الإيغور أتراك أكثر من كون أهل شنغهاي صينيين.. وهذه حقيقة إجبارهم على الإسلام 

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/25 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/04 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش
السلطات الصينية تستعمل كاميرات لمراقبة الإيغور المسلمين/ رويترز

مرَّ الكتاب الأبيض الذي أصدرته الصين مؤخراً، الذي ينفي الهوية التركية لمسلمي الإيغور، ويتهم العرب بنشر الإسلام بينهم قسراً، مرور الكرام، رغم ما فيه من أطروحات خطيرة تمهِّد لتغيير هوية الإيغور وشرعنة لمشروع إجبارهم على تغيير عقيدتهم.

يحمل الكتاب الكثير من الحقائق وكثيراً من المغالطات بشأن تاريخ الإيغور وتاريخ إقليم شينجيانغ الذي يسكنون فيه قبل أن يحمل هذا الاسم، الذي يعني بالصينية الإقليم الجديد.

 وهي مغالطات تعتمد نهجاً إذا تم تطبيقه على الصين نفسها فإن هذا من شأنه إنكار وجود أمة الصين نفسها، مثلما تنكر بكين هوية الإيغور.

هل الإيغور كانوا دوماً جزءاً من الصين؟

الحديث عن أن هذه المناطق كانت دوماً جزءاً من الصين يحتاج إلى فهم أعمق.

نعم سيطرت الصين على مناطق الإيغور لقرون طويلة مثلما سيطرت لفترات مماثلة على مناطق متاخمة أخرى مثل منغوليا والتبت.

ولكنها كانت بمثابة سيطرة خارجية قسرية في نظر هذه الشعوب الذين كانوا دوماً مختلفة عن الصينيين.

الفتوحات الإمبراطورية والهجرات شكلت الهوية الصينية كغيرها من الأمم/Istock

وفِي المقابل، فإن الشعوب البدوية وشبه البدوية المجاورة للصين، مثل المغول والإتراك والمنشوريين والأندوإيرانيين حافظوا لقرون طويلة على حكم مستقل لبلادهم، وأسسوا إمبراطوريات حكمت بدورها الصين ذاتها  لقرون طويلة.

والمفارقة أن الأصل الصيني لاسم موطن الإيغور يشير إلى انضمامه المتأخر للصين، إذ إن كلمة شينجيانغ (Xinjiang) تعني الإقليم الجديد باللغة الصينية، أو الأراضي الحدودية الجديدة.

الحقيقة الغائبة بشأن نشر الإسلام قسراً

الغريب إن اتهام الكتاب الصيني للعرب بنشر الإسلام قسراً لم يقابل برد من الدول الإسلامية ولاسيما العربية رغم أنه يعد طعناً في دينها وتاريخها.

هذا الاتهام، بالإضافة إلى أنه يقدم مبرراً تاريخياً لتغيير هوية الإيغور بما فيها عقيدتهم، فإنه يمثل أيضاً حجة مغلوطة كررها دوماً الشعوبيون المعادون للإسلام، ونفاها العلماء الغربيون الجديون، مثل ويل ديورانت في مؤلفه الموسوعي قصة الحضارة ، والمستشرق البريطاني الشهير "ديلاسي أولياري" .

وفِي هذا الإطار تظهر شهادة المؤرخ البريطاني المرموق "توماس آرنولد" الذي قال بعد دراسته لأسباب اعتناق الشعوب للإسلام بعد الفتوحات: "لا نسمع أبداً أي شيء عن محاولات منظمة لفرض الإسلام بالقوة على السكان غير المسلمين أو عن أي اضطهاد ممنهج بنية القضاء على الدين المسيحي" .

وأضاف قائلاً: "لو قام الخلفاء فعلاً باتخاذ هذا المسار لكانوا اقتلعوا المسيحية بسهولة كما قام فيرديناند وإيزابيلا بطرد الإسلام خارج إسبانيا، أو كما قام لويس الرابع عشر بجعل اعتناق المذهب البروتستانتي جريمة يعاقب عليها القانون في فرنسا، أو كما تم منع اليهود من دخول إنجلترا لمدة 350 سنة" .

والثابت تاريخياً وفقاً لشهادات عدد كبير من المؤرخين الغربيين، أن الإسلام هو أقل الأديان استخداماً للقوة لنشر عقيدته حتى لو حدثت تجاوزت متعددة، ولكنها تظل أقل من الحضارات الأخرى.

بل على العكس، فإن فكرة التعايش مع المختلف دينياً كانت جزءاً أساسياً من سمات الحضارة الإسلامية، حتى إن الجواري في حرملك خلفاء المسلمين العرب والأتراك كن يحتفظن بعقائدهن الأصلية، وإذا  اعتنقن الإسلام يكون بإرادتهن إما اقتناعاً به أو لتسهيل عملية صعودهن الاجتماعي. 

المفارقة أن هناك دلائل على أن بعضاً من حكام المسلمين لم يكونوا يرحبون بالاعتناق الجماعي للإسلام  للسكان من قِبل البلاد المفتوحة ، حتى لا تقل موارد البلاد أو يحدث صعود اجتماعي للمسلمين الجدد.

وهناك واقعة شهيرة حدثت في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز عندما أرسل له أحد عماله شاكياً أن الخراج قد نقص بسبب رفع الجزية عمن أسلم، فأجابه عمر: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً" .

الإسلام وافد غريب على المنطقة 

يلمح الكتاب الأبيض الصيني إلى أن الإسلام هو الدين الأحدث في المنطقة، بهدف  التقليل من شرعيته، والتعامل معه كوافد غريب بعد نحو 1300 عام من وصوله، وهي حجة يكررها المتطرفون المعادون للإسلام في كل مكان من أوروبا للبلدان العربية وصولاً للهند وميانمار.

المفارقة أن هذه الحجة تخالف إحدى أبسط الأفكار السائدة في الحضارة الغربية، وهي أن الأحدث هو الأفضل.

ولكن الأهم أن تطبيق هذه المقولة على باقي الديانات والحضارات والثقافات من شأنه المطالبة بطردها كلها من مناطق وجودها.

فمثلما البوذية والكونفوشية أقدم من الإسلام في آسيا، فهناك عقائد أقدم منهما من حقها أن تطالب بتطبيق هذا المنطق.

وكما أن المسيحية أقدم من الإسلام في الشرق الأوسط، فاليهودية أقدم من المسيحية، والديانات الوثنية أقدم من كليهما.

الإيغور أتراك أكثر من كون الصينيين "صينيين" 

إحدى النقاط الرئيسيّة في الكتاب نفي تركية الإيغور استناداً إلى أن هذه المناطق كان يسكنها أقوام أخرى قبل الإيغور وأن سكان الإقليم ينتسبون لهذه الأقوام القديمة أكثر من الأتراك الإيغور.

وهو منطق لو طبق على بقية العالم لتم نفي هوية معظم الأمم الموجودة بما فيها الصين.

فإنجلترا قبل أن يغزوها البحارة والمقاتلون الأنجلو ساكسون (الإنجليز والساكسون) القادمون من ألمانيا والدنمارك وهولندا، كانت موطناً للكلت (أولاد عمومة الإيرلنديين والاسكتلنديين والويلزيين).

ولا يمكن إنكار المكون الكلتي في الدماء الإنجليزية، ولكن هذا لا ينفي الهوية الأنجلو-ساكسونية التي يعتز بها الإنجليز.

وسيكون الأمر أسوأ لو طُبِّق على الصين.

شنغهاي استقبلت هجرات الصينيين الشماليين الذين شكلوا هويتها كواحدة من أهم المدن الصينية/Istock

فمن المعروف أن أكثر من 90 % من الشعب الصيني ينتمي لقومية الهان التي تعد أكبر قومية في العالم.

والحقيقة التاريخية أن أغلب سكان وسط وجنوب الصين لم ينتموا في الأصل لهذه القومية، ولكنهم أصبحوا جزءاً منها عبر توسع  الإمبراطورية الصينية التي نشأت في الشمال نحو وسط وجنوب والبلاد وهجرات السكان الشماليين، لاسيما الجنود الذين قاموا بـ "تصيين" هذه المناطق.

ورغم ذلك فمازالت هذه المناطق تحمل جينات ودماء والمكونات الخاصة بشعوبها الأصلية، وهذا لا ينفي هويتها الصينية الهانية.

فمنطقة دلتا نهر اليانغستي التي تقع فيها مدينة شنغهاي درة التاج الصيني استقبلت الهجرات الصينية الهانية في القرن الأول الميلادي خلال عصر أسرة وانغ مينغ، ومنذ ذلك الوقت أصبحت جزءاً من الصين.

بل إن نسبة الدماء الصينية الأصلية في وسط وجنوب الصين هي أقل من نسبة الدماء التركية في الإيغور، نظراً لكثافة السكان المرتفعة في جنوب ووسط الصين، مقارنة بالكثافة السكانية المنخفضة لإقليم شينجيانغ نظراً لطبيعته شبه الصحراوية، مما يجعل تأثير الهجرات التركية أكبر من الصينية الهانية.

فقد كان التغيير في جنوب ووسط الصين ثقافياً ولغوياً أكثر منه سلالياً، وهو ما يظهر في الاختلاف الواضح بين البنية الجسدية لسكان جنوب الصين عن الشمال، علاوة على الاختلافات في الطباع والثقافة واللهجات واللغات أحياناً.

في المقابل فإن تأثير الهجرة التركية الإيغورية تخطَّى اللغة إلى تغيير في السلالات السائدة في إقليم شينجيانغ.

إذ من المعروف أنَّ السكان الأصليين لمناطق الإيغور الحالية كانوا من الشعوب الأندوإيرانية القديمة، ذوي الملامح القوقازية الذين يمتون بصلة قرابة للإيرانيين والأفغان الحاليين، بينما تبدو الملامح الآسيوية الناتجة من تدفق الدماء التركية على الإيغور واضحة (أصول الأتراك تعود إلى جبال آلتاي في آسيا الوسطى).

والمفارقة هنا أن الصين في محاولتها لنفي الهوية التركية للإيغور فإنها ستضطر إذا سارت لنهاية هذا الطريق لإثبات أن لهم جذوراً إيرانية.

الجدل حول هوية الإيغور وأنها مختلقة حديثاً

أما قول الكتاب الأبيض بأن مصطلح تركستان الشرقية هو مصطلح جديد أدخله العلماء والكُتّاب الأجانب، وأن شعور الإيغور بأنهم أتراك هو أمر حديث مرتبط بصعود الحركات القومية التركية والحركات الإسلامية (رغم اختلاف أهدافهما ومنطلقاتهما في أغلب الأحيان)، فحتى لو افترضنا أنه صحيح، فليس دليلاً ينفي هويتهم على الإطلاق.

فمن المعروف أن الشعور بالهوية القومية هو أمر حديث، صعد مع بزوغ الدولة الحديثة ونهاية الإمبراطوريات القديمة.

والحقيقة أن كثيراً من القوميات لم تعرف لنفسها أسماً في العصور الموغلة في القدم، بل عادة كان المحيطين والغرباء والرحالة هم من يطلقون الأسماء على الشعوب.

وفي اللغة الألمانية، مازالت الكلمة التي تشير للألمان تعني (الشعب أو الناس) وألمانيا هي Deutschland أي أرض الشعب واللغة (Deutsche) أي لغة الشعب، بينما كلمة Germany هو مصطلح أطلقه الجيران على ألمانيا ضمن عشرات المصطلحات الأخرى.

ولكن هذا لا ينفي وجود هذه القوميات على الأرض.

ولكن في مجتمعات ما قبل الحداثة كان المرء ينسب لقبيلته أو دينه أو مذهبه أو ملته أو قريته أو حتى طبقته الاجتماعية.

ولقد احتاج الألمان إلى أن يغزوا نابليون بونابرت بلادهم ويمرح فيها ويهين قادتهم، لكي يشعروا أنهم ألمان، وتظهر الدعوات للوحدة الألمانية التي استكملت في 1871. 

وقبل ذلك كان الألماني يعرف نفسه بالطبقة أو المذهب أو الرابطة التجارية، أو المدينة التي يسكن فيها، أو بواحدة من 300 دويلة متحاربة كانت تتكون منها بلاده.

لماذا لا تستوعب الصين الجديدة الإيغور؟

إن هذا التحليل ليس دعوة لترك أو تشجيع أي نزعات انفصالية لدى الإيغور أو غيرهم.

بل هي دعوة للعودة للمبادئ التي قامت عليها الصين كدولة كبرى موحدة متعددة الأعراق وتحمي هذا التعدد.

فقبول هذا التعدد يعني قبول الرواية التاريخية التي يُؤْمِن بها الإيغور، عن أنفسهم.

إذ إن كل الروايات التي قامت عليها القوميات الحديثة تختلط فيها الحقائق بالأساطير، وهذا الأمر ينطبق على الصين أكثر من غيرها.

والمثير للاستغراب أن الصين تحاول وأد الشعور القومي الإيغوري، في وقت ينظر العالم كله بإعجاب لتجربتها التنموية الرائدة، وهي تجربة من شأنها تشجيع اندماج الأقليات والمكونات الصينية تحت راية الصين الكبرى، في ظل ازدهار اقتصادي يشار له بالبنان، بشرط السماح لهذه الإثنيات بالتعبير عن هويتها وعدم محاولة إذابتها قسراً، مع ضرور التخلي عن سياسة توطين الصينيين في هذه المناطق، ومعالجة آثار الهجرات القديمة.

لكم في بوتين أسوة حسنة جزئياً

واللافت أنه تاريخياً، فإن المسلمين ينظرون بما فيهم كثير من الإسلاميين بشكل مختلف للصين.

إذ يَرَوْن أن الإمبراطورية الصينية كانت أكثر تسامحاً مع المسلمين، واستيعاباً لهم، مقارنة مثلاً بالإمبراطورية الروسية، ومن بعدها الاتحاد السوفيتي.

والغريب أن قيصر روسيا الحديث فلاديمير بوتين، وريث السوفيت وأباطرة آل رومانوف المشهورين بالقسوة ضد المسلمين، ورغم قسوته في قمع الشيشان، إلا أنه أكثر تسامحاً مع رغبات مسلمي بلاده في التعبير عن هوياتهم الوطنية والدينية، طالما تم ذلك تحت مظلة الدولة الروسية الصارمة.

المشكلة ليست مع الإيغور فقط

ولكن الإشكالية هي أن الصين الجديدة بقدر ما تُقدم للعالم نموذجاً اقتصادياً مبهراً ، إلا أنها تقدم نموذجاً مثيراً للقلق فيما يتعلق بمحاولة تنميط سلوك سكانها، واستخدام تقدمها التكنولوجي لخلق نموذج افتراضي للمواطن المثالي الصيني.

وهو أمر من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية، فافتراض وجود نمط معياري للإنسان الصيني سيخلق من سكان المناطق الصينية طبقات متباينة، وفقاً لمدى انقيادهم لرضا الدولة، ومدى قربهم من هوية الصين المركزية التي نشأت في شمالي الصين.

وبالتالي فإن هذا سيجعل سكان مناطق مهمة في الصين يشعرون بأنهم أدنى في الترتيب، مقارنة بسكان المناطق التي تسود فيها اللغة الصينية في شكلها المعياري (اللغة الماندرينية وتحديداً لهجة بكين).

سكان هونغ كونغ مراراً للدفاع عن حرياتهم/ Reuters

ويبدو أن هذه السياسة بدأت تنعكس سلباً في مناطق أخرى، مثلما يحدث في هونغ كونغ (لغة سكانها الأصلية الكانتونية)، بسبب محاولة الصين تحجيم نموذجها الليبرالي، وقد يؤدي السخط لتعزيز الهوية المحلية الكانتونية.

وبالنسبة للإيغور فإن عدداً من المراقبين يشيرون إلى أن القمع الصيني الذي وصل لذروته في معسكرات الاعتقال، قد يؤدي لتعزيز الهوية الإيغورية.

لا يحتاج الإيغوريون لمعسكرات اعتقال لكي يكونوا صينيين، بل يحتاجون إلى أن ينالوا نصيبهم من التنمية، والاعتراف بهويتهم وجذورهم، ضمن إطار الصين الكبرى التي تستعد لقيادة العالم.

تحميل المزيد