ألغى البرلمان المصري عقوبة السجن وفرض بدلاً منها غرامة مالية تصل لمليون جنيه وسمح بتلقي أموال بشروط صارمة، تلك هي التعديلات التي تم إقرارها على قانون عمل المنظمات الأهلية في مصر، فلماذا لم ترضِ تلك التعديلات المجتمع المدني محلياً ودولياً؟
قبل الإجابة على السؤال، دعونا نستعرض تاريخ القانون منذ إقراره وأبرز مواده وردود الفعل عليه داخلياً وخارجياً وقتها.
صوت البرلمان المصري بأغلبية ساحقة على مشروع قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية في مصر يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وأقره الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم 29 مايو/أيار 2017 ليصبح قانوناً فاعلاً.
القانون أثار عاصفة من الانتقادات الدولية ووصفه البعض بأنه مقبرة للعمل الأهلي وذلك للقيود الصارمة التي فرضها على عمل المنظمات الحقوقية واعتبرته الأغلبية من العاملين في المجال الحقوقي مخالفاً للدستور المصري نفسه والتزامات مصر الدولية في هذا المجال.
أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي مثل جون ماكين وليندزي غراهام هاجموا القانون بشدة وتم تجميد جزء من المعونات الأمريكية لمصر بسبب إقرار القانون.
المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وكذلك منظمة هيومان رايتس ووتش وجميع المنظمات الحقوقية الدولية انتقدت القانون بشدة واعتبرته أداة من النظام المصري لتجفيف منابع المجتمع المدني في البلاد.
ومحلياً انتقدت جميع المنظمات الأهلية في مصر القانون، بما فيها المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو منظمة شبه حكومية يسيطر عليها النظام. لذلك قدمت الحكومة وعوداً بتعديل بعض بنود القانون امتصاصاً للغضب الدولي.
أبرز مواد القانون
بداية يحظر القانون العمل الأهلي بشكل عام ويقصره فقط على "مجال التنمية الاجتماعية"، وهو مصطلح غامض تستغله الأجهزة الأمنية في ملاحقة المعارضين السياسيين الذين يعملون في مجالات حقوق الإنسان. فلو أن منظمة حقوقية ترعى أهالي المسجونين السياسيين، على سبيل المثال، يتم وقف نشاطها والقبض على العاملين فيها ومحاكمتهم بتهمة مخالفة النشاط لمادة "مجال التنمية الاجتماعية".
حظر القانون على الجمعيات الأهلية في مصر تلقي أموال من منظمات دولية إلا بعد موافقة "الهيئة الوطنية لتنظيم عمل المنظمات الدولية غير الحكومية" وهي جهة تتكون من مسؤولين من الأجهزة الأمنية والمخابرات، مما يعني أنه من المستحيل على منظمات حقوق الإنسان التي قد يكون أحد العاملين بها عضواً في حزب سياسي معارض مثلاً أن تحصل على موافقة تلك الهيئة على التمويل.
والأمر نفسه ينطبق على التمويل الداخلي والتبرعات اللازمة لعمل تلك المنظمات الأهلية خصوصاً في مجال العمل الإنساني في بلد يعيش نحو 40% من سكانه تحت خط الفقر.
عملية ترخيص الجمعيات الأهلية نفسها تكاد تكون مستحيلة بموجب الشروط التي تضمنها القانون وتعطي السلطات المصرية ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة الداخلية صلاحيات مطلقة في الموافقة أو الرفض عند تقدم إحدى المنظمات الدولية بطلب تسجيل للعمل على الأراضي المصرية أو عند محاولة تأسيس منظمة حقوقية محلية.
ولا يتوقف التدخل الحكومي عند مرحلة إصدار الترخيص ولكن القانون يعطي الحق للسلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية في التدخل في الشؤون الداخلية للمنظمات وقراراتها التشغيلية وهو ما يعد مخالفة قانونية ودستورية صريحة ولا يوجد له مثيل في أي قانون في العالم وحتى في مصر، حيث كان قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لعام 2002 في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أقل صرامة بكثير ومع ذلك كان محل انتقادات واسعة واستغله نظام مبارك في التضييق على المنظمات الحقوقية، لكن القانون الحالي ليس له مثيل في تاريخ مصر الحديث، بإجماع الخبراء.
ما البنود التي تم تعديلها؟
تعديلات القانون التي أقرها البرلمان بأغلبية ساحقة أمس الإثنين 15 يوليو/تموز ألغت عقوبة السجن وفرضت بدلاً منها غرامات تتراوح بين 200 ألف ومليون جنيه مصري (12070-60350 دولاراً)، بحسب رويترز.
كما تسمح التعديلات، التي لا يزال يتعين أن يصدق عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي، للمنظمات غير الحكومية بتلقي أموال من داخل وخارج مصر بشرط إيداعها في حساب مصرفي في غضون 30 يوماً، وأمام الحكومة 60 يوماً لرفض أو قبول حصول المنظمات على الأموال.
انتقادات مستمرة لقانون قمعي
ورغم أن القانون الجديد يهدف إلى معالجة الانتقادات، فقد قالت عشر منظمات حقوقية مصرية ودولية الأسبوع الماضي إن التعديلات غير كافية، وأضافت أن قوانين أخرى تفرض قيوداً مشددة على المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بحاجة إلى التعديل أيضاً.
وقالت المنظمات العشر في بيان "المشروع الجديد ما هو إلا إعادة تسويق القانون القمعي الذي يحمل الفلسفة العدائية لمنظمات المجتمع المدني".
وقال محمد زارع مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إن الهدف من التعديلات تهدئة الرأي العام الدولي، مضيفاً أنها لا تتوافق مع الدستور أو التزامات مصر الدولية.