عندما تلقَّت عالمة النفس آن أناستاسي مكالمةً من البيت الأبيض، الذي كان تحت إدارة رونالد ريغان آنذاك، لإعلامها بأنها أول مَن تفوز بقلادة العلوم الوطنية في علم النفس، ودعوتها إلى حفل تكريمي لها، كانت إجابتها صاعقة: "ليس لديَّ وقت لذلك".
فمَن هي أناستاسي التي رفضت عرض البيت الأبيض؟ وكيف استطاعت أن تحوِّل الاختبارات النفسية إلى علوم تُدرس إلى يومنا هذا؟
كُتبها أرست أسس علم النفس الحديث
بحسب موقع Gizmodo الأمريكي، تطلَّب إقناع آن مكالمتان من البيت الأبيض لإقناعها بالحصول على قلادة العلوم الوطنية.
ويقول تاكوشيان الذي عمل مع أناستاسي في فوردهام: "عندما وضعتُ اسم آن في برنامج بعد ذلك بسنوات، قلتُ إنها كانت أول امرأة تحصل على قلادة العلوم الوطنية في علم النفس، وقد استقطعت من وقتها لتتصل بي وتقول: ماذا تعني بامرأة؟".
وتابع: "قالت: كنت أول شخص لا أول امرأة.
لقد كانت عالمة ولم تكن تحب عدم الدقة" .
وفضلاً عن حصولها على قلادة العلوم الوطنية، ترأست أناستاسي الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) في 1972 ونشرت ثلاثة كتب كلاسيكية في علم النفس، من بينها سبع طبعات من كتاب Psychological Testing، الذي أرسى أسساً شاملة لطرق الاختبارات السيكومترية وتحليلها.
وقد كان هذا الكتاب أحد أهم نصوص علم النفس في القرن العشرين، وفقاً للإشادة التي كتبها المؤرخ ويد بيكرين بمناسبة مئوية أناستاسي من أجل الجمعية الأمريكية لعلم النفس.
ففي أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات كان مجال علم النفس يزدهر، لكنه لم يكن منظماً، وما فعلته آن أنها قامت بتنظيمه وتصنيفه إلى فئات أرست أسس العلم الحديث.
خرجت من المدرسة في سن مبكرة
وُلدت أناستاسي لوالدين مهاجرين من أصول إيطالية، وفقدت والدها بسبب "مرض معوي" عندما كانت بعمر عامٍ واحد.
ونشأت وسط ما وصفته في سيرتها الذاتية بأنها عائلة أرستقراطية تتكون من والدتها وجدتها وعمها؛ لكنها كانت أسرة تعاني من الناحية المالية.
وأثناء وجودها أغلب الوقت في المنزل مع جدتها في طفولتها، تلقت أناستاسي تعليماً مبكراً للغة والتاريخ والرياضيات.
دخلت أناستاسي التعليم الرسمي لعدة سنوات في المرحلة الابتدائية، حيث برعت وتخطت بعض الصفوف.
لكنها خرجت من المدرسة الثانوية بعد شهرين فقط بسبب الازدحام الشديد في الفصول والمباني التي كانت -بحسب أناستاسي- "غير مناسبة للاستخدام الآدمي" .
أنهت أطروحة الدكتوراه في عمر الـ21
خروج أناستاسي من الثانوية لم يعُق خُطتها الدراسية.
فقد كانت قادرة على تحصيل متطلبات الجامعة من خلال الفصول التكميلية، وانضمت إلى الدراسة بكلية بارنارد وعمرها 15 عاماً، بقصد التخصص في الرياضيات.
لكن هذا الميل نحو الرياضيات توجَّه بعدها بمدة قليلة إلى علم النفس عندما صادفت أناستاسي البروفيسور هاري هولينغوورث، الذي أصبح مرشدها الوظيفي لاحقاً.
في سيرتها الذاتية، قالت أناستاسي إن نضارة محاضرات هولينغوورث أسرت انتباهها، وجعلتها متحمسة لدمج شغفها بالرياضيات باهتمامها الجديد بعلم النفس.
وقد أنهت أناستاسي أطروحة الدراسات المتقدمة في علم النفس في كلية بارنارد، وقُبلت في برنامج الدكتوراه في جامعة كولومبيا بعد ذلك مباشرة، وهو ما أنهته وعمرها 21 عاماً فحسب.
ابتدعت اختبارات تحديد الذكاء والمواهب الذهنية
خلال تحضيرها لنيل درجة الدكتوراه، بحثت أناستاسي في سؤال واحد معين، وهو ما إذا كان من الممكن تصميم اختبار لتحديد قدرات الشخص الفطرية -كالذكاء- بشكل غير متحيز ثقافياً.
وكتبت أناستاسي في سيرتها الذاتية أنها كانت تجتمع مع اثنين من طلبة الدراسات العليا لمدة ثماني ساعات يومياً خلال صيف 1929 لابتكار اختبارات لتحديد "المواهب الذهنية" دون استخدام اللغة والأرقام وحتى الأقلام والورق.
وكتبت أناستاسي أن العوائق التي واجهها الفريق في محاول تصميم اختبارات غير منحازة ثقافياً على الإطلاق ساعدت في خلخلة إيمان مجتمع علم النفس بوجود قدرات فطرية.
وقد كان التشابك الواضح بين القدرات والثقافة هو ما أوحى لأناستاسي بأن تستكمل تشكيل نقاشها حول الطبيعة مقابل التنشئة خلال مسيرتها المهنية.
قبل وفاتها في 2001، أنشأت أناستاسي مؤسسة آن أناستاسي لضمان أن عوائد ممتلكاتها ستوجه مباشرة لإفادة طلبة علم النفس.
وتقدم الجمعية الأمريكية للطب النفسي سنوياً جائزتين باسمها في المسار المهني المبكر، وإنجازات طلبة الدراسات العليا.