لا يمكن تفسير استهداف الحوثيين لأحد معسكرات قوات التحالف في عدن وتنفيذ تفجير انتحاري في قسم شرطة بمعزل عن إيران وأزمتها المشتعلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فماذا يعني التصعيد في اليمن؟ وما هي الرسائل التي أرادت توجيهها ولمن؟
رسالة دموية
المتحدث باسم جماعة "أنصار الله" اليمنية أو الحوثيين قال اليوم الخميس 1 أغسطس/آب، إن سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية نفذا عملية مشتركة على معسكر الجلاء بعدن، مضيفاً أنه "تم استهداف العرض العسكري بطائرة قاصف 2K وصاروخ باليستي متوسط المدى لم يكشف عنه حتى الآن"، بحسب موقع قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين.
الهجوم أدى لاغتيال قائد قوات الدعم والإسناد في الحكومة الشرعية، إضافة لـ40 قتيلاً وعشرات الجرحى، حيث استهدف الهجوم حفلاً لتخريج دفعة جديدة من قوات الحزام الأمني من المعسكر وأصابت الطائرة المسيرة المنصة بشكل مباشر.
الهجوم هو الثاني باستخدام نفس الطائرة المسيرة، حيث وقع الهجوم الأول في 3 يونيو/ حزيران الماضي واستهدف أيضاً عرضاً عسكرياً للجيش اليمني في معسكر رأس عباس بمحافظة عدن.
حظر وزير الخارجية الإيراني
تزامن هجوم اليوم مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأربعاء، عن فرض عقوبات على وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، وهي خطوة تعني أن واشنطن ربما تكون قد تخلت عن خيار السعي للتفاوض مع إيران، أو على الأقل إشارة لعدم الرغبة في التفاوض من خلال ظريف الذي يعد مهندس الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015.
في هذا السياق، يمكن قراءة هجوم الحوثي اليوم على أنه رسالة إيرانية في الاتجاه المضاد تقول إن طهران تمتلك الذراع الأطول في المنطقة، وإن صواريخها الباليستية وطائراتها المسيرة يمكنها أن تضرب في أي اتجاه، وصولاً إلى باب المندب، حيث إن هجوم اليوم وقع في ميناء عدن المطل على المضيق.
توقيتات الرسائل
هجوم اليوم يأتي في وقت أبدت فيه السعودية إشارات على رغبتها في إنهاء حرب اليمن، كما اتخذت الإمارات بالفعل خطوات على الأرض يمكن تسميتها انسحاباً جزئياً، ومجلس الأمن يسعى للتوصل لاتفاق سياسي ينهي الحرب وتشارك فيه جماعة الحوثي، مما يلقي بالشكوك حول الاستفادة الاستراتيجية للحوثيين من هكذا تصعيد في هذا التوقيت.
الأمر نفسه تكرر سابقاً في شهر مايو/أيار الماضي عندما هاجم الحوثيون أنابيب النفط السعودية بطائرات مسيرة أيضاً، في وقت كانت فيه مفاوضات انسحاب قوات الحوثي من ميناء الحديدة عبر اتفاق برعاية الأمم المتحدة قد وصلت لمرحلة متقدمة، وكان الاتفاق في صالح قوات الحوثي وبشروطه.
وفي نفس يوم سحب الحوثيين لقواتهم من الميناء وتأكيد بعثة الأمم المتحدة على الأمر، وقع الهجوم على أنابيب النفط، تزامناً مع بداية إيران اتخاذ خطوات تصعيدية في أزمتها مع واشنطن، مما يشير إلى أن ما يقوم به الحوثيون مرتبط بشكل مباشر بتوقيت الرسائل التي تريد طهران إرسالها وليس بالوضع الميداني ولا حتى السياسي في اليمن، بحسب المراقبين.
باب المندب تحت التهديد
رسالة اليوم تعيد للأذهان التهديد الذي تمثله إيران عبر وكلائها لممر ملاحي آخر يعد الرابع عالمياً من حيث الأهمية لحركة ناقلات النفط والسفن التجارية، وهو مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، والذي تم استهداف ناقلات النفط السعودية فيه العام الماضي بواسطة صواريخ باليستية أطلقها الحوثيون، مما أجبر الرياض على وقف استخدامه من جانب ناقلاتها.
في سياق سعي الولايات المتحدة لتشكيل قوة بحرية دولية لحماية الملاحة في مضيق هرمز، يبدو أن طهران أرادت اليوم أن تذكر الجميع بأن مضيقاً آخر هو باب المندب يقع أيضاً تحت سيطرتها عبر الحوثيين.
باتريوت أثبت فشله
الرسالة الأخرى التي يمكن قراءتها من خلال الهجمات الناجحة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية من جانب الحوثيين تتعلق بمدى قدرة أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية باتريوت التي تستخدمها السعودية على التصدي لتلك الهجمات الطائرة.
هجوم اليوم وما سبقه من هجمات مشابهة، وفي أماكن متعددة داخل السعودية وفي عدن، يعني ببساطة فشل باتريوت الذريع في التصدي لتلك الهجمات، وهو ما يمكن أن يكون مؤشراً خطيراً حتى على القوات الأمريكية المتواجدة في منطقة الخليج، فبالتأكيد إيران تمتلك صواريخ وطائرات مسيرة أكثر دقة وقدرات تفجيرية مما تزود به وكلاءها من الحوثيين.