشمير فضاءً يستغله المتنافسون في الشرق الأوسط. ففي السابق، وفَّرت السعودية الدعم الديني وبناء المساجد. ومؤخراً، دخلت كشمير دولٌ أخرى تُنافسها على النفوذ الإقليمي -تركيا وإيران- من أجل تثقيف السكان. وربما يكون نوايا هذه الدول هو بناء قاعدة دعمٍ بين مختلف المجتمعات السنية والشيعية التي تعيش هناك.
كيف ستستفيد الهند من ردة الفعل الضعيفة؟
أفضل هدية للهند: بالنظر إلى الوضع الراهن للأمور، ما الذي يعنيه التناقض في مواقف الدول المسلمة داخل الشرق الأوسط بالنسبة لمستقبل نزاع كشمير؟ من ناحية، سيتشجَّع قادة الهند نتيجة أنَّ الوضع الحالي يصُبُّ في مصلحتهم ويُقلِّص نطاق باكستان. وعلى الناحية الأخرى، يُمكن اعتبار الوضع الحالي بمثابة أفضل ما يُمكن للهند الوصول إليه.
ومحلياً، ستظل كشمير أشبه ببرميل بارودٍ على وشك الانفجار في أيّ لحظة؛ لذا زادت الهند وجودها العسكري في المنطقة، وفرضت حظر التجول، واحتجزت القادة السياسيين في المنطقة، وقطعت الاتصالات، في جزءٍ من خطواتها لإلغاء المادة 370.
استهداف السكان المسلمين: لكن هذا الوضع لن يستمر إلى الأبد؛ إذ ستُضطر القوات الهندية إلى الانسحاب في نهاية المطاف، مما قد يُعرِّضها لمعارضةٍ وأعمال شعبية مُحتملة. وستتفاقم الأمور مع الإلغاء المُصاحب للمادة 35-أ، التي تسمح لجاموا وكشمير بتحديد "المقيمين الدائمين" داخل حدودها، وأولئك الذين لا يُحظر عليهم شراء العقارات. وبموجب الترتيبات الجديدة، سيتسنَّى لأيّ شخصٍ فعل ذلك، مما قد يُضعِفُ السكان المسلمين في المنطقة.
المستوى الدولي: لن تختفي قضية كشمير بين ليلةٍ وضحاها؛ فرغم جهود الهند لـ "تأميم" إدارة المنطقة؛ ستُواصل باكستان إثارة الموضوع أمام "منظمة التعاون الإسلامي"، علاوةً على أنَّ الموقف الحالي لقادة الشرق الأوسط يعتمد أكثر على التركيبة الحالية للعلاقات بين الدولة والمجتمع؛ إذ إنَّ هذه الحكومات ليست غافلةً تماماً عن الرأي العام، رغم استبداديتها. وفي حال تعرَّضت تلك الحكومات لحالة عدم استقرارٍ مماثلة لما حدث خلال الانتفاضات العربية عام 2011، فربما تكون الأنظمة -مثل النظامين السعودي والإيراني- أكثر ضعفاً وميلاً إلى استغلال بعض القضايا -مثل قضية كشمير- بوصفها وسيلةً لاستعادة شرعيتها بصفتها المدافعة الأولى عن الإسلام.