تكشف تحركات الهاتف سمات شخصية من دون قصد من مستخدميه، ربما يبدو الأمر غريباً في البداية، ولكن فريقاً من الباحثين الأستراليين توصلوا إلى طريقة للتنبؤ بالسمات الشخصية بمجرد استخدام مقياس التسارع في الهاتف.
حسناً، هذا بالإضافة إلى سجلات نشاطك في المكالمات والمراسلات.
علاوة على ما سبق، ينجح هذا النظام مع بعض السمات أكثر مما ينجح مع غيرها، إلا أنه فكرة مثيرة للاهتمام بشأن كيفية الكشف عن الروابط من خلال الأشياء التي تبدو غير ذات صلة ببعضها.
توجد الكثير من الأبحاث السابقة الموجهة لدراسة كيفية استخدام الجوانب المختلفة من استخدامك هاتفك الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي -مثل لهجتك في الرسائل، أو كيفية ضبطك شكل حسابك الشخصي على فيسبوك، أو قدر النشاط البدني الذي تبذله– للتنبؤ بسمات شخصيتك.
طريقة تحريك الهاتف تكشف شخصيتك
قالت أخصائية علوم الحاسب الآلي، فلورا سالم، من جامعة RMIT في أستراليا، وهي أحد أعضاء فريق الباحثين: "غالباً ما تتبع الأنشطة مثل مدى سرعة مشينا أو المسافات التي نمشيها، أو متى نلتقط هواتفنا ليلاً، أنماطاً معينة، وهذه الأنماط تكشف الكثير عن نوع شخصيتنا".
وفي هذه الحالة، فإننا سنبدأ بالسمات الخمس الكبرى للشخصية.
هذه السمات مُستخدمة في علم النفس منذ ثمانينيات القرن العشرين للمساعدة في التصنيف حسب خمسة أجزاء مهيمنة من شخصيتنا.
هذه السمات الخمس هي:
الانبساطية (التفتح مقابل التحفظ)
الانفتاح (الفضول مقابل الحذر)
العصابية (الثقة مقابل التوتر)
القبول (التعاطف مقابل الانفصال)
يقظة الضمير (النظام مقابل الهدوء)
يقول دكتور بيلي سانغ، خبير علم نفس التسويق من جامعة كيرتن الأسترالية، والذي لم يكن ضمن فريق البحث، لموقع ScienceAlert: "إن السمات الخمس الكبرى هي أبرز الطرق لتحديد الشخصية.
وبالطبع، ومثل أي مقاييس أو أدوات قياس أخرى، فإن لها نقادها.
على سبيل المثال، يتوجس الكثير من الباحثين بشأن ما إذا كانت السمات الخمس الكبرى للشخصية مسؤولة عن تفاوت الشخصيات في العموم.
وبالرغم من أنها ليست مثالية، إلا أنها واحدة من أفضل الأنظمة لقياس الشخصية علمياً.
ماذا يعني النشاط البدني ليلاً؟
أجرى الباحثون تحليلاً على عادات 52 شخصاً في استخدام الهاتف، ما بين مارس/آذار 2010 ويوليو/تموز 2011، حيث مُنح كل مشارك هاتفاً يحتوي على برنامج للاستشعار وجمع البيانات، والذي أمد الباحثين بالمعلومات بشأن توقيتات تحرُّك الهاتف ومقدار استمرار حركته (بيانات مقياس التسارع)، إضافة إلى عدد المرات والتوقيتات لجميع المكالمات والمراسلات.
كما طُلب من المشاركين استكمال استبيان السمات الخمس الكبرى لحساب شخصيتهم على مقياس السمات الخمس.
وبعد ذلك، أنشأ الفريق كذلك قائمة بالخصائص المرتبطة بجوانب استخدامات الهاتف التي قاسوها، والتي من شأنها تحديد سمات الشخصية
فمثلاً، من شأن النشاط البدني في ليالي عطلات نهاية الأسبوع أن ينبئ بالانبساطية، أو أن ينبئ عدد المكالمات التي يجريها أحدهم بالقبول.
وبعد إجراء الحسابات، اكتشف الباحثون أن بعض خصائص استخدام الهاتف كانت تنبئ بالفعل عن سمات الشخصية للمشاركين الـ52.
وبالرغم من عملهم على عينة صغيرة، إلا أنه من المثير للاهتمام أن بيانات استخدام الهاتف كانت خير منبئ بالعصابية ويقظة الضمير والانبساطية.
ولكن السجلات لم تكن تفيد في التنبؤ بالسمتين الأخريين، بالأخص الانفتاح، وهذا أمر منطقي نظراً لأن بعض سمات الشخصية تكون مرتبطة بالنشاط، وبعضها يكون داخلياً بشكل أكبر.
كتب الفريق في ورقته البحثية قائلاً: "تصعب المعرفة في الحياة اليومية ما إذا كان أحدهم إبداعياً أم فضولياً من خلال نمط كثرة نشاطه".
توجد مشكلة أخرى متمثلة فيما إذا كان الفريق ينظر بالفعل إلى سمات الشخصية، أو أن سمات الشخصية هذه كانت مخفية تحت عوامل أخرى.
يقول سانغ: "توجد الكثير من المتغيرات الخارجية هنا، فعلى سبيل المثال، قد ترتبط العصابية باختلاف انتظام حدة النشاط في الليل، إلا أنه لا يمكننا التغاضي عن العديد من التفسيرات الأخرى الممكنة (مثل أن الأشخاص العصابيين يميلون أكثر من غيرهم إلى التوتر، ومن ثمَّ -وإن كانت هذه هي الحال- فإن أي شخص آخر لديه سمات شخصية مختلفة ولكنه مصاب بالتوتر سيُظهر ذات النتائج)".
وماذا يكشف تاريخ التصفح؟
كانت هذه هي المرة الأولى التي يجمع فيها الباحثون بين بيانات مقياس التسارع ونشاطات الهاتف المعتادة.
ولتأييد هذا البحث، يجب الاطلاع على المزيد من الدراسات التي أجريت بنفس الطريقة على أمل أن تكون أجريت على عينات أكبر.
ويمكن اعتبار هذه دراسة "تمهيدية" لاستكشاف ما يمكن تحقيقه من بيانات الهاتف، بدلاً من اعتبارها شيئاً سيصير ذا أهمية مباشرة في حياتنا في المستقبل القريب.
وأجرى الباحثون الدراسات بالفعل على أمور مثل تاريخ التصفح، والتي يمكنهم من خلالها اكتشاف الكثير عن شخصيتنا.
في الحقيقة، فإن هذا هو ما يحدث بالضبط في كل مرة تفتح فيها فيسبوك أو جوجل.
ولكن حتى مع كل هذه التحذيرات، فالدراسة نفسها ما زالت مدهشة؛ فهي تذكرة كبرى على طريقة الاتصال بالإنترنت التي تكشف عن معلومات أكبر مما قد نود كشفه.