قد تبدو الصحراء واحدة من أكثر مناطق الأرض الخالية من الحياة اليوم، لكن أحافيرها تُظهر أنها كانت ذات يوم مجرى بحرياً شاسعاً مليئاً بالأسماك الضخمة وبعضاً من أكبر ثعابين البحر التي شهدها الكوكب على الإطلاق؛ بحسب ما نشره موقع Gizmodo الأمريكي.
صورة مدهشة للعالم القديم
منذ 100 مليون إلى 50 مليون سنة مضت، غطى مجرى بحرياً كبير يصل عمقه إلى 160 قدماً (48.7 متر) معظم منطقة غرب إفريقيا، مُخلِّفاً الكثير من الحفريات البحرية من الفقاريات واللافقاريات والنباتات والميكروبات.
وكان الكثير منها كبيراً بشكل مدهش.
من الصعب دراسة هذه المنطقة بسبب المناخ الجيوسياسي والفيزيائي القاسي، لذلك قررت مجموعة من العلماء تجميع وتوليف الكثير من الأبحاث الموجودة في هذا المجال، ورسم صورة مدهشة للعالم القديم خلال فترة زمنية تمتد حتى الحدث التي وقع قبل 66 مليون عام، والذي قضى على الديناصورات العملاقة.
أوضح مؤلف الدراسة مورين أوليري من جامعة ستوني بروك لموقع Gizmodo أن "انقراض العصر الطباشيري الثلاثي هو أحد أكبر أحداث الانقراض الجماعي" .
وأضاف: "ليس لدينا قسم في السجل الصخري لربط الأحافير على مستوى الأنواع ورؤية هذه التغييرات المعقدة في كل قارة" .
بقايا الحياة البحرية
يمكن أن تملأ البيانات المأخوذة من المجرى البحري الذي تحوّل إلى الصحراء الكبرى بعض الفراغات عن كيفية الانقراض في جزء من العالم لم يُدرس جيّداً.
أخبر أوليري موقع Gizmodo أن شعب الطوارق الذي كان يعيش هناك منذ زمن طويل يعرف أن الصحراء الكبرى كانت مجرى مائياً يوماً ما؛ إذ وجدوا بقايا الحياة البحرية في الصحراء، وكان هذا جزءاً من النقاش حول الحفريات لأكثر من قرن.
خلال الحقبة القروسطية الدافئة منذ حوالي 50 مليوناً إلى 100 مليون سنة، تسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في نشوء مجرى مائيٍّ، وربما ربط خليج غينيا بالبحر الأبيض المتوسط.
قام علماء من الولايات المتحدة ومالي وأستراليا بتحليل الحفريات والرواسب من ثلاث بعثات استكشافية إلى الصحراء الكبرى في مالي، ونشروا نشرة تفصِّل كل شيء تعلموه حتى الآن حول المنطقة، على أمل أن توضح شكل النظام البيئي.
حفريات غريبة
من المحتمل أن تكون المسطحات المائية الضحلة التي غطت الصحراء مماثلة لتلك الموجودة في البحار الكبيرة الموجودة أعلى القارات اليوم، مثل بحر قزوين، أو المياه الضحلة الدافئة حول بعض جزر الكاريبي.
من المحتمل أن شواطئ المجرى البحري كانت تضم غابات أشجار المانغروف، وهي الأشجار الموجودة اليوم في جميع أنحاء العالم على الشواطئ الاستوائية وشبه الاستوائية.
كانت الحفريات التي عثروا عليها غريبة وغالباً ما كانت كبيرة جداً، بما في ذلك سمك السلور بطول 5 أقدام (1.6 متر) وثعابين بحرية بطول 40 قدماً (12.2 متر)، وغيرها من الأسماك الكبيرة، بالإضافة إلى أقارب التماسيح وأسماك القرش والفيلة الحالية، وفقاً لتوليف النتائج التي توصلوا إليها في نشرة المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي.
لكن لماذا كانت الأسماك كبيرة؟ هناك نظرية تدعى تضخُّم الجُزُر يمكن أن تنمو فيها الأنواع بشكل كبير على الجزر؛ لأنها محمية من الحيوانات المفترسة ولديها تنافس أقل على الموارد.
ربما توجد حالة مماثلة في البيئات المائية، مع جفاف المجرى البحري، ربما تكون قد تركت "جزراً" مائية حيث كان بإمكان قوى تطورية مماثلة التسبب في وجود مماثلة ثعابين وسمك كبير.
العمل الميداني غير آمن
يوفر تاريخ الحفريات في المنطقة مكاناً آخر لدراسة حدث انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي.
ويبدو أن تأثيرات الحدث لم تكن هائلة كما توقع أوليري، إذ استمرت بعض الأنواع قبل وبعد زمن الانقراض. لكن الغرض من هذا البحث هو إرساء الأسس للباحثين في المستقبل للبناء عليها عند محاولة معرفة كيفية حدوث الانقراض الجماعي في جميع أنحاء العالم.
أوضح أوليري أن الكثير من الأبحاث السابقة حول هذا المجال نُشرت باللغة الفرنسية، لذلك قد لا يكون كثير من علماء الحفريات على دراية بهذه المنطقة ورواسبها. لكن مالي تعدُّ منطقة نزاعات مستمرة، مما يجعل العمل الميداني غير آمن للعلماء.
يوضح البحث كم يمكن أن يكون علم الحفريات معقداً؛ فهو يتضمن اكتشافات متناهية الصغر "مثلاً وجد أحد الباحثين لافقاريات أحفورية في فضلات متحجرة"، بالإضافة إلى تفكير أشمل حول تاريخ الكوكب، يتجاوز مجرد الوحل والعظام.