من المؤكد أن السعودية عندما شكلت تحالفاً عربياً قبل أربع سنوات وتدخلت في اليمن ضد جماعة الحوثي، لم يكن يتصور من اتخذوا القرار أن الأمور ستصل للنقطة التي وصلت إليها، مع بدء انسحاب الحليف الأبرز وتحول الحوثيين إلى مهاجمة الأراضي السعودية بأسلحة متطورة، فما هي قصة الأسلحة الجديدة التي أعلنوا عنها وكيف سيكون تأثيرها على السعودية ومسار الحرب التي تسببت في أسوأ كارثة بشرية حتى الآن؟
أعلنت جماعة "أنصار الله" أو الحوثيون أمس الأحد 7 يوليو/تموز 2019، عن دخول منظومة صاروخية جديدة الخدمة، وتم الكشف عنها خلال معرض للصناعات العسكرية، شملت طائرات مسيرة أكثر دقة وصواريخ، بحسب قناة المسيرة التابعة للحوثيين.
الأسلحة الجديدة تضم صاروخ "قدس1 المجنح" وطائرة "صماد3 المسيرة" وطائرة "صماد1 المسيرة الاستطلاعية" وطائرة "قاصف K2".
رئيس حكومة الحوثيين عبدالعزيز بن حبتور وصف معرض التسليح المسمى معرض "الرئيس الشهيد الصماد" بأنه ليس بغرض "المباهاة"، مضيفاً أن الغرض هو "التأكيد على سعينا لمنع أي تمادٍ على اليمن".
وأضاف بن حبتور: "السعودية تمتلك أكبر ترسانة عسكرية لكن المفتاح بيد المصنعين في الغرب، فيما يمتلك اليمن أسلحته الخاصة".
تحول استراتيجي خطير
بعيداً عن الوصف الدعائي والعبارات الحماسية في تصريحات قادة جماعة الحوثي، يمثل هذا الحدث والكشف عن دخول منظومة أسلحة متطورة تحدياً خطيراً للقدرات الدفاعية السعودية التي لم تتمكن حتى الآن من وقف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة طوال الأشهر الماضية، وخصوصاً تكرار استهداف مطار أبها الإقليمي القريب من الحدود بين البلدين.
عن مطار أبها، السعودية تقول إنه استهداف لمطار مدني، والحوثيون يقولون إنه استهداف لمرابض طائرات حربية.
وكان المتحدث الرسمي باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن (الذي تقوده السعودية) تركي المالكي، قال عن تكرار الهجوم على المطار، إن "الأداة الإجرامية الإرهابية الحوثية مستمرة في إطلاق الطائرات من دون طيار، لتنفيذ الأعمال العدائية والإرهابية باستهداف المدنيين والمنشآت المدنية، ولم يتم تحقيق أي من أهدافها ويتم تدميرها وإسقاطها، " بحسب صحيفة "عكاظ" السعودية.
وتابع: "إننا نؤكد استمرار تنفيذ الإجراءات الرادعة ضد هذه الميليشيا الإرهابية، وتحييد القدرات الحوثية وبكل صرامة، وبما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية".
لكن تكرار الهجمات بالطائرات المسيرة في الأسبوع الأخير يؤكد أن تأكيد المالكي تحييد القدرات الحوثية ربما يكون أسهل ككلام منه كفعل على أرض الواقع.
والسؤال الآن، كيف سيكون الوضع عسكرياً على الأرض بعد إعلان الحوثيين عن منظومة الأسلحة الصاروخية الجديدة الأكثر تطوراً؟ السعودية اليوم الإثنين 8 يوليو/تموز وصفت الأسلحة بأنها "إيرانية الصنع".
التحول إلى مرحلة الهجوم؟
المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة للحوثيين، العميد يحيى سريع يقول إن "عملياتنا مستمرة في استهداف المنشآت المعادية المستخدمة لأغراض عسكرية"، وجدد دعوته لكافة المدنيين (السعوديين) إلى التعامل مع تحذيرات الحوثيين بمسؤولية، مضيفاً: "لن يتوقف استهدافنا لتلك المنشآت إلا بتوقف العدوان.. وقد تتوسع عملياتنا لتشمل أهدافاً أخرى مشروعة وضمن نطاقات جغرافية أوسع".
وأعلن سريع أن القيادة العامة لقوات الحوثيين "بصدد دراسة تنفيذ المرحلة الثانية من عمليات الردع والرد المشروع"، وأردف: "قواتنا تدافع عن الوطن وتمارس حقها المشروع في حماية المواطنين والأرض اليمنية من محاولات الغزو الأجنبي".
السعودية تمتلك منظومة الدفاع الأمريكية باتريوت، لكن الطائرات المسيرة وحتى الصواريخ التي يستخدمها الحوثيون يمكنها الطيران على ارتفاعات منخفضة مما يفسر عدم نجاح باتريوت في التصدي لها بنسبة نجاح تامة.
انسحاب الإمارات
تزامن هذا التحول الاستراتيجي في مسار حرب اليمن مع بدء الإمارات الانسحاب من اليمن بهدوء ومن الباب الخلفي دون أن تعلن الأسباب الحقيقية يضع السعودية في مأزق عسكري حقيقي يعني أن الهزيمة العسكرية ربما تكون قريبة، وهو بالقطع ما لم تحسب له القيادة السعودية حساباً.
النزاع الدامي في اليمن أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان من منازلهم ومدنهم وقراهم، وانتشار الأمراض المعدية والمجاعة في بعض المناطق، وإلى تدمير كبير في البنية التحتية للبلاد، كما أسفر، بحسب إحصائيات هيئات ومنظمات أممية، عن مقتل وإصابة مئات الآلاف من المدنيين، فضلاً عن تردي الأوضاع الإنسانية وتفشِّي الأمراض والأوبئة خاصة الكوليرا، وتراجع حجم الاحتياطيات النقدية.
الاستنكار الدولي لتلك الحرب يمثل أيضاً عامل ضغط وقد اتخذ الكونغرس الأمريكي قراراً بوقف المساعدات الأمريكية لقوات التحالف لكن الرئيس دونالد ترامب استخدم حق النقض لوقف التنفيذ، كما قرر الكونغرس وقف بيع صفقات أسلحة للسعودية بسبب تلك الحرب وأيضاً اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول، كما قرر البرلمان البريطاني أيضاً حظر بيع الأسلحة للسعودية على خلفية حرب اليمن.
وبعد مرور أربع سنوات فشل التحالف الذي تقوده السعودية في تحقيق أي من أهدافه في اليمن سواء إعادة الرئيس عبدربه هادي منصور إلى الحكم أو هزيمة الحوثيين وطردهم من صنعاء العاصمة، والتحول الآن يهدد السعودية بالتعرض لهزيمة عسكرية ربما ينتج عنها احتلال الحوثيين لجزء من المناطق الحدودية المشتركة، إذا لم تتوقف الحرب وهو ما سيمثل هزيمة للرياض في كل الأحوال.