"يعيشون في عزلة لا يختلطون بأحد، لا يتعلمون أو يعلمون، وويل لمن يخالف شروطهم"، كانت هذه الكلمات جزءاً من شهادة خبير جنوب سوداني، يحذِّر من تداعيات ما يصفه بالاستعمار الصيني لإفريقيا، الذي يقول إنه أسوأ من الاستعمار الغربي.
أكول نيوك أكول دوك، مستشار سياسة دولية من جنوب السودان، ومتخصص في القضايا السياسية الحيوية التي تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إفريقيا، نشر مقالاً في مجلة The National Interest الأمريكية، يكشف ما يعتبره تداعيات خطيرة للشراكة غير المتكافئة بين الصينيين والأفارقة، عارضاً للممارسات السلبية والخطيرة لبكين في القارة الإفريقية.
يقول دوك، يبدو أن إفريقيا على أعتاب حقبة جديدة في تاريخها ونهضتها. فهذه القارة التي تحرَّرت من براثن الاستعمار ومن بعده الإمبريالية الجديدة لديها الفرصة لتصبح مركزاً للقوة الاقتصادية، من أجل توفير الرخاء لسكانها المتزايدين.
لكنها للأسف تواجه في الوقت الحاضر خطراً جديداً: الإمبريالية الصينية، أي خطر الوقوع تحت سيطرة الصين إلى حدٍّ كبير، من خلال الاستثمار الاقتصادي والقروض الصينية.
من دعم حركات التحرُّر إلى الإمبريالية الجديدة.. قصة
الاستعمار الصيني لإفريقيا
طالما دعمت جمهورية الصين الشعبية الدول الإفريقية منذ تولي الحزب الشيوعي الصيني السلطة عام 1949. وفي عهد ماو، دعمت الصين حركات التحرر الإفريقية في محاولة لتعزيز الماوية وموازنة النفوذ السوفيتي والأمريكي. وفي معظم أنحاء إفريقيا اليوم، تعتبر الصين القوة الإمبريالية.
لا تستهدف الصين بوجودها في إفريقيا في الوقت الحالي تعزيز الماوية، بل تستهدف السيطرة على مواردها وشعبها وإمكاناتها.
وقد غيَّرت الصين المشهد الاقتصادي الإفريقي في القرن العشرين تغييراً جذرياً، بدءاً من بناء السكك الحديدية في كينيا، ومروراً ببناء الطرق في المناطق الريفية في إثيوبيا، ووصولاً إلى إدارة المناجم في الكونغو.
125 ملياراً مساعدات تقابلها السيطرة على نصف سوق البناء
أقرضت الصين إفريقيا حوالي 125 مليار دولار، بين عامي 2000 و2006، وتعهدت مؤخراً بمبلغ 60 مليار دولار في منتدى التعاون الصيني الإفريقي لعام 2018. يبدو ظاهرياً أن الصينيين يحافظون على علاقة منفعة متبادلة مع إفريقيا، من خلال تقديم المساعدة المالية والتقنية للوفاء بالاحتياجات الإنمائية الملحة لإفريقيا.
نمت التجارة بين الصين وإفريقيا من 10 مليارات دولار في عام 2000 إلى 190 مليار دولار بحلول عام 2017. وتشير التقديرات إلى أنَّ 12% من الإنتاج الصناعي لإفريقيا، أو 500 مليار دولار سنوياً (أي ما يقرب من نصف سوق البناء في إفريقيا المتعاقد عليه دولياً) تضطلع به الشركات الصينية.
لماذا يجب على الغرب الانتباه لسلوك الصين في إفريقيا؟
لم تحظ أنشطة الصين في القارة الإفريقية بالاهتمام الذي تستحقه في الغرب.
على الرغم من أن سلوك الصين في إفريقيا مهم لثلاثة أسباب رئيسية.
أولاً، تشكل الصين مصدر رأس مال استثماري كبير، بالإضافة إلى قدرة هائلة على إنشاء البنية التحتية، وكلاهما تحتاجه العديد من الدول الإفريقية. ثانياً، يمنح سلوك الصين في إفريقيا بقية العالم فكرة حول كيفية تعاملها مستقبلاً مع الدول الأخرى، ولا سيما دول الجنوب العالمي، مع التوقع أنها ستصبح مساوية في القوة مع الولايات المتحدة.
ثالثاً، ما تفعله الصين في إفريقيا لا يبشر بالخير لبقية العالم، إذ لا يمكن وصف أنشطة الصين وسلوكها في إفريقيا إلا بالاستعمار الجديد واستغلال الشعوب الإفريقية والبيئة.
وزير إفريقي.. إنهم أسوأ من البيض والهنود
يحدث هذا السلوك الصيني المسيء تجاه الدول الإفريقية منذ عقود.
ففي عام 2007، قال غاي سكوت، وزير الزراعة السابق في الحكومة الزامبية لصحيفة الغارديان: "لقد كان لدينا أناس سيئون من قبل، كان البيض سيئين، وكان الهنود أسوأ، لكن الصينيين هم الأسوأ على الإطلاق".
غير أنَّ الإمبريالية الصينية تزداد سوءاً مع زيادة قوة الصين وبحثها عن موارد أبدية.
وثمة أمثلة وفيرة على التداعيات السلبية الناجمة عن الإمبريالية الصينية.
ممارسات مدمّرة بجنوب السودان.. أطفال مشوهون
يمكن ضرب أحد الأمثلة النموذجية عبر مؤسسة النفط الوطنية الصينية، وهي شركة النفط والغاز المملوكة للدولة، التي تعرف بأنها مستثمر رئيسي يعمل في حقول النفط في جنوب السودان.
يلوث الصينيون البيئة المحلية دون عقاب، مما أفضى إلى ولادة أطفال مشوهين، وأدى إلى تسمم الماشية، وتدمير الأراضي الخصبة، وتلوث الأنهار. بالإضافة إلى ذلك، تسبب الصينيون في تدمير البيئة في ولاية أعالي النيل وولاية روينق، مما يؤثر على مجتمعات السكان الأصليين من الدينكا بادانغ في جنوب السودان.
يساعد الصينيون في تحقيق عائدات توليد النفط وفرص اقتصادية، لكنهم لا يلتزمون بالمعايير البيئية.
فضلاً عن أنَّ النفوذ الصيني في جنوب السودان ناتج عن بناء الطرق وتطوير البنية التحتية.
سيوفر جنوب السودان ثلاثين ألف برميل يومياً من النفط الخام لبنك التصدير والاستيراد الصيني لتمويل بناء الطرق وتطوير البنية التحتية.
ويشمل هذا إنشاء طريق بطول 392 كيلومتراً من جوبا إلى رمبيك ومن جوبا إلى نادابال على الحدود الكينية، وهو الطريق الذي تشيده شركة صينية تستخدم التكنولوجيا والقوى العاملة الصينية.
وقد شيَّدوا أول خطة سكة حديد في إثيوبيا منذ قرن
حصلت إثيوبيا وكينيا، جارتا جنوب السودان، على قروض من الصينيين لصالح مشاريع البنية التحتية. وقدَّمت مبادرة الحزام والطريق الصينية مشاريع البنية التحتية الحيوية الأساسية مثل السكك الحديدية القياسية، التي تربط جيبوتي وإثيوبيا وكينيا.
كان خطّ السكة الحديد أول خط سكك حديدية في إثيوبيا منذ أكثر من قرن، وأول خط يعمل كهربائياً بالكامل في إفريقيا. تقلص خطوط السكك الحديدية وقت السفر من العاصمة أديس أبابا إلى جيبوتي من يومين إلى 12 ساعة.
ويبدو أن السكك الحديدية القياسية توفر بنية تحتية ثورية لتحفيز النمو الاقتصادي.
لكن التفاصيل تتطلب التدقيق.
إذ الدول الإفريقية تكافح القروض التي قدمتها الصين لتنفيذ هذه المشروعات
كلف المشروع حوالي 4.5 مليار دولار، بتمويل جزئي من بنك التصدير والاستيراد الصيني. تستخدم السكك الحديدية القطارات الصينية، وشركات البناء الصينية، والمعايير والمواصفات الصينية، وتديرها شركة China Railway Group Limited CREC الصينية وشركة China Civil Engineering Construction Corporation الصينية.
وكما قد يكون متوقعاً من هذا المشروع الصيني الإمبريالي، فإنَّ السكك الحديدية تعاني من تحديات تقنية ومالية، مما يشكك في اعتماد إثيوبيا على التكنولوجيا الصينية وتمويل الديون. تكافح الدولة الإفريقية لسداد قرضها للصين وجني فوائد مشروع البنية التحتية الحيوي هذا.
في عام 2018، تفاوضت أديس أبابا مع الصين ونسَّقت شروط الاقتراض من خمسة عشر عاماً إلى ثلاثين عاماً.
وعينها على ميناء مومباسا الكيني الشهير
وقد تستولي الصين على ميناء مومباسا، في كينيا المجاورة، نتيجة الاقتراض الضخم من جانب الحكومة.
وبحسب صحيفة Daily Nation الكينية، فإنَّ الشروط شديدة القسوة وتنص على أنه: "لا يحق للمقترض (كينيا) ولا لأي من أصوله التمتع بأي حق من حقوق الحصانة بدعوى السيادة، فيما يتعلق بالتزاماته".
تجدر الإشارة إلى أنه في مواجهة المخاوف الشعبية بشأن مصير هذا الميناء الشهير، قال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، إنه مستعد أن ينشر أمام العامة العقد الذي تم توقيعه بين الحكومة الصينية والحكومة الكينية، من خلال بنك التصدير والاستيراد الصيني (تشاينا إكسيمبنك) والمتعلق بمشروع السكك الحديدية، لإنهاء هذه التكهنات.
والشركات تأتي بعمّالها من الصين
إضافة إلى هذه الانتهاكات، يُحدَّد الوجود الصيني في إفريقيا بعزل متعمَّد عن السكان الأصليين. إذ تجلب الشركات الصينية سائقيها وعمال البناء وموظفي الدعم، مما يحرم الأفارقة من فرص العمل، ويعيشون غالباً بعيداً عن المجتمعات الإفريقية التي يقيمون فيها.
ليست هذه الأنشطة سوى مثال على سلوك الصين التعسفي في إفريقيا. يقول نيوك أكول دوك لقد: "تحمَّلت إفريقيا الاستعمار والإمبريالية الجديدة لمئات السنين، ومثلما تحرَّرت إفريقيا من تلك القيود، تحتاج إلى العمل مع الغرب والدول الأخرى لتوفير بدائل للأموال والبنية التحتية الصينية، إذ إنَّ أكبر خطر يواجه إفريقيا اليوم هو الإمبريالية الصينية، وهي الآن في خطر أن تستولي عليها الإمبريالية الصينية الشريرة، التي سوف تمنع إفريقيا من بلوغ نهضتها.