لأول مرة منذ إطاحة الجيش بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، سمحت محكمة بسماع نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والرجل القوي خيرت الشاطر بالحديث أمام أمامها في القضية المعروفة إعلامياً "بالتخابر مع حماس".
الشاطر الذي قبض عليه قبل يوم من بيان السيسي الذي أزاح فيه مرسي من السلطة في 3 يوليو/ تموز 2013، كشف معلومات عن زيارات هامة قام بها وزراء الخارجية القطري والإماراتي ومسؤولين أمريكيين وأوروبيين بأن على الجماعة أن تقر بالأمر الواقع وأن ترفع الراية البيضاء!.
بعد هذه الكلمة التي نقلتها العديد من وسائل الإعلام عن الشاطر قفزت عدة أسئلة عن الأسباب وراء سماح القضاء المصري للشاطر الذي يعد "الصندوق الأسود" للجماعة بالحديث علناً وأن كلماته هذه بالتأكيد ستصل إلى وسائل الإعلام بسهولة بسبب وجود عدد من أسر المعتقلين او محامين عنهم.
لا يمكن الاجابة على هذا السؤال بسهولة ولكن ثمة احتمالات قد تكون وراء إقدام السلطات المصرية على هذه الخطوة وخاصة في هذا التوقيت.
- الضغوط الأمريكية
الإثنين 15 يوليو/ تموز الحالي أبدى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قلقه من الأوضاع التي وصفها بـ"المزرية" في السجون المصرية، وذلك ردا على خطاب أرسله حقوقيون له بعد وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي.
هذا التصريحات قد تعد هي الأولى التي تصدر من مسؤول أمريكي مرموق منذ وصول ترامب للسلطة قبل عامين ونصف، مما يفتح الباب أمام التوقعات أن السماح لخيرت الشاطر بالحديث قد يكون بسبب هذه التصريحات، خاصة وأن الكثير من الانتقادات وجهت إلى القضاء المصري بأنه منحاز إلى السلطة الحالية وأن يغض الطرف عن الانتهاكات التي تقع بحق المعتقلين وخاصة تلك التي تتحدث عن منعهم من التحدث أمام القضاء.
- واقعة عادية
ومن الاحتمالات التي قد تبدو منطقية إلى حد كبير أن هذا الأمر برمته لم يكن مخطط بل شي اعتيادي من قبل المحكمة خاصة وأن حق طبيعي لأي معتقل أن يدافع عن نفسه أمام المحكمة وأن ما حدث هو أمر طبيعي ولكن غير الطبيعي أن يتحدث الشاطر في تفاصيل دقيقة وهامة قد تثير أزمة داخلية لدى السلطات المصرية.
ربما كان ما يتوقعه القاضي أن تكون كلمة الشاطر مقتصرة على بعض الطلبات الخاصة بالزيارات او بوضعه الصحي او على الاقل السماح بدخول بعض الأشياء التي يمنعها قطاع السجون من أجل التضييق على المعتقلين لكن ما حدث هو العكس.
لكن في نفس الوقت رغم منطقية هذا الطرح لكن لا يمكن التخيل أن تسير الأمور في مصر بعيدة عن عين السلطة وخاصة اذا كان الشخص الذي يتحدث هو خيرت الشاطر والذي من المتوقع أن يكون لديه كلمات هامة او معلومات حساسة لاسيما وأن القضية هي التخابر مع حركة حماس التي يراها الجميع أن تأتي في إطار التهم الملفقة.
- انفراجة بسيطة
يستند هذا الطرح على أن السلطات المصرية عقب وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي قد تكون أردت أن تنفس قليلاً عن المعتقلين السياسيين وخاصة قيادات جماعة الإخوان المسلمين حتى لا تمر قضية وفاة مرسي دون ضجيج خارجي أخر وأن الأجهزة الأمنية المصرية تظهر بمظهر حسن بعد الحديث عن تورطها في وفاة مرسي وتركه دون انقاذ حتى فارق الحياة.
لكن قد يكون هناك رداً على هذا الطرح وهو أن السلطات المصرية ومنذ 2013، لا تعي بالا ولا اهتماماً بما يقال في الخارج مادام الأمر يؤثر "الأمن القومي" الحجة التي تروجها السلطات المصرية خاصة وأن وفاة مرسي لم تلاق تعاطفاً خارج الفضاء الالكتروني في مصر بسبب القبضة الأمنية الشديدة فليس من المقبول أن يكون هذا هدافها من المداخلة التي قام بها الشاطر.
- إحراج بعض الأطراف
كلمات الشاطر كان فيها الكثير من المعلومات التي تم تداولها في السابق لكن دون شاهد عيان على صحتها خاصة وأن القصة حدثت مع الشاطر نفسه وهو في السجن الانفرادي لما بعد هذا التصريح أكد الشاطر كل ما كان يثار سابقاً مما يعني أن الأمر كان مرتب بعناية من قبل السلطات المصرية لإحراج اطرافاً ما إما داخلية وخارجية.
فمثلا بالنسبة للأطراف الخارجية التي قابلت الشاطر مثل المسؤولين الأمريكيين وممثل الاتحاد الأوروبي قد يثير هذا الأمر حالة من السخط داخلياً من قبل داعمي الإخوان وخارجياً من قبل المنظمات الحقوقية وبعض الدول المتعاطفة مع الربيع العربي على تلك الجهات التي حضرت المقابلة وحاولت إجبار الإخوان على القبول بالأمر الواقع بأنها متورطة بشكل ما في "الانقلاب العسكري"، الذي وقع على رئيس مدني ومحاولة شرعنة في نفس الوقت للحكم العسكري.
أيضا كذلك الأطراف العربية التي قابلت الشاطر مثل الإمارات وقطر فقد يكون الهدف هو إحراج قطر على اعتبار أنها داعم للربيع العربي ومن ثم تظهر أمام البعض بأنها حاولت فرض هذا الأمر على الإخوان على الرغم من عدم ذكر الشاطر لما قاله المسؤول القطري. وحتى بالنسبة لوزير الخارجية الإماراتي فقد يمثل الأمر احراجاً ايضا فكيف تصنف هذه الإمارات الإخوان جماعة إرهابية وفي نفس الوقت تتفاوض مع أحد رجالها، فقد يكون الأمر برمته صراعاً سياسياً.
- تكرار سيناريو "قتل" مرسي
لعل أبرز الاتهامات التي وجهت للسلطة المصرية بأن حضور الرئيس الراحل عدد من الجلسات والسماح له بالحديث لكشف حالته الصحية المتدهورة، قد يبرر سبب وفاته وأن سبب الوفاة طبيعياً للخروج من مأزق التبرير في حال توفي مرسي داخل محبسه، ولعل هذا ما استندت عليه السلطات المصرية بعد انتقاد العديد من الجهات الخارجية لطريقة وفاة مرسي.
فهذا السيناريو يفترض تكرار الواقعة مع خيرت الشاطر الرجل الأقوي في الجماعة خاصة وأن الشاطر يعرف بالعقل المدبر للجماعة والرجل الحديدي للتنظيم وفي حال وفاته ستكون الجماعة تلقت ضربة قوية من قبل السلطات المصرية لا تقل عن ضربة إزاحتها من السلطة، ومن ثم عندما يظهر الشاطر في عدد من الجلسات والمحاكمات وحالته الصحية متردية، وهو ما تظهره المداخلات التي يسمح له بها والتي يراها حضور المحاكمات خاصة من ذويه او المحامين الذين يترافعون عنه، فستكون الوفاة هي أمر طبيعي بسبب سنه او الأمراض التي يعاني منها دون أن تثير الكثير من الشك.
رغم الصورة التآمرية التي يقوم عليها هذا السيناريو إلا أن الشاطر يظل هو الشخصية الأهم في الجماعة والذي بلا شك تتمني السلطات المصرية غيابه عن الحياة بطريقة لا تثير الشبهات حولها وتكون حينها قضت على الكثير من أسرار الجماعة لاسيما وأن لم يوافق على تنحي الجماعة عن المشهد او القبول بالأمر الواقع رغم مرور سنوات على الزج به في السجن دون أن يرفع الراية.
هذا السيناريو في حال حدوثه قد يتسبب في أزمة كبير للسلطات المصرية وللجماعة ايضا، فبالنسبة للأجهزة الأمنية فإنه في حال رحيل الشاطر باي طريقة فإن أصابع الاتهام ستوجه لهم دون شك وقد يدفع ذلك إلى مزيد من التهور لدى بعض أعضاء الجماعة والخروج عن الطريق السلمي الذي يتحدث عن الإخوان منذ 2013، ويدخل البلاد في حالة فوضى كبيرة.
أما بخصوص جماعة الإخوان المسلمين فإن تحقق هذا السيناريو سيمثل ضربة كبيرة جداً للجماعة ويدخلها في حالة تيه لسنوات ويفتح الباب أمام تكرار هذا السيناريو مع كل القيادات الهامة الموجودة في السجون.