يبدو كل شيء هادئاً خارج القصر الذي يقع في أغلى شارع في بريطانيا، في منطقة بالاس غرين، المطل على قصر كنسينغتون الملكي، لكن وراء زجاجِه المضاد للرصاص تجري أحداثٌ درامية منزلية، تُنذِر بخطرٍ كبير؛ إذ يضم القصر واحداً من أثرى أثرياء العالم، وهو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي الغنية بالنفط، وزوجته الفاتنة الأصغر سناً منه بكثير، الأميرة الأردنية هيا، خريجة جامعة أكسفورد، التي لم تُرَ علانيةً منذ أسابيع.
ومن المثير للاهتمام أنَّ القصر يضمُّ كذلك الملكة إليزابيث، التي هي صديقة لكل من الزوج والزوجة، والتي وجدت نفسها مُقحمة عن غير قصدٍ في هذا الخلاف الزوجي الشديد للغاية، مما وضعها في أشدِّ المواقف حساسية. ويمكننا أن نكشف أن "صاحبة الجلالة" قد حظيت بصحبة الشيخ محمد والأميرة هيا في الأسابيع الأخيرة، ولكن كلٌّ منهما بمفرده.
معركة الدعاوى القضائية التاريخية في لندن
بدأت القصة بعد سلسلة من التقارير الواردة من الشرق الأوسط، تفيد بأن الزوجين اللذين تزوَّجا في عام 2004، نشب بينهما خلافٌ حادٌّ، وأنَّ الأميرة هيا، ابنة الملك الأردني الراحل حسين، قد هربت إلى بريطانيا، وسط أقاويل تفيد بأنَّها تخشى على حياتها.
وأكَّدت صحيفة The Daily Mail البريطانية أنَّ الشيخ محمد رفع دعوى قضائية ضدَّ زوجته في قسم محكمة الأسرة بالمحكمة العليا، من المقرر الاستماع إليها في 30 يوليو/تموز الجاري.
ومن المنتظر أن تكون هذه القضية واحدةً من أغلى القضايا وأشدها تنازعاً في التاريخ، في ظلِّ استعانة الزوجين باثنتين من أشهر محاميات الطلاق في بريطانيا لتمثيلهما.
إذ وكَّل الشيخ محمد المحامية هيلين وارد، التي أدارت قضية طلاق غاي ريتشي من مادونا، وقضية طلاق بيرني إكليستون مالك الحقوق التجارية لبطولة العالم لسباقات الفورمولا 1 من زوجته الثانية سلافيكا، وقضية مغنية البوب شيريل كول من لاعب كرة القدم آشلي كول. فيما وكَّلت الأميرة هيا المحامية فيونا شاكلتون، التي أدارت قضية طلاق الأمير تشارلز من الأميرة ديانا، وقضية طلاق الأمير أندرو من سارة فيرغسون، دوقة يورك.
وثمة مخاوف من أن تقع الملكة -المقرِّبة إلى كلٍّ من الشيخ وزوجته في ظل حبهم المشترك للخيول- في خطر الانجرار عن غير قصد إلى هذا الخلاف، كما تقول الديلي ميل.
الملكة إليزابيث بين نارين
الملكة إليزابيث تعرف الشيخ محمد (69 عاماً) جيداً جداً. وتعد إسطبلات فريق جودلفين التي يملكها في بلدة نيوماركت بمقاطعة سوفولك الإنكليزية، واحدةً من أنجح جهات تنظيم سباقات الخيول في العالم، وقد التقته الملكة في حلبة رويال أسكوت لسباقات الخيول منذ أسبوعين فقط، لكنَّ الأميرة هيا لم تظهر معه آنذاك على غير العادة، فبصفتهما اثنين من أشهر الأزواج في العالم الرياضي، عادة ما يظهران جنباً إلى جنب في حلبة السباق.
ويمتلك كلا الزوجين جياداً شاركت في سباق Duke of Edinburgh Stakes، لكنَّ الشيخ المبتسم كان حاضراً دون زوجته، مع وفدٍ مرافق جميع أفراده من الذكور، والتُقِطت له صورٌ وهو يلتقي الملكة والأمير ويليام.
لكنَّ الملكة في الوقت نفسه لها صلات طويلة الأمد ودافئة مع عائلة الأميرة هيا، التي كان والدها المُحِب لإنكلترا حليفاً وفياً للمملكة المتحدة، وصديقاً مقرباً إلى العائلة المالكة البريطانية. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأمير تشارلز حضر جنازة الملك حسين في الأردن في عام 1999.
وجديرٌ بالذكر أنَّ الأميرة هيا (45 عاماً)، التي تملك خيول سباقات باسمها، ومثَّلت الأردن في أولمبياد 2000 بمشاركتها في مسابقة الفروسية آنذاك، التقت بالملكة إليزابيث على انفراد لتناول الشاي في قلعة وندسور، في أثناء استعراض Royal Windsor Horse للخيول، في شهر مايو/أيار الماضي، كما نشرت الديلي ميل.
الأميرة هيا تخشى الاختطاف وسعت للاختباء في أحد قصور الملكة
وكان ذلك قبل أسبوعين فقط من اتخاذ الشيخ إجراءاتٍ قانونية ضد زوجته، إذ تُظهِر سجلات المحكمة العليا أنه قدَّم شكوى كان من المقرر الاستماع إليها في 22 مايو/أيار، أمام القاضي فيليب مور. وتُعقَد مثل هذه الجلسات سراً، وتكون نتيجتها غير معروفة، لكنَّ سجلات المحكمة تُظهِر أنَّ هناك جلسة استماع جديدة من المقرر عقدها في 30 يوليو/تموز الجاري، أمام رئيس قسم محكمة الأسرة.
وأشارت التقارير الصادرة من الخليج إلى أنَّ الأميرة هيا في إحدى مراحل الخلاف سعت إلى الاختباء في أحد قصور الملكة. وإذا كان هذا صحيحاً، فمن المحتمل أن يُشكِّل إحراجاً للعائلة الملكية البريطانية وتقاليدها، المتمثلة في الإنصاف واحترام الأعراف والتقاليد.
إذ تُعَد دبي جزءاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، حليفة بريطانيا الرئيسية في منطقة الخليج. وفي الواقع، يُعتقد أن الأميرة هيا تقيم في منزلها الضخم الذي تبلغ تكلفته 107 ملايين دولار، الواقع أمام قصر كنسينغتون في لندن، والذي اشترته على ما يبدو دون زوجها في العام الماضي 2018. ويقال إنَّها ذهبت إليه بثروة منفصلة قدرها 39 مليون دولار لبدء حياةٍ جديدة.
وجديرٌ بالذكر أنَّها لم تُشاهَد علانيةً منذ 20 مايو/أيار الماضي، فيما لم تُستخدَم حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي، التي عادةً ما تعج بصور أعمالها الخيرية والإنسانية، منذ فبراير/شباط الماضي.
لماذا اختارت الأميرة هيا لندن؟
قالت بعض المصادر لصحيفة The Daily Mail البريطانية، إنَّ الأميرة هيا تخشى التعرُّض للاختطاف. وهي لديها علاقاتٌ في بريطانيا منذ سنوات بعيدة. إذ أرسلها والدها إلى المدرسة في بلدة بادمنتون الإنجليزية، ثم إلى مدرسة في قرية براينستون في مقاطعة دورست لتلقي تأهيل المستويات المتقدمة. ثم التحقت بجامعة أكسفورد، حيث درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد في كلية سانت هيلدا.
وبعد المرحلة الجامعية، أصبحت فارسة بارعة، وسافرت إلى أيرلندا، حيث تعلَّمت قفز الحواجز بالخيل على يد الفارس الأيرلندي العظيم بول داراه. وتلقت دعوة للمشاركة في أولمبياد أتلانتا في عام 1996، لكنَّها رفضت لأنها لم تكن جاهزة.
ثم مثَّلت بلدها بعد ذلك بأربع سنوات في أولمبياد سيدني. وفي ذلك الوقت، قالت الأميرة التي يبلغ طولها حوالي 157 سنتيمتراً إنَّها لم يكن لديها وقت للحب والارتباط، لأنها كانت مشغولة جداً بالتدريب. وجديرٌ بالذكر أنَّها أخت غير شقيقة للملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، الذي يُعَد "نصف بريطاني" عبر والدته، التي وُلِدَت باسم أنطوانيت غاردنر، قبل تغيير اسمها إلى منى الحسين.
وتعني صلات الأميرة هيا الوثيقة ببريطانيا أنَّه من المستبعد أن تُجبرها السلطات البريطانية على العودة إلى دبي.
إذ يُذكَر أنَّ الملك حسين، الذي تلقَّى تعليمه في مدرسة هارو وأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، كان مُقرَّباً إلى العائلة المالكة. وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، أقرض الحسين دوق يورك ودوقة يورك قصره الواقع في مقاطعة سَري الإنجليزية، في أثناء اكتمال بناء منزل الزوجية الخاص بهما في منتزه سونينغهيل.
الغموض يلف دوافع رحلة الأميرة الهاربة إلى بريطانيا
وبصفتها زوجة الشيخ محمد الثانية، لم ترض الأميرة هيا بالبقاء في الظلّ. وتُتداول الأخبار الآن حول أسباب الانفصال. وهناك حديث عن مطالبة موظفين بتوقيع اتفاقات قانونية تتعلق بعدم الكشف عن المعلومات، ومزاعم بإنفاقها مبالغ طائلة.
لكن الغموض يلف دوافع رحلتها إلى بريطانيا، بيد أن هناك شائعات بأنها قد تمس أيضاً الغموض المحيط بقضية الشيخة لطيفة، ابنة الشيخ محمد، التي زُعم أنها هربت من دبي، وأمسك بها الكوماندوز الإماراتي قبالة ساحل الهند، ثم أعادها قسراً إلى منزلها.
ونفت السلطات الإماراتية المزاعم المتعلقة بمعاملة لطيفة واختطافها في ذلك الوقت، ووصفتها بأنها محض أوهام، وزعمت أنها كانت "عرضة للاستغلال" وتعرضت للاختطاف. ودافعت الأميرة هيا حينها إلى جانب الرئيسة الأيرلندية السابقة ماري روبنسون عن موقف دبي في هذا الحادث. ولكن ذكرت تقارير صدرت بالأمس أن الأميرة هيا علمت حقائق جديدة حول القضية، وتعرضت بسبب ذلك لضغوط، وواجهت ردود فعل عدائية من أفراد عائلة زوجها الكبيرة، حتى إنها لم تعد تشعر بالأمان هناك.
هل يستطيع محمد بن راشد توجيه القانون البريطاني لصالحه؟
إلى ذلك، يتساءل محامو حقوق الإنسان عن مدى إمكانية السماح للشيخ بالاستفادة من النظام القانوني البريطاني، بالنظر إلى مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان لمواطنين بريطانيين في دبي.
ويمثل رودني ديكسون، المحامي البارز، الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي قبع في الحبس الانفرادي في الإمارات العربية المتحدة لمدة ستة أشهر تقريباً، العام الماضي، على خلفية مزاعم وهمية بالتجسس.
وقال ديكسون لصحيفة The Daily Mail: "ليس من اللائق أبداً أن يتمكن شيخ من استغلال منظومة العدالة في بريطانيا، المعروف بنزاهته، لأنه يتناسب مع مصالحه الشخصية، في الوقت الذي يتعامل فيه نظام بلده القضائي مع المواطنين البريطانيين بطريقة ظالمة وقاسية".
من هما المحاميتان اللتان ستمثلان حاكم دبي وزوجته؟
وفي الوضع الحالي، ستدفع قضية الأميرة باثنتين من أبرع محاميات لندن لمواجهة بعضهما. أما الأولى فهي الليدي هيلين وارد، المعروفة بـ "نجمة الطلاق الكبرى"، التي تعمل لدى مكتب Stewarts Law في لندن، والتي تولت قضايا انفصال لمشاهير من مخرجين سينمائيين إلى لاعبي كرة القدم.
وتُباهي بأنها تعمل "لمدة 17 أو 18 ساعة في اليوم إذا اقتضى الأمر" وزعمت ذات مرة: "أتأكد دوماً من وصولنا إلى المحكمة في وقت غير متوقع، والدخول من الباب الخلفي الذي لا ينتشر أمامه الصحفيون مطلقاً. وبعدها، بالطبع، قد أرمقهم بنظرة من نظراتي أثناء مرورنا عبر باب قاعة المحكمة". وتعني بإشارتها إلى "النظرة" النظرة الثاقبة والذكاء الحاد، الذي أكسبها سمعتها المهيبة في قاعة المحكمة.
وأما الثانية فهي الليدي فيونا شاكلتون، التي يطلق عليها اسم "المرأة الحديدية" لسحرها وتصميمها، بعد أن أمنت تسوية الطلاق للأمير تشارلز عام 1996، التي أدت إلى فقدان الأميرة ديانا لقب صاحبة السمو الملكي. وتولت قضية طلاق الأمير أندرو من دوقة يورك، الذي بلغت تكلفته حوالي مليوني دولار في العام نفسه.
ويُعتقد أن للشيخ 23 من الأبناء، 12 من الشيخة هند، واثنان من الأميرة هيا والبقية من أربع زوجات "غير بارزات". ويظهر الدليل الوحيد على هذه الأزمة العائلية في قصيدة حزينة، يُزعم أن كاتبها تحدث عن "الخيانة"، ونُشرت على حساب يخصه في إنستغرام. وتتضمن عبارة "لقد خنتِ أغلى شيء" وعبارة "أعطيتكِ الثقة والحرية… وكان الكذب هو أكبر خطأ ارتكبتِه". ومن المعروف أن الشيخ محمد يحب كتابة الشعر.
في هذه الأثناء، بالعودة إلى منزل غرين بالاس الفاخر، كانت العلامة الوحيدة على وجود نشاط بداخله سيارة مليئة بحراس الأمن المتحفزين تستقر في باحته.
ويقيم عادة في هذا العنوان من يريد أن يعلن للجميع عن وصوله، لكن بالنسبة للأميرة هيا فهو ليس مجرد ملجأ، بل هو سجن ذهبي أيضاً.