تجهيز قواعد جوية في الرياض لاستقبال قوات أمريكية خطوة تجهيزية لحرب تبدو وشيكة في منطقة الخليج رغم أن أياً من الأطراف لا يريدها، فما هي أهداف السعودية والولايات المتحدة من الإعلان عن خطوة كهذه ربما تدفع إيران لمزيد من الخطوات التصعيدية؟
ماذا حدث؟ الولايات المتحدة تجهز لإرسال مئات من قواتها للتمركز في المملكة العربية السعودية، في خطوة تهدف إلى إظهار القوة في وجه إيران، بحسب مسؤولين في البنتاغون لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اليوم الخميس 18 يوليو/تموز.
الخبر جاء تأكيداً لما نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية مساء أمس الأربعاء، مزوداً بصور أقمار صناعية قالت الشبكة إنها حصلت عليها، تُظهر عمليات تحضيرية تشهدها قاعدة الملك سلطان الجوية، شرق العاصمة السعودية الرياض، فيما يبدو أن الهدف هو دعم القاعدة بالمزيد من القوات والأسلحة، مضيفة أنه سيتم إرسال قوات أمريكية للقاعدة.
مسؤولان بوزارة الدفاع الأمريكية أوضحا في تصريحات للشبكة أن عمليات تحضير مبدئية في القاعدة السعودية جارية في الوقت الحالي لدعم بطاريات منظومة صواريخ باتريوت بالإضافة إلى أعمال جارية على مدرج الطيران، وذلك لتمكين مقاتلات الجيل الخامس من طراز F-22 بالإضافة إلى مقاتلات أخرى من التحليق والهبوط في القاعدة.
وأضاف المسؤولان أن نحو 500 جندي من المتوقع أن يصلوا إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية في الوقت الذي تتمركز فيه حالياً قوة أمريكية صغيرة في القاعدة تتكون من عناصر دعم.
الإدارة الأمريكية كانت قد أعلنت الشهر الماضي نيتها إرسال 1000 عنصر عسكري إضافي إلى المنطقة وسط التوترات في الشرق الأوسط مع إيران دون التطرق إلى الدول التي ستوجه هذه القوات لها، ووفقاً للمسؤولين فإن الـ500 جندي ممن يخطط لإرسالهم إلى السعودية هم جزء من هذه القوة.
صمت سعودي – أمريكي رسمي
الرياض وواشنطن لم تؤكدا إرسال قوات أمريكية للسعودية ولم تنفياه، وذلك رغم وجود قائد القيادة المركزية الأمريكية في الرياض الآن وعقده مؤتمراً صحفياً رفض خلاله التعليق على إرسال قوات أمريكية، وإن كان أكد أن حماية الملاحة في مضيق هرمز وردع الحوثيين عن مهاجمة السعودية على رأس أجندة الولايات المتحدة في المنطقة.
حساسية وجود قوات أمريكية على الأراضي السعودية معلومة للجميع، وهذا هو السبب في الصمت الرسمي من الجانبين، وإن كانت معلومة معروفة بالضرورة في ظل الاتفاقيات الأمنية الموقّعة بين الحليفين الاستراتيجيين منذ عام 1945 لمدة 60 عاماً تم تجديدها عام 2005 لمدة 60 عاماً أخرى.
الصمت من الجانب الأميركي أيضاً له أسبابه في ظل مشاريع القوانين المتلاحقة من الكونغرس ضد الرياض، بسبب حرب اليمن واغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية أكتوبر/تشرين الأول الماضي والاتهامات الموجهة للنظام السعودي وتحديداً ولي العهد محمد بن سلمان.
الكرة في ملعب طهران
في ظل الموقف الذي يزداد توتراً كل لحظة في الخليج، من المتوقع ألا تترك إيران أمراً كهذا يمر دون اتخاذ خطوة تصعيدية، فمسألة إرسال قوات أمريكية وتجهيز قواعد جوية في الرياض تحديداً موجَّه لإيران دون شك، فكيف ستكون الخطوة الإيرانية؟
وقد أعلنت طهران بالفعل أنها ستستهدف أي دولة في المنطقة تنطلق منها الطائرات أو القوات الأمريكية لمهاجمتها، وبالتالي الاحتمال الأقرب أن إيران ستلجأ للرد.
والأغلب أن الرد الإيراني لن يخرج عن مزيد من التصعيد من جانب الحوثيين في اليمن، الذين تدعمهم إيران، من هجماتهم الصاروخية وبالطائرات المسيَّرة ضد أهداف سعودية، ومن الجائز أيضاً أن يتم استهداف ناقلات النفط كما حدث سابقاً أكثر من مرة، أو ربما يقع هجوم ضد القواعد الأمريكية في العراق، في ظل التقارير عن تكثيف الميليشيات المدعومة إيرانياً من استطلاع تلك القواعد في الأيام الأخيرة عن طريق طائرات مسيَّرة.
لكن هذا لا يعني بالضرورة توجُّه الطرفين نحو مواجهة مسلحة مفتوحة، نظراً لأنها مواجهة لا يوجد فيها سيناريو واحد يضمن انتصاراً عسكرياً سريعاً وحاسماً لواشنطن على طهران، وربما هذا هو السبب الرئيسي في كون طهران هي الطرف الذي يبدو أنه يدفع باتجاه الحرب بعد أن حشرتها إجراءات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الزاوية بالانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات خانقة.
سُحُب الحرب تزداد كثافةً
بريطانيا أعلنت عن إرسال بارجة حربية ثالثة إلى منطقة الخليج، واليوم يعقد قائد القيادة المركزية للقوات الأمريكية اجتماعاً في البحرين هدفه وضع استراتيجية لضمان حماية حرية الملاحة في الخليج ومضيق هرمز، وهي الخطوة التي من المؤكد -إن نتج عنها دوريات مسلحة على سبيل المثال- أن تزيد من احتمالات التصادم مع الزوارق الحربية للحرس الثوري الإيراني التي تعتبر مضيق هرمز بالكامل مياهاً إقليمية إيرانية.
الأسبوع الماضي حاولت زوارق حربية إيرانية إجبار ناقلة نفط بريطانية على الاتجاه نحو أحد الموانئ الإيرانية، رداً على احتجاز البحرية البريطانية ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" في مياه مضيق جبل طارق، لكن بارجة حربية بريطانية كانت تحرس الناقلة أجبرت الزوارق الإيرانية على الانسحاب.
ومع فشل جهود الوساطة بسبب تمسُّك كل طرف بموقفه واستمرار الخطوات التصعيدية من الجانبين وآخرها احتجاز طهران لناقلة نفط زعمت أنها تحمل نفطاً مهرباً، تزداد مخاطر الانزلاق إلى مواجهة مسلحة، يوجد إجماع على أنها ستكون جحيماً حقيقياً على الأرض.