التوتر الأخير الذي طرأ في مضيق هرمز بعد احتجاز إيران لناقلة نفط بريطانية، سيؤثر بشكل كبير على صناعة الشحن البحري بعدما أصبحت هذه المنطقة أكثر خطورة من ذي قبل.
وبحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطاني فإن صناعة الشحن البحري العالمية باتت منقسمة حول أفضل سبل لحماية مضيق هرمز حيث تستعد لوقوع اضطرابات تجارية محتملة في أحد أهم الممرات المائية في العالم، وذلك بعد احتجاز إيران ناقلة نفط بريطانية يوم الجمعة الماضي 19 يوليو/تموز 2019.
ويمر ثلث النفط المنقول بحراً في العالم عبر مضيق هرمز، وبالنسبة لمالكي السفن والوسطاء وشركات النقل البحري يُعد الحادث الأخير انتهاكاً واضحاً للقوانين الدولية وحرية الملاحة التي ترتكز عليها التجارة العالمية.
ماذا حدث؟
وقد أدت المواجهة إلى زيادة حدة التوتر بين إيران والغرب بعد أن احتجزت بريطانيا ناقلة نفط مطلع هذا الشهر للاشتباه في تهريبها النفط إلى سوريا، الأمر الذي تعتبره انتهاكاً لعقوبات الاتحاد الأوروبي. وحدث ذلك بعد يوم من إعلان واشنطن أنها أسقطت طائرة إيرانية مسيرة كانت تحلق بالقرب من سفينة حربية أمريكية في المضيق، وهو ما نفته إيران.
ارتفعت أسعار النفط يوم الجمعة الماضي بعد الحادث الذي اعتبرته إيران عملية انتقامية.
ويعاني مالكو سفن الشحن بالفعل من نفقات التأمين المتزايدة لعبور مضيق هرمز، فقد تضاعفت قيمة أقساط التأمين من 8 إلى 10 مرات خلال الأسابيع الثمانية الماضية، حسبما ذكر جوناثان موس، مدير النقل والشحن في شركة المحاماة DWF.
وقال بوب سانغوينيتي، الرئيس التنفيذي لغرفة الشحن في بريطانيا: "بينما كانت ناقلة المواد الكيميائية Stena Impero ترفع علم المملكة المتحدة، إلا أن مالكها سويدي وطاقمها من مختلف الجنسيات وأعمالها دولية. وأضاف: "الأمر لا يخص المملكة المتحدة فقط".
ما الحل؟
ويُطالب البعض بالتدخل العسكري لحماية السفن التجارية بينما يخشى آخرون من أن هذه الخطوة ربما تأتي بنتائج عكسية تؤدي إلى زيادة تدهور علاقة إيران مع الغرب.
ويشير هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى التحدي الذي تواجهه الحكومات وهي تبحث كيفية حماية السفن التجارية دون أن يُنظر إليها على أنها تتصرف على نحو استفزازي. وقال أحد مسؤولي الشحن إن هذه السفن أصبحت "رهينة" خلاف دبلوماسي.
وقال سانغوينيتي إنه على الرغم من أن الأولوية لإيجاد حل دبلوماسي، إلا أنه من الضروري توفير مزيد من الأمن في الخليج.
ودعا إلى تشكيل تحالف عسكري دولي لتأمين عبور السفن التجارية. وأضاف: "إذا كانت مهمته توفير الأمن والاستقرار، فسيكون ذلك أمراً جيداً".
كيف يمكن أن يحموا سفنهم؟
وقال باسل كاراتزاس، المسؤول بشركة Karatzas Marine Advisors المتخصصة في الاستشارات المالية في مجال الشحن البحري، إن مالكي السفن أو مستأجريها الذين يستأجرون حراساً مسلحين لا يمكنهم حماية السفن من الكيانات الحكومية بمفردهم.
وأضاف كاراتزاس: "نحن بحاجة إلى شرطة دولية للبحار. هناك حاجة ملحة للأمن الدولي في مضيق هرمز ومضائق الشحن الاستراتيجية الأخرى في جميع أنحاء العالم. كيف تحمي السفن التجارية من دولة ذات سيادة؟".
وتابع: "نأمل أن يسود المنطق، فمن غير المعقول أن يتصاعد هذا الوضع".
وتدهورت العلاقات بين إيران والحكومات الأخرى منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرضت عقوبات خانقة على إيران.
ورغم أن وزير خارجية بريطانيا جيريمي هنت قال إن الحكومة لا تدرس الخيارات العسكرية، إلا أن السفن البريطانية قد نُصحت بتجنب مضيق هرمز "لفترة مؤقتة".
وقال ريتشارد ميد، الصحفي بصحيفة Lloyd's List المتخصصة في شؤون الشحن، إنه بينما تحتاج صناعة الشحن إلى وعد بالأمن من الحكومة البريطانية "إلا أنه ليس مسطحاً مائياً سهلاً تستطيع حمايته".
وأضاف: "لا يمكنك إغلاق المضيق".
ما هو مضيق هرمز؟
ويربط مضيق هرمز خط الشحن بين إيران وعُمان الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، ويبلغ عرضه 21 ميلاً في أضيق نقطة به.
وأضاف ميد: "إنه بالفعل ممر مائي محدود والحلول العسكرية ستُفاقم الوضع بالنظر إلى تأثيرات الجغرافيا السياسية المتصاعدة".
وأشار جوناثان موس، مدير النقل والشحن في شركة المحاماة DWF، إلى أن تغطية التأمين من مخاطر الحرب ستستمر في الارتفاع خلال الأسابيع المقبلة، في ظل "حالة عدم الاستقرار" في المنطقة.
وحذر محللون ومسؤولون تنفيذيون في مجال الشحن من تباطؤ التجارة في المنطقة مع أي اضطراب حقيقي في إمدادات النفط، ما يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط الخام.
سفن بريطانيا هي المستهدفة!
وبحسب الصحيفة البريطانية فإنه رغم المخاطر التي تواجه صناعة الشحن البحري الدولي، إلا أن السفن المرتبطة بالمملكة المتحدة هي المستهدفة. فهناك 30 سفينة ترفع علم المملكة المتحدة تعمل في الخليج، تمر خمس منها كل يوم عبر مضيق هرمز.
وكان مستقبل ناقلات النفط التي ترفع علم المملكة المتحدة قد دخل بالفعل في حالة من الغموض إزاء مغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ نقل بعض مالكي السفن التي تحمل أعلام المملكة المتحدة التبعية إلى بلدان أخرى.
ولكن هناك شركات بريطانية تمتلك وتدير مجموعة من ناقلات النفط الأخرى، بما في ذلك ناقلة النفط Mesdar المسجلة في ليبيريا، التي احتجزتها القوات الإيرانية يوم الجمعة الماضي 19 يوليو/تموز وسمحت لها في وقت لاحق بمواصلة رحلتها.
وقال أحد وسطاء الشحن البحري إن المستأجرين أصبحوا يقيِّمون مخاطر استخدام السفن البريطانية بدقة. "لماذا تستأجر ناقلة نفط بريطانية في الوقت الذي توجد فيه ناقلات أقل عُرضة للخطر؟".