كيف تحوَّل الحلم إلى ورطة؟ حرب اليمن دمرت سمعة ولي العهد السعودي

منذ بداية التدخل السعودي في اليمن، كانت تلك حرب الأمير محمد بن سلمان التي كان يسعى إلى أن يرفع أسهمه الداخلية بها والخارجية أيضاً، ولكن بعد مرور أكثر من 4 سنوات تحولت هذه الحرب إلى كابوس وشبح يطارد ولي العهد دون تحقيق أي فائدة.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/19 الساعة 15:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/19 الساعة 17:39 بتوقيت غرينتش
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان - رويترز

منذ بداية التدخل السعودي في اليمن، كانت تلك حرب الأمير محمد بن سلمان التي كان يسعى إلى أن يرفع أسهمه الداخلية بها والخارجية أيضاً، ولكن بعد مرور أكثر من 4 سنوات تحولت هذه الحرب إلى كابوس وشبح يطارد ولي العهد دون تحقيق أي فائدة.

قبل 4 سنوات ظهر محمد بن سلمان، الذي كان يبلغ عمره حينها 29 عاماً، ومرت ثلاثة أشهر فقط على توليه منصب وزير الدفاع، في الصور الرسمية وهو محاط بالقادة العسكريين، ويمعن النظر في الخرائط، ويتفحص طائرة مروحية، وحتى وهو مرتدٍ سماعة طيار بينما يركب في المقعد الخلفي بطائرة نقل حربية.

الحرب وصلت لطريق مسدود

يقول محللون ودبلوماسيون لصحيفة The New York Times الأمريكية، إن الحرب في اليمن وصلت إلى طريقٍ مسدود بعد مرور 4 أعوام على اندلاعها، وأصبحت حرب بن سلمان ورطةً بالنسبة له، مضيفين أن الانسحاب الكبير للإمارات، حليفته الرئيسية، يثير تساؤلات حول قدرة السعودية على قيادة الحرب بمفردها.

وبعد أن شجعته تعليقات مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يأمل محمد بن سلمان حالياً أن تساعد واشنطن في إحداث فارق في الحرب بمساعدة عسكرية أمريكية، وفقاً لدبلوماسيين مطلعين على المحادثات.

لكن معارضة الكونغرس للحرب يجعل تلك المساعدة أمراً غير مرجح للغاية، وهو ما يترك لولي العهد السعودي قليلاً من الخيارات المتواضعة المحتملة.

البحث عن حل جزئي

قالت كريستين سميث ديوان، وهي محللة بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن: "الأمر موجع بالنسبة له، لأنه يضعف مصداقيته كقائد ناجح"، مضيفة أن سعيه للحفاظ على مكانته الشخصية قد يدفعه إلى البحث عن حل جزئي يمكنه وصفه بالانتصار. 

وأضافت: "لا يشعر كثير من الأشخاص في السعودية بأن هذه (الحرب) تعد استثماراً حكيماً من أجل المستقبل".

الحوثون أعلنوا مرتين الانسحاب من ميناء الحديدة وسط تشكيك كبير من الحكومة اليمنية
الحوثون أعلنوا مرتين الانسحاب من ميناء الحديدة وسط تشكيك كبير من الحكومة اليمنية/رويترز

وأطلق السعوديون حملتهم العسكرية باليمن في 2015، في محاولةٍ للتصدي لسيطرة الحوثيين على الحكم. وتسببت الحرب في مقتل آلاف المدنيين وعرَّضت أكثر من 12 مليون شخص لخطر المجاعة، لكنها فشلت في نزع سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم أنحاء البلاد.

وبينما اقتصرت مشاركة السعوديين في الحرب على القتال جواً تقريباً، قاد الإماراتيون، الذين يحظون بخبرة بفضل سنوات قتالهم إلى جانب الجيش الأمريكي في أفغانستان ومناطق أخرى، فعلياً جميع المكاسب البرية. وخلف مسرح الأحداث، لعب الضباط الإماراتيون، والأسلحة، والمال دوراً حيوياً في توحيد صف الميليشيات اليمنية المعادية بعضها بعضاً، والتي بدأت بالفعل في التنافس لملء فراغ السلطة بعد انسحاب الإمارات، بحسب الصحيفة الأمريكية.

الإمارات صعّبتها على السعودية

ونتيجة لهذا، يقول المحللون إن خروج الإمارات يجعل فرص انتصار الجيش السعودي في الحرب أكثر صعوبةً.

وقال مايكل نايت، الباحث لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تقرير، الأسبوع الجاري: "يمكن أن تعيق السعودية بدء عملية السلام في اليمن، وهي قادرة على استنزاف الحوثيين في حربٍ لا نهاية لها على الجبهة الشمالية"، مستدركاً: "لكن الإمارات وحدها هي من تمتلك القوة العسكرية والقوات المحلية المتحالفة اللازمة لتشكيل تهديدٍ حقيقي بهزيمة الحوثيين".

جنديان إماراتيان في اليمن – رويترز

لكن لا يستطيع السعوديون الانسحاب بسهولةٍ أيضاً ويرجع ذلك جزئياً إلى حدودهم مع اليمن، البالغ طولها 1100 ميل.

منذ بدء التدخل السعودي، أطلق الحوثيون أكثر من 500 صاروخ وأرسلوا أكثر من 150 طائرةً من دون طيار محملة بالمتفجرات إلى السعودية، وفقاً لما قاله باحثون سعوديون. ورغم نجاح عدد قليل منها فقط في إصابة أهداف ومحدودية الضرر الناجم عنها، فتصاعد وتيرة الهجوم يُصعِّب على السعوديين الانسحاب من الحرب.

حتى لو أوقف الحوثيون هجومهم، يجادل السعوديون بأنهم قد يشكلون تهديداً أكبر إذا سُمح لهم بتعزيز سيطرتهم على البلاد.

"لا يوجد طريق للهرب"

وقال فارع المسلمي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية وهو مركز بحثي بالعاصمة اليمنية: "لا يملك السعوديون رفاهية الانسحاب من اليمن.. لا يوجد طريقٌ للهروب".

يأمل بعض الدبلوماسيين الغربيين والأمم المتحدة أن يدفع انسحاب الإمارات بن سلمان إلى التفاوض مع الحوثيين للوصول إلى اتفاق، قد يقايض إنهاء الحملة الجوية بقيادة السعودية ببعض الإجراءات الأمنية على طول الحدود بين البلدين. ويواجه محمد بن سلمان بالفعل انتقادات متزايدة بالكونغرس وفي الغرب، بسبب التأثير المدمر للحرب على المدنيين في اليمن، بحسب الصحيفة الأمريكية.

لكن محمد بن سلمان عزز سلطته حالياً كولي للعهد وكحاكمٍ فعلي للبلاد تحت وصاية والده المتقدم في السن الملك سلمان، ويواجه ضغطاً ضعيفاً داخل المملكة لإنهاء الحرب، وفقاً لما قاله محللون ودبلوماسيون.

ويبدو أن ولي العهد قد قمع أي معارضة من العائلة المالكة. ويسيطر الديوان الملكي على الإعلام، ولا توجد سوى تقارير قليلة بشأن وقوع خسائر بشرية سعودية، في ظل وجود القوات السعودية بالجو إلى حدٍ كبير، بحسب الصحيفة الأمريكية.

السبب الرئيس في اندلاع الحرب

وقال جوزيف ويستفال، الذي شغل منصب السفير الأمريكي في الرياض بالفترة منذ بداية التدخل السعودي في اليمن وحتى أوائل 2017: "لم يبدُ لي أن ولي العهد  يرى هذا باعتباره أهم  شيء في حياته".

في الداخل الإيراني تعد طاعة الفقيه واجبةً، كونه الأقدر على خدمة مصالح الأمة!

وأضاف ويستفال أن أحد أسباب أن الحرب لم تولّد مزيداً من المعارضة داخل المملكة، هو أن الخوف من النفوذ الإيراني، الذي كان الدافع وراء شن الحرب، لا يقتصر على العائلة المالكة فحسب، لأن السعوديين أنفسهم لديهم شعورٌ قوي بأنهم مهدَّدون.

غير أن انسحاب الإمارات أضعف أيضاً من قدرة السعوديين على التفاوض، وهو ما رفع من التكلفة المحتملة التي قد يضطر  محمد بن سلمان إلى دفعها للتفاوض بشأن إنهاء الهجمات الحوثية على المملكة. 

وبعد أن أصبح محاصَراً، طلب محمد بن سلمان من الولايات المتحدة الحصول على مزيدٍ من الدعم. ويوفر الأمريكيون بالفعل دعماً لوجيستياً ويبيعون الأسلحة للسعوديين. وقال دبلوماسيون إن السعوديين يأملون، على الأقل، تحقيق مزيدٍ من التعاون مع الاستخبارات الأمريكية مع إمكانية نشر فرق القوات الخاصة أو مستشارين عسكريين.

رسائل واشنطن المتناقضة

لكن السعوديين يشكون من أن واشنطن تبعث برسائل متناقضة بشأن دعمها للحرب. وفي تحولٍ مفاجئ للأحداث بالنسبة للقادة السعوديين، دفع الغضب بشأن قتل وتقطيع أوصال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في الخريف الماضي، والذي كان يعيش بولاية فرجينيا ويكتب مقالات رأي لدى صحيفة The Washington Post الأمريكية، المشرعين الأمريكيين إلى الارتياب أكثر من الحرب في اليمن، بحسب الصحيفة الأمريكية.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

مرر الكونغرس تشريعاً خلال العام الجاري، يطالب بإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للحرب، وضمن ذلك مبيعات الأسلحة للسعودية. في الوقت ذاته، توصل مسؤولو البنتاغون إلى نتيجةٍ، مفادها أن الحرب انحدرت إلى طريقٍ مسدود لا يمكن الانتصار فيه، وحثوا السعوديين شهوراً على التفاوض لإنهاء القتال.

لكن الرئيس ترامب صوَّت مراراً ضد أي تشريع يمنع الدعم الأمريكي للحرب. وبعد أن زادت حدة التوتر مع إيران، بدا أن بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية، مثل وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، قد أصبحوا عدائيين مثل السعوديين تقريباً بشأن الخطر الناجم عن تحالف إيران مع الحوثيين.

وفي مؤتمرٍ عُقد برعاية الولايات المتحدة في مدينة وارسو في فبراير/شباط الماضي، قال بومبيو بوضوحٍ للسعوديين ولآخرين إنه ينبغي للتحالف الذي يحارب في اليمن أن يُضعف قوة الحوثيين، وفقاً لما قاله دبلوماسي كان حاضراً في المؤتمر. وتحدث الدبلوماسي لوصف ما حدث في اجتماعٍ خاص، بشرط عدم الكشف عن هويته. ورفضت وزارة الدفاع الأمريكية التعليق على التقرير.

ويقول السعوديون إن تصريحات مثل تصريح بومبيو تذكِّرهم بأن واشنطن تشاركهم مصلحة احتواء النفوذ الإيراني عبر إضعاف الحوثيين.

لماذا لم يساعد الأمريكيون السعوديين حقاً؟

وتساءل مصطفى العاني، وهو باحث بمركز الخليج للأبحاث المدعوم من السعودية والمقرب من الديوان الملكي: "لماذا لم ينفذ الأمريكيون أي عملية للمساعدة؟".

وأوصى العاني بأن يتبع السعوديون منهجاً أكثر حدة، لإقناع واشنطن بأن الحوثيين مشكلةٌ أمريكية، قائلاً موجهاً حديثه للسعوديين: "انسحِبوا بالكامل واتركوا الولايات المتحدة تتعامل مع  مقاتلين معادين للغرب، وحينها ستجتاح القوات التي تحارب بالوكالة نيابةً عن إيران اليمن"، على حد وصفه.

وقال العاني: "كنت سأفعل ما فعله الأمريكيون في الصومال. كنت سأنسحب وأقول: فلتذهبوا إلى الجحيم".

وعند سؤاله عن خطط السعودية لسد الفراغ الناجم عن انسحاب الإمارات، قال مسؤول بالسفارة السعودية في واشنطن الأسبوع الماضي، إن المملكة ستعتمد أكثر على حلفاء يمنيين.

وقال المسؤول في بيانٍ مكتوب، صدر بشرط عدم الكشف عن هويته؛ تماشياً مع الممارسات السعودية المتعارف عليها: "نفذ التحالف برامج تدريبية مكَّنت الشركاء المحليين من تطوير قدرتهم على الدفاع عن بلادهم".

تحالفهم هش

لكن الميليشيات اليمنية بدأت بالفعل في الاختلاف فيما بينها بشأن من سيتولى القيادة في غياب الإماراتيين، وهو ما يؤكد هشاشة التحالف.

في الأسبوع الماضي، نشر حلفاء طارق صالح، وهو ابن أخي الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فكرةً مفادها أن التحالف بقيادة السعودية عيَّنوه قائداً جديداً للقوات اليمنية التي كانت تحت قيادة الإماراتيين.

ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – وكالة واس

ولم يدم هذا وقتا طويلاً، إذ سارعت قوات العمالقة، وهي ميليشيا إسلامية متطرفة ومدعومة من الإمارات، بإصدار بيانٍ تقول فيه إنها لن تقبل أبداً بصالح، لأنه من شمال اليمن وليس جنوبها، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ثم بدأت ميليشيا أخرى قوية مكونة من انفصاليين من جنوب اليمن، تلقوا دعماً مالياً وأسلحة من الإماراتيين، في الترويج لأنفسهم كخليفةٍ مفضل لقيادة الإمارات. ونشرت شبكة تلفزيونية تابعة للميليشيا مقطع فيديو يُظهر قائداً عسكرياً إماراتياً وهو يجوب قواعدها العسكرية.

والانفصاليون أعداء دائمون للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي يرعاه السعوديون.

وقال إميل الحكيم، وهو باحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في إشارةٍ إلى هادي: "تكمن مشكلة السعوديين حالياً في أنهم، على النقيض من الإماراتيين، يعتمدون على حليفٍ ضعيف وغير فعال".

وأضاف أن أياً كان ما يحدث حالياً، فالسعوديون مسؤولون عنه سواء أعجبهم هذا أم لم يعجبهم.

تحميل المزيد