هناك حكمة عربية قديمة تقول إن العملة الرديئة تعود لصاحبها مهما تم تداولها، وهي الحكمة التي قد تلخص حال الويلزي غاريث بيل ووضعه الحالي في ريال مدريد، خصوصاً بعد فشل صفقة بيعه لنادي غيانغسو سونينغ الصيني.
صحيح أن بيل لا يمكن تشبيهه بعملة رديئة باعتبار أنه واحد من اللاعبين المهمين على مستوى العالم بما قدمه سواء مع ريال مدريد وقبله توتنهام أو مع منتخب بلاده، لكن ما فعلته إدارة ريال مدريد والمدير الفني الفرنسي للفريق، زين الدين زيدان، مع الجناح الطائر حوّله بالفعل إلى ما يشبه العملة الرديئة في سوق انتقالات اللاعبين الصيفية.
صفقة انتقال الويلزي إلى النادي الصيني يصح فيها القول العامي المصري: "رضينا بالهم لكنه لم يرض بنا"، حيث يمثل الانتقال للدوري الصيني تضحية كبيرة من لاعب لا يزال يملك طموحاً دولياً وليس قريباً من سن الاعتزال.
لكن إذا أردنا تحليل أسباب فشل الصفقة، يمكن الوقوف عند 3 أخطاء ارتكبها ريال مدريد أدت لوضع قائد منتخب ويلز في هذا الموقف التسويقي السيئ، وستكلف النادي الملكي في الغالب القبول بصفقة أقل بكثير مما كانت تخطط للحصول عليه من وراء بيع بيل.
أول تلك الأخطاء وأبرزها
سقوط زيدان في فخ الإعلان المبكر عن رغبته في عدم استمرار غاريث بيل مع الفريق في الموسم الجديد، وهو خطأ ساذج لا يصح أن يقع فيه أو يسمح به تاجر شاطر مثل فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد.
ذلك أن إعلان أي تاجر على مرأى ومسمع من كل تجار السوق أنه يريد التخلص من بضاعته بأي شكل، وأنه يتمنى ألا يراها في محله مجدداً، بمثابة ذبح لسعر تلك البضاعة مهما كانت قيّمة وثمينة، وبالتالي فإن التاجر أعطى مفاوضيه مفاتيح الضغط عليه قبل أن يبدأ التفاوض حتى، وهذا بالتحديد ما حدث مع النادي الصيني.
فقد ذكرت صحيفة Marca الإسبانية أن إدارة غيانغسو لا ترغب في دفع القيمة التي يطلبها الملكي، خاصة أنها تعرف أن بيل ليس ضمن خطط زيدان في الموسم الجديد، وبسبب راتبه العالي فإن رحيله سيكون في مصلحة الجميع، لكن الإدارة تريد جلب بعض الأموال من بيعه.
وتذرع النادي الصيني بأن المشكلة لديه في أن الحكومة الصينية سنت قانوناً قبل فترة للتحكم في جنون سوق الانتقالات هناك يقضي بأنه بعد تخطي سعر اللاعب حداً معيناً، يدفع النادي قيمة مساوية لسعر اللاعب كضريبة، وهو ما يعني أن التعاقد مع بيل يمكن أن يكلف غيانغسو أكثر من 160 مليون يورو، وهي ضعف القيمة التي يريدها الريال للتخلي عن اللاعب.
لكن من المؤكد أن إدارة النادي تراهن على الضغط الذي يمكن أن يسببه انسحابها من الصفقة على إدارة ريال مدريد، خصوصاً مع تبقي 3 أيام فقط على إغلاق سوق الانتقالات الصينية.
الخطأ الثاني
خلق حالة عداء مع اللاعب ووكيله، من خلال إهانته والتقليل منه ومما قدمه للنادي، سواء بشكل متعمد أو غير متعمد، وتأليب الجماهير عليه، ظناً من الإدارة أن هذا قد يدفع اللاعب للرحيل هرباً من جحيم سانتياغو برنابيو.
بعيداً عن الجانب الأخلاقي في توصيف ذلك السلوك، فإن إدارة الميرينغي مجدداً وقعت في خطأ عملي كبير حين لم تقدّر جيداً صفات اللاعب الذي تريد الضغط عليه.
غاريث بيل كما يبدو وكما أظهرت تصرفاته منذ اشتعال الأزمة مع زيدان يمتلك أهم صفات الإنجليز التي قيلت فيها العديد من الأمثال وهي البرود الشديد حتى وإن كان ذلك ظاهرياً.
فقد رد اللاعب على كل ما فعله النادي من إهانة وإعلان عدم رغبتهم فيه بكل هدوء، حين صرح بأنه لن يرحل عن ريال مدريد قبل نهاية عقده، وإذا أرادت الإدارة رحيله فعليها دفع راتبه عن الفترة المتبقية في عقده.
كذلك رفضت عائلة بيل فكرة رحيله إلى الصين، كما ذكر تقرير آخر لصحيفة Marca، حيث أكد أن عائلة اللاعب لا تحبذ الانتقال إلى ذلك البلد البعيد جداً عن أوروبا، وتحدثت زوجة اللاعب معه ومع وكيله للبحث عن عرض مناسب في القارة العجوز، خاصة أن عقد بيل مع ريال مدريد سارٍ ومن ثم فاللاعب ضامن راتبه لمدة 3 أعوام قادمة على الأقل حتى لو جلس في بيته.
ردود الفعل هذه كان يمكن تجنبها لو حرصت الإدارة منذ بداية الأزمة الفنية بين اللاعب ومدربه على احتواء الموقف وإبقاء الفتنة داخل جدران النادي بدلاً من أن تصبح حديث كل صباح في كل صحف العالم.
الخطأ الثالث
استبعاد بيل من التشكيلة الأساسية لريال مدريد في أغلب المباريات التي لعبها منذ عودة زين الدين زيدان لقيادة الميرينغي، ففي عالم الاحتراف تقاس القيمة السوقية لأي لاعب حسب مجموعة من المعايير، منها حجم مشاركاته مع الفريق في المباريات، وهو معيار فقده غاريث بيل في أوقات كثيرة لدواعي الإصابات، ثم جاء زيدان ليكرس غياب اللاعب عن المباريات، ما قلل من القيمة السوقية له.
والآن يبدو غريباً على المتابعين لسوق الانتقالات وحركة اللاعبين فيه أن تتوقع إدارة الرئيس فلورنتينو بيريز أن تحظى بصفقة جيدة من بيع بيل تعوّض ما دفعه النادي لشرائه قبل 6 سنوات، حين اشتراه من توتنهام مقابل 99 مليون يورو، ليصبح أغلى لاعب في العالم وقتها.