ترسم ليا بيرلمان رسوماً كاريكاتورية عن أفكار مثل "محو الأمية العاطفية" و"حب الذات". عندما بدأت في نشرها على فيسبوك، كان التفاعل مشجعاً للغاية. لكن بعد ذلك، عدّلت مواقع التواصل الاجتماعي خوارزميتها، مما أدى إلى وصول رسومها الكاريكاتورية إلى عدد أقل من الأشخاص، وحصلت على عدد "إعجابات" أقل بكثير.
قالت لموقع Vice: "شعرت كما لو أنني لم أحصل على كمية كافية من الأكسجين". ربما من السهل أن نتعاطف مع ليا؛ فقد يكون القبول الاجتماعي مسبباً للإدمان، وزر الـ"إعجاب" في فيسبوك هو قبول اجتماعي في أنقى صوره.
منصات التواصل أشبه بماكينات القمار
ماكينة الإعجابات: يقول موقع BBC Mundo، يقارن الخبراء هواتفنا الذكية بماكينات القمار، إذ تقوم بتشغيل نفس مسارات المكافآت في أدمغتنا.
ويرى البروفيسور ناتاشا داو شول إن ماكينات القمار تسبب الإدمان "بموجب تصميمها"، لأن الكازينوهات تريد إبقاء الناس أمام شاشات تلك الماكينات، والنظر إلى الأضواء الجميلة وتلقي جرعات الدوبامين وخسارة المال.
لم تغفل الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي عن ذلك. يبدو أن "الإعجابات"، والإشعارات الجديدة، وحتى رسائل البريد الإلكتروني التي عفا عليها الزمن تجعلنا لا نعرف أبداً ما ينتظرنا عندما نلتقط هواتفنا ونبدأ في تشغيل ماكينة القمار تلك.
مفارقات: قبل السقوط المفاجئ لـ"أعجبني"، اعترفت ليا وهي تشعر بالخجل بأنها بدأت في استخدام الإعلانات المدفوعة على فيسبوك "فقط لجذب الانتباه".
المفارقة هي أنه قبل أن تكون فنانة، كانت ليا مطورة على فيسبوك، وفي يوليو/تمّوز 2007، اخترع فريقها زر "أعجبني"!
"أعجبني".. هذا الزّر العجيب
نقرة واحدة: هذا المفهوم موجود الآن في كل مكان على شبكة الإنترنت، من فيسبوك إلى يوتيوب وتويتر. فائدتها بالنسبة للمنصات واضحة؛ نقرة واحدة هي أسهل طريقة لإشراك المستخدمين، فهي أسهل بكثير من كتابة تعليق.
لكن الأمر استغرق بعض الوقت لتطوير فكرتها. كما تتذكر ليا بيرلمان، لم يكن من السهل إقناع مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ. وأخيراً، في فبراير/شُباط 2009، جرى الإعلان عن زر "أعجبني".
تتذكر بيرلمان: "زادت الإحصاءات بسرعة كبيرة، وتحوّل الخمسون تعليقاً إلى 150 نقرة على زر "أعجبني" على الفور تقريباً". وتابعت: "بدأ المستخدمون في إجراء المزيد من التحديثات، لذلك كان هناك الكثير من المحتوى، ونجح كل شيء ببساطة".
تطوير الفكرة: وفي الوقت نفسه، في جامعة كامبريدج، كان الباحث ميشال كوسينسكي يحضر دراسة للحصول على درجة الدكتوراه في القياس النفسي، وهي دراسة قياس الملامح النفسية.
شارك زميله في الدراسة ألكساندر كوغان كتطبيق لهذا المفهوم اختباراً على موقع فيسبوك يقيس السمات الشخصية "الخمس الكبار": الانفتاح، الوعي، الانبساط، اللطف، والعصبية.
ومَنح الأشخاص الذين خاضوا هذا الاختبار الباحثين الإذن للوصول إلى ملفهم الشخصي على فيسبوك، والوصول إلى معلومات العمر والجنس والميل الجنسي، إلخ.
انتشر الاختبار على نطاق واسع
خوارزميات مخيفة: زادت مجموعة البيانات إلى ملايين الأشخاص، وكان الباحثون قادرين على رؤية كل ما "أعجب" هؤلاء، وكذلك بياناتهم العامة.
أدرك كوسينسكي، وهو الآن أستاذٌ في السلوك التنظيمي في جامعة ستانفورد، أن لديه كنزاً من الأفكار المحتملة في يديه. كلما زاد استخدامك لزر "أعجبني"، زادت دقة الافتراضات التي يمكن أن تكون لدى كوسينسكي حول الميول الجنسية والانتماء الديني والتوجهات السياسية والمزيد عن الناس.
توصل الباحث إلى استنتاج مفاده أنه إذا كان قد أعجبك "70" شيئاً، فإنه سيعلم عن شخصيتك أكثر مما يعلمه أصدقاؤك، وبعد 300 "أعجبني"، سيعرفك أفضل من شريك حياتك.
يعرف عنك أكثر مما تعرفه عن نفسك
منذ ذلك الحين، فرض فيسبوك قيوداً على البيانات التي يجري مشاركتها مع مطوري التطبيقات. ولكن هناك كياناً ما زال يستطيع رؤية كل ما يعجبك وأكثر؛ فيسبوك نفسه.
ويمكن لفيسبوك توظيف أفضل مطوري التعلم الآلي في العالم لاستخلاص النتائج. ماذا يمكن أن يفعل فيسبوك بتلك النافذة المُطلّة على روحك؟ يمكنه أن يفعل شيئين.
أولاً، يمكنه مواءمة ملخص الأخبار بحيث يجعلك تقضي وقتاً أكبر على الموقع، سواء لتظهر لك مقاطع فيديو رائعة أو ميمات ملهمة أو أشياء عن دونالد ترامب قد تعجبك أو تثير غضبك. هذا ليس مثالياً، لأن التعرض لآراء مختلفة فقط يسمح بإجراء محادثة متعقّلة.
ثانياً، يمكن أن يساعد المعلنين على إرسال الشيء الأنسب إليك: كلما نجحت الإعلانات، زادت الأموال التي يجنيها فيسبوك.
إعلانات ضمن الاهتمامات
هذا الأسلوب في الإعلانات ليس بالأمر الجديد. قبل وقت طويل من اختراع شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إذا كنت تنوي فتح متجر دراجات جديد، فيمكنك اختيار الإعلان عنه في الصحف المحلية بدلاً من الصحف الوطنية.
بالطبع، لم يكن ذلك فعالاً. ربما لم يكن معظم قراء هذه الجرائد يهتمون بركوب الدراجات، لكنه كان أفضل ما يمكنك فعله. يمكننا القول أن فيسبوك حسَّن ببساطة هذه العملية.
من ينزعج من عرض إعلانات فقط عن المنتجات التي تقع ضمن نطاق اهتمامه؟ هذا ما يسأله موقع فيسبوك عندما يدافع عن مفهوم الإعلانات "ذات الصلة". في الواقع، ربما هناك استخدامات أخرى محتملة قد لا نحبها.
مثل ماذا؟ ماذا عن عرض منزل للإيجار، ولكن دون أن يظهر هذا الإعلان للأمريكيين الأفارقة؟
تساءلت جوليا أنغوين، ومادلين فارنر وأريانا توبين، من موقع ProPublica للأبحاث على الإنترنت، عما إذا كان ذلك سينجح أم لا، وبالفعل نجح الأمر. قال فيسبوك: "يا للأسف، هذا ما كان يجب أن يحدث!" وألقى باللوم على "المشكلات الفنية".
أو ماذا عن مساعدة المعلنين في الوصول إلى الأشخاص الذين أبدوا اهتمامهم بقضية "كراهية اليهود"؟ أظهر فريق ProPublica نفسه أن هذا ممكن أيضاً. قال فيسبوك: "يا للأسف، هذا لن يحدث مرة أخرى!"
وماذا عن مساعدة البائعين عديمي الضمير لإغراء المراهقين الضعفاء عاطفياً بمنتجاتهم في أوقات يشعرون فيها بالاكتئاب الشديد؟
في عام 2017، نشرت صحيفة The Australian الأسترالية وثيقة مسربة على موقع فيسبوك يبدو أنها مجرد ترويج لتلك الإمكانية. قال فيسبوك: "يا للأسف، إهمالٌ آخر!"، مصراً على أنه: "لا يقدم أدوات لمخاطبة الأشخاص وفقاً لحالتهم العاطفية".
نأمل ذلك، على الرغم من أن فيسبوك سبق واعترف بأنه يتعامل مع الحالات العاطفية للأشخاص عند اختيار عرض أخبار حزينة أو سعيدة لهم.
الزر أقوى مما تتخيل
شيء آخر يمكن فعله هو دفع الأموال لنشر الرسائل السياسية التي يصعب تحديد سياقها أو التحقق منها. زُعم أن شركة Cambridge Analytica غيرت جزئياً مجرى انتخابات عام 2016 لصالح دونالد ترامب من خلال الاستفادة من قوة زر "الإعجاب" لاستهداف الناخبين الفرديين، وصدم ذلك ميشال كوسينسكي، الباحث الذي كان أول من أشار إلى أن هذا يمكن أن يكون يحدث.
ومع ذلك، فإن بعض الخبراء الذين حللوا واقعة Cambridge Analytica يتساءلون عن مدى فعاليته حقاً. بالمزيد من الجهود، ذكر المحللون أن معدل النقرات على إعلانات فيسبوك لا يزال في المتوسط أقل من 1 ٪.
ربما يجب أن نبدأ بالقلق بشأن قدرة فيسبوك والشبكات الأخرى التي لا شك أنها تجذب انتباهنا، مما يجعلنا لا نفارق شاشاتنا.
كيف يجب علينا التعامل مع دوافعنا في مواقع التواصل الاجتماعي؟ يمكننا تنمية المعرفة العاطفية حول كيفية تأثير الخوارزمية علينا. وإذا كنت تشعر أن القبول الاجتماعي أمر حيوي مثل الأكسجين، فربما ما تحتاجه هو المزيد من حب الذات.