يبدو أن ورشة البحرين الاقتصادية التي انعقدت في المنامة في 25 يونيو/حزيران تبعث برسالة إلى الفلسطينيين مفادها أن دول الخليج والسنيّة الأخرى، يمكنها أن تتوصل إلى نوع من اتفاق السلام مع إسرائيل، حتى قبل انتهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولا يخفى على أحد أن علاقة هذه الدول بإسرائيل قد تطورت في السنوات الأخيرة في سياق قتالهم المشترك مع إيران عدوتهم المشتركة والإرهاب الذي تروج له. وفي الواقع، كُشف هذا الأسبوع في البحرين، النقاب عن أحد الأسرار المعلومة للجميع في الشرق الأوسط: وهو العلاقة بين دولة إسرائيل وبعض دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية وعُمان والبحرين. ومرة أخرى يخرج الفلسطينيون من الصورة، وتزيد مقاطعتهم للقمة هذا الأمر وضوحاً.
دول الخليج على خطى السادات
هبط الرئيس المصري أنور السادات في مطار بن غوريون عام 1977، ليصبح أول زعيم عربي -والعدو اللدود أيضاً الذي شنَّ حرباً شرسة عام 1973- يزور إسرائيل. ثم وقع السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، على أن القضية الفلسطينية ظلت خارج الاتفاق، بصرف النظر عن اقتراح استقلالها، وكذلك دول الخليج تفعل اليوم.
يقول موقع Al-Monitor الأمريكي، إن حقيقة حديث كبار المسؤولين في الدول العربية في الحقيقة بصورة طبيعية مع رجال الأعمال الإسرائيليين، بمن فيهم الجنرال المتقاعد يؤاف مردخاي، والصحفيين الإسرائيليين في أروقة ورشة المنامة، تحطّم أسطورة مقاطعة الإسرائيليين.
وبالنسبة للإسرائيليين، تعد مظاهر التطبيع أهم بكثير من الهدف الرسمي للمؤتمر، "مشروع مارشال" الإقليمي لتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم. حتى أن "نوا لانداو" صحفية جريدة Haaretz الإسرائيلية، التي كانت في المنامة، تحدثت عن انتقاد لاذع لسلوك السلطة الفلسطينية المتمثل في مقاطعتها القمة.
ووفقاً لتقارير صحفيين إسرائيليين، بذل البحرينيون جهوداً كبيرة لتوفير سبل الراحة لضيوفهم الإسرائيليين. بل إنهم شجعوا الجالية اليهودية المحدودة على التحدث عن نفسها لوسائل الإعلام الإسرائيلية. وعليه، فتح كنيس الجالية الصغير في زقاق أحد الأسواق المحلية أبوابه خصيصاً للصحفيين الإسرائيليين، حيث التقوا أيضاً بجيسون غرينبلات، المبعوث الأمريكي وأحد عرابي الورشة.
إسرائيل متفاجئة من حرارة الترحيب الذي حظيت به في البحرين
وكان وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، صاحب أكثر المبادرات "إدهاشاً" بعقده سلسلة من المقابلات مع القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام الإسرائيلية، التي وصل ممثلوها إلى البحرين. وكانت أهمية هذه المقابلات تكمن في "حدوثها" بحد ذاته، وانتهاكها أحد المحرمات، بل في ما قاله فيها أيضاً. ومع أن خليفة أدلى بتصريحات تقليدية حول ضرورة إقامة دولة فلسطينية، تحدث في الوقت نفسه عن الحاجة إلى حوار مباشر مع إسرائيل.
وكان انتقاده اللاذع للفلسطينيين سابقة واضحة أخرى، حين قال إن القيادة الفلسطينية كان يجب ألا تقاطع الورشة وأنه من الخطأ محاولة استبعاد الولايات المتحدة من عملية السلام. وكان من بين التصريحات الأخرى المهمة دعمه التصرف الإسرائيلي ضد إيران في سوريا. وقال في إشارة إلى إسرائيل: "لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها".
وقال وزير إسرائيلي لموقع Al-Monitor شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "إسرائيل فوجئت بالترحيب الحار في البحرين والتصريحات القاسية عن الفلسطينيين على وجه الخصوص". وقال: "كثيراً ما نسمع هذه التصريحات في اجتماعات مغلقة، لكن هذه هي المرة الأولى التي نسمعها فيها علانية أمام الكاميرات".
ما بعد مؤتمر البحرين.. التطبيع بالحروب الإلكترونية والتجسس
وقدَّر الوزير أن الورشة ستزيل العديد من الحواجز أمام العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول الخليج. وترتبط هذه العلاقات جزئياً بالمنتجات التكنولوجية المتطورة المرتبطة بالحرب الإلكترونية والتجسس.
ومن ذلك، على سبيل المثال، أوردت تقارير سابقة أن السعودية استخدمت برامج شركة إسرائيلية لتعقب الصحفي جمال خاشقجي، الذي اغتيل في القنصلية السعودية في إسطنبول. ومن مجالات التجارة الأخرى بين دول الخليج وإسرائيل تحلية المياه وغيرها من أساليب استخدام المياه الذكية (الري بالتنقيط) والطاقة الشمسية ومجموعة من الابتكارات الزراعية المناسبة للبلدان الصحراوية.
وقال جنرال الاحتياط إيتان دانغوت، المنسق السابق لأعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية، لموقع Al-Monitor إن "الفلسطينيين لا يشكلون أهمية كبيرة لدول الخليج، لكن الحاجة إلى تقوية التحالف ضد إيران هو هدف رئيسي يربطها بإسرائيل، والولايات المتحدة وصفقة القرن الخاصة بدونالد ترامب. وهذا هو سبب مشاركتها القوية في قمة المنامة واتفاقها على الإفصاح عن علاقاتها بإسرائيل".
بيد أن الضحية الرئيسية لكل ما يحدث هي القيادة الفلسطينية، التي تلقت إشارة شديدة الوضوح من الدول العربية بأنها أشبه ما تكون "بشوكة" في حلق الدول المؤثرة في المنطقة، وأنها بتصرفها "تعيق التقدم في التعاون الأمني، والتكنولوجي والاقتصادي".
واشنطن ترى ضرورة بتغيير السلطة الفلسطينية ودحلان يهاجم رئيسها
من جانبهم، يزيد الأمريكيون من تلميحهم إلى ضرورة تغيير القيادة الفلسطينية الحالية. وهذه التصريحات تثير قلقاً بالغاً في رام الله (مقر السلطة الفلسطينية) وغزة، وتسبب في الوقت الحالي اتساع الصدع داخل العالم العربي.
ويعي الفلسطينيون الوضع، وفيما نظم داعمو الرئيس الفلسطيني محمود عباس مظاهرات في بعض مدن الضفة الغربية ضد قمة البحرين، وهاجم الإعلام الفلسطيني الاجتماع والدول العربية التي شاركت فيه، يدور وراء الكواليس، نقاش جاد بين الفلسطينيين. إذ كتب شلومي إلدار في مقال له على موقع Al-Monitor أن محمد دحلان، معارض عباس الذي يقيم في دبي ومستشار محمد بن زايد، هو أحد المنتقدين الفلسطينيين البارزين لمقاطعة قمة البحرين.
وقال أحد شركاء دحلان: إن "سياسة الرفض التي يتبعها عباس ستؤدي إلى هلاكنا". وتابع: "ونحن لا نتفق أيضاً مع السلام المزعوم الذي اقترحه الرئيس الأمريكي غير المستقر، ولكن أن تدير ظهرك لدول الخليج التي ترغب في استثمار مليارات الدولارات في تخفيف الأزمة الفلسطينية هو تصرف غبي يمكن أن يتحول إلى خطأ تاريخي. وعباس لا يبالي سوى بمقعده لا بالمستقبل".
وأُرسي أحد الأركان الأساسية المهمة على طريق التطبيع العلني بين إسرائيل والدول الخليجية والعربية البراغماتية في المنامة هذا الأسبوع، لكن غياب اتفاق مع الفلسطينيين يؤخر مواصلة تطوير هذه العلاقات.
ومع ذلك، ليس من المؤكد أن التأخير المستمر في عملية السلام مع الفلسطينيين سيوقف هذا التطبيع. إذ أوضحت هذه الدول، في البحرين، للفلسطينيين أنهم يدعمون حلاً دبلوماسياً ولكن يجب على الفلسطينيين الإسراع، لأن لديها مصالح مهمة أخرى ولن تنتظرهم طويلاً.
وبالنسبة لإسرائيل في عهد بنيامين نتنياهو، يعد هذا الوضع مثالياً. إذ يظهر الفلسطينيون بمظهر الرافضين ويُستبعدون من اللعبة، فيما تعزز إسرائيل العلاقات التجارية وغيرها مع دول الخليج لصالح مصلحتهم المشتركة في خصومة إيران. إن نشر الجانب الدبلوماسي لخطة ترامب سيكون الاختبار الحقيقي لجميع الأطراف. وسيتعين على إسرائيل حينها أيضاً أن تبدي مرونة حتى لا تفقد المكاسب التي جنتها في البحرين، كما يقول موقع المونيتور.