عادةً ما تعتمد الجماعات المسلحة على العنف والترهيب لإظهار القوة ومع ذلك، فأحياناً تعتذر هذه الجماعات، وإن كان على فترات متقطعة، فلماذا يعتذر الإرهابيون عن أفعالهم أحياناً؟
من ذلك اعتذار الجيش الجمهوري الأيرلندي الجديد في إبريل/نيسان الماضي عن قتل الصحفية الاستقصائية ليرا ماكي أثناء أعمال شغب في ديري بأيرلندا الشمالية.
إذ كانت أهداف الجماعة، تتمثل في ضباط الشرطة في أيرلندا الشمالية، التي وصفتها بأنها "قوات العدو"، وليس الإعلاميين.
إيوانا إيمي ماتيسان الأستاذة المساعدة في مجال الحكم بجامعة ويسليان الأمريكية، ورونيت بيرغر زميلة ما بعد الدكتوراه بمركز هرتسليا الإسرائيلي المتخصصتان في دراسة الصراعات كتبتا مقالاً في مجلة National Interest الأمريكية عن الحالات التي يمكن أن تعتذر فيها الجماعات الإرهابية عن جرائمها.
من أين جاء هذا السؤال؟
تقول الكاتبتان "لما كنا دارسين للصراع، فقد درس كلانا مجموعة متنوعة من الجماعات المسلحة من حركات التحرير القومية والانفصالية إلى جماعات المعارضة الإسلاموية. وعندما كنا طلاباً للدراسات العليا بجامعة سيراكيوز، كنا نتشارك حجرة صغيرة وعادة ما كنا نقارن قصص الهجمات التي لم تجر كما كان مخططاً لها.
وبمرور الوقت، تحولت مناقشة الحكايات إلى تحقيق منهجي في الهجمات المسلحة، من أجل معالجة سؤال لم يدرس بما فيه الكفاية: هل تعتذر الجماعات المتمردة عن أخطائها؟
وإذا كانت هذه الجماعات مستعدة للاعتذار عن أخطائها، فقد أردنا فهم متى ولماذا قد تفعل ذلك، وكنا نأمل أنَّ ذلك سوف يساعدنا على اكتشاف طريقة للتفاوض على الحلول أثناء النزاعات.
من أمريكا إلى نيجيريا.. لماذا يعتذر الإرهابيون عن أفعالهم أحياناً؟
وللإجابة عن هذا السؤال، حددت الباحثتان الحوادث التي اشتملت على أمرين مشتركين: مرتكبون معروفون وخطأ واضح في تنفيذ العملية.
على سبيل المثال، قد تتضمن الخطة السيئة التنفيذ للهجمات الخاضعة للدراسة انفجار قنبلة مبكراً أو خطأً أثناء العملية مثل استهداف المبنى الخطأ أو الشخص الخطأ.
وبالبحث في مختلف قواعد البيانات والصحف، وجدت الباحثتان 109 هجمات تنطبق عليها الشروط التي وضعت من قبلهما.
وامتدت هذه الحوادث عبر فترات زمنية ومناطق مختلفة، تراوحت بين هجوم عصابات السنة الجديدة (New Year's Gang) التي فجرت قسم الفيزياء في مدينة ماديسون بجامعة ويسكونسن الأمريكية عام 1970، بدلاً من مركز أبحاث الرياضيات التابع للجيش في الطابق الأعلى، إلى هجمة نفذتها جماعة بوكو حرام عام 2014 في نيجيريا، حيث فجر انتحاري بطريق الخطأ سيارة محملة بالمتفجرات بجوار مستودع للوقود بمدينة لاغوس.
تبنت الجماعات الإرهابية الهجمات في 61 من هذه الحوادث الـ109، واعتذرت عنها في 22 حالة.
ووجدت أنَّ الرأي العام والسمعة كانا أمرين مهمين، حتى بالنسبة للجماعات الإرهابية.
أشهر حالات اعتراف الجماعات الإرهابية بالأخطاء
عندما تُرتكب الأخطاء، فعادة ما تتفاعل المنظمات بطريقة تحمي مكانتها وسمعتها ومصالحها.
وجد الباحثون الذين درسوا كيفية تفاعل الشركات أو الوكالات الحكومية أو المستشفيات مع الأخطاء، أنَّ هذه المنظمات تحاول بشكل عام إخفاء أخطائها وإنكار مسؤوليتها.
ولكن المفارقة أن الباحثتين وجدتا أنه حتى الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، وهي إحدى فروع تنظيم القاعدة ومقرها اليمن، أو جماعة الدولة الإسلامية (داعش)، وهي جماعة مسلحة تسعى لإعادة تشكيل حدود سوريا والعراق وإقامة خلافة إسلامية، كانت مستعدة في بعض الأحيان للاعتراف العلني بأخطائها.
ففي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، على سبيل المثال، قطع مقاتلو داعش رأس محمد فارس، أحد زملائهم المتمردين، لأنهم ظنوا أنه من مؤيدي الحكومة. وفي أعقاب ذلك، أصدر متحدث داعش بياناً طلب فيه العفو ودعا لـ"ضبط النفس والتقوى".
وبعد شهر من ذلك، استخدم تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب سيارة مفخخة يقودها انتحاري ومسلحون لاقتحام وزارة الدفاع اليمنية. وقيل إنَّ المسلحين قد وجهت إليهم تعليمات بعدم استهداف المستشفى العسكري في المجمع، لكنَّ أحد المقاتلين خالف هذه الأوامر.
كان 4 أطباء و3 ممرضات من بين الجرحى الـ167. وقتل 33 مدنياً و10 من ضباط الأمن في هذه العمليات المشتركة التي تألفت من التفجير الانتحاري بوزارة الدفاع، وإطلاق النار والانفجار في المستشفى.
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قال زعيم التنظيم في اعتذار علني: "نعترف بهذا الخطأ والخطيئة ونقدم اعتذاراتنا وتعازينا لأسر الضحايا".
ولكن أغلبية الهجمات لم يتم الاعتذار عنها
ومع ذلك، فإنَّ معظم الهجمات الواضحة الخطأ التي تبنتها الجماعات لم تسفر عن اعتذارات. فمن بين الـ61 حادثة التي فحصت، لم تصدر حوالي 64٪ من المجموعات أي اعتذار علني قط.
ففي شهر مارس/آذار 2014 على سبيل المثال، خطط مقاتلو حركة طالبان الأفغانية هجوماً على مركز للرعاية النهارية يديره مسيحيون في كابول.
وبدلاً من ذلك، اقتحم المسلحون عن طريق الخطأ المجمع المجاور، الذي تصادف أنه كان يؤوي متعاقدين حكوميين أمريكيين مدججين بالسلاح، وأسفر تبادل إطلاق النار عن مقتل 4 من المهاجمين الخمسة ومدنيين اثنين أفغانيين، وانتحر المهاجم الخامس ولم تعتذر طالبان قط.
وفي حالات أخرى كانت الجماعات تتوعد بألا تخطئ المرة القادمة
وفي عام 1984، حاول الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت، وهو مجموعة شبه عسكرية تسعى لإنهاء سيطرة بريطانيا على أيرلندا الشمالية، دون نجاح قتل رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر بتفجير غرفتها في برايتون أثناء المؤتمر السنوي لحزبها.
وقالت الجماعة في إعلانها الشهير بعد الهجوم: "لم يحالفنا الحظ اليوم، لكن تذكروا أننا بحاجة إلى أن نكون محظوظين مرة واحدة فحسب، أما أنتم فينبغي أن يحالفكم الحظ دوماً".
وفي السابع من شهر يونيو/حزيران 2019، استخدم الجيش الجمهوري الأيرلندي الجديد كلمات متطابقة تقريباً عند إعلان المسؤولية عن هجوم فاشل بسيارة مفخخة في بلفاست. هذا الجيش الجمهوري الأيرلندي الجديد هو تحالف من جماعات انفصلت عن الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت اعتراضاً على اتفاق الجمعة العظيمة الذي وُقع عام 1998 بين جميع أطراف النزاع في أيرلندا الشمالية.
أي الجماعات أكثر استعداد للاعتذار، القومية أم الدينية؟
تقول الباحثتان "توقعنا أن تكون المنظمات ذات الجناح السياسي أو الأيدلوجية القومية أكثر عرضة لتقديم الاعتذار، لأنَّ بقاءها يعتمد بشكل أكبر على الدعم الشعبي".
لكنَّ دراستها تشير إلى أنَّ اعتراف الجماعة بالخطأ والاعتذار عنه لا علاقة له بأيدولوجية الجماعة أو سماتها، وإنما يبدو أنَّ الاستجابة للخطأ تعتمد على طبيعة الهجوم.
فكلما زاد عدد الضحايا، زادت فرص اعتراف الجماعة بالخطأ. إذ تزداد احتمالات الاعتراف بالخطأ بنسبة 27٪ تقريباً لكل حالة وفاة إضافية.
ومع ذلك، فإنَّ احتمالات الاعتراف بالخطأ تقل بنسبة تزيد عن 80٪ إذا أسفر الهجوم عن مقتل أعضاء المجموعة ذاتها.
وتظهر الاعتذارات نمطاً مماثلاً. فعندما يتمخض عن خطأ ما أكثر من 5 ضحايا من المدنيين، تزداد احتمالات اعتذار الجماعة أربعة أضعاف تقريباً.
فحتى الإرهابيون يأبهون بالرأي العام
ويشير هذا الأمر إلى أنه حتى الجماعات التي قد تستهدف المدنيين عن قصد تكون حساسة فيما يتعلق بنظرة الجمهور إلى هجماتهم. فعندما تؤدي الأخطاء إلى الموت غير المقصود للمدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، فإنَّ إدانة الجمهور ربما تدفع الجماعات المتمردة إلى الاعتذار.
ففي الـ23 من شهر أكتوبر/تشرين الأول 1993، على سبيل المثل، زرع الجيش الجمهوري الأيرلندي قنبلة في محل تحت مركز قيادة جمعية دفاع أولستر، وهي منظمة شبه عسكرية منافسة. من المفترض أنَّ المهاجمين خططوا لمنح الزبائن وقتاً للهرب، لكنَّ القنبلة انفجرت مبكراً فقتلت 9 مدنيين، بما في ذلك طفلان و4 نساء.
وقد أدى ذلك الهجوم إلى إدانة عامة واسعة النطاق وقاسية.
أدرك الجمهور أنَّ العنف يهدد مفاوضات السلام التي كانت تجري في ذلك الوقت، وجعل المجتمع الكاثوليكي عرضة لهجمات انتقامية، وذلك وفقاً لمقال بعنوان "قنبلة طريق شانكيل: أولستر في انتظار الجنازات وانتقام الموالين لبريطانيا"، الذي نشرته صحيفة The Independent بتاريخ الـ25 من شهر أكتوبر/تشرين الأول 1993.
اعتذر الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت فوراً. وصف جيري آدامز، زعيم حزب شين فين الجناح السياسي للحزب الجمهوري، الحادثة بأنها مأساة كبيرة، وقدم "تعاطفه الكامل والمطلق"، وذلك وفق مقال بعنوان "أزمة في أولستر: تفجير الجيش الجمهوري الأيرلندي يلقي بالشكوك على سلطة آدامز" والمنشور في صحيفة The Independent بتاريخ الـ27 من شهر أكتوبر/تشرين الأول 1993.
وربما تفسر هذه الحساسية تجاه الرأي العام سبب تقديم الجيش الجمهوري الأيرلندي الجديد لـ"اعتذاراته الكاملة والصادقة" بعد إدانة الجمهور للقتل في حادثة مقتل الصحفية.
وتظهر هذه الأمثلة أنَّ الجماعات المسلحة قد لا تسعى بالضرورة إلى غرس الخوف والرعب فحسب، إذ ربما تكون حساسة تجاه الرأي العام أيضاً، بل ربما تكون حتى منفتحة للتعلم والنقد الذاتي إذا كانت سمعتها على المحك.