يستمر التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في التصاعد، ولعدة أشهر كان يرتكز في نقطة رئيسية؛ مضيق هرمز. كانت آخر واقعة في التصعيد بين البلدين هي إسقاط إيران طائرة أمريكية بدون طيار وردّ الفعل الذي تراجع فيه دونالد ترامب، الذي قال يوم الجمعة 21 يونيو/حزيران 2019، إنه أمر بالهجوم، ولكنه قرر إلغاءه بعد ذلك.
وبصرف النظر عن الآثار الجيوسياسية والمواقف الرسمية لواشنطن وطهران والمجتمع الدولي، فإن العقوبات المفروضة على إيران قد أدت إلى تعقيد الوضع الداخلي للبلاد إلى حد كبير. فكيف يعيش الإيرانيون، داخل وخارج البلاد، في ظل هذه الأزمة الدولية؟
بحسب موقع BBC Mundo، فإن العديد من الخبراء والمراقبين يرون أن الإيرانيين ينقسمون حول هذه الأزمة إلى 3 أنواع، يسيرون في 3 اتجاهات رئيسية بارزة، رغم أنها ليست الوحيدة، وهي كالتالي:
1- الداعمون لموقف النظام الإيراني.. مهما كان الثمن
هذه الشريحة من الإيرانيين، تقدم دعماً غير محدود للنظام، وهم أولئك الذين يشاركون النظام في الإيمان بضرورة قيام حكومة تحمي تطبيق الشريعة أو الإسلام.
بالنسبة للكثيرين داخل البلاد، فإن هذا الشكل للدولة هو الذي كفل الاستقلال، كما يؤكد ذلك "أرشين أديب مقدم"، الباحث في السياسة الإيرانية والمقيم في لندن.
يقول مقدم إن "ثورة 1979 والجمهوريين الطوباويين (ذوي الأحلام المثالية) قدموا الجمهورية الإسلامية كقضية عادلة ومهمة سماوية من أجل عالم أفضل، وهذه الفكرة الحالمة لا تزال قائمة، حتى بين الإصلاحيين".
ويضيف البروفيسور الذي بحث هذه السمة للمجتمع الإيراني في كتابه الأخيرPsycho-nationalism: "يعرف الإيرانيون أنهم، لأول مرة في تاريخهم الحديث، أصبحوا مستقلين عن النفوذ الخارجي".
لذلك، لا يتعلق الأمر فقط بالدِّين، بل أيضاً بالكرامة الوطنية، كما يشير أمير أحمدي عريان، الكاتب والمحلل الإيراني، ذاكراً أنه في العقدين الماضيين، احتلت الولايات المتحدة جارتين لإيران، أفغانستان والعراق، وأن ذلك دفع طهران لكي يكون لديها رادع يمنع أي قوات محتلة من المساس بها، وأن هذا الرادع، هو القدرة على حيازة الأسلحة النووية.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية بهروز كامالوندي أنه بحلول نهاية هذا الشهر سيكون البلد قد تجاوز مستوى تخصيب اليورانيوم.
وهذا يعني خرقاً للاتفاقية النووية التي تعهدت إيران بموجبها بالحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات.
يعتبر إعلان إيران، وفقاً لبعض المحللين، محاولة للضغط على المجتمع الدولي لإيجاد آلية حتى تتمكن الدولة من الاستمرار في بيع النفط وإجراء المعاملات المصرفية.
إذ تسببت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في تقلّص الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.9٪ العام الماضي، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وبحلول عام 2019، توقعت المنظمة انخفاضاً أكبر يصل إلى 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
ويوضح أحمدي في سرد طويل أنه بالنسبة إلى المواطن الإيراني العادي، فإن هذا ينعكس في:
- دعم أقل من الدولة.
- ارتفاع في أسعار السلع.
- طوابير لشراء اللحوم بأسعار تخضع للمراقبة.
- المزيد من التضخم الاقتصادي.
- المزيد من الفساد، وتآكل الطبقة الوسطى الإيرانية ورحيلها عن البلاد وارتفاع طلبات اللجوء.
كل هذا له تأثير على المتعاطفين من الإيرانيين مع الحزب الحاكم في تأجيج الكراهية المتفاقمة بالفعل تجاه الولايات المتحدة.
من الشائع أن نرى في شوارع طهران مظاهرات تُحرق فيها الأعلام الأمريكية وملصقات تسخر من ممثلي إدارة دونالد ترامب.
تعمل مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً كترمومتر يساعدنا في فهم كيف ينظر جزء من المجتمع الإيراني إلى الصدامات المستمرة في العلاقة بين بلدهم والولايات المتحدة.
2- الإصلاحيون.. الأكثر شعوراً بخيبة الأمل الآن
هذه الشريحة من الشعب الإيراني، ترى أن الحكومة الإيرانية لم تتخذ التدابير الكافية لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى فرض الإدارة الأمريكية عقوبات.
ينتقد البعض أيضاً انعدام الحريات. وكما يقول أديب مقدم، إن هؤلاء ليسوا فقط هم الذين يريدون التغيير، هناك أيضاً أولئك الإيرانيون الذين يتم وصفهم بالمتشددين، مشيراً إلى أن الحل هو الأسلوب الذي سيتبناه هذا التحول في النظام. يقول مقدم: "تدور المعركة في إيران حول كيفية فهم هذه الجمهورية (الإسلامية) والإصلاحات المؤسسية الملموسة، يتعلق الأمر بتبادل معقد للغاية وطويل الأمد للأفكار بين الدولة والمجتمع، والإيرانيون هم الذين تمكنوا من زيادة الحلول التوفيقية للدولة وليس العكس".
هذه الشريحة، التي بدأت تشهد تغييرات في الاقتصاد بعد توقيع الاتفاق النووي، ربما كانت الأكثر شعوراً بخيبة الأمل بسبب سلبية بقية الدول الموقِّعة على الاتفاق النووي إزاء موقف الولايات المتحدة، كما يقول أحمدي.
يقول الباحث الإيراني: "لقد كان المجتمع الدولي غير نزيه أبداً ولم يدعم إيران عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق".
يعتقد أديب مقدم أن هناك شرائح معينة "تشعر بالفزع لأن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بوعوده، وأن المجتمع الدولي المزعوم ظل سلبياً إلى حد كبير إزاء تهديدات الحرب التي تطلقها حكومة ترامب".
لكن حتى بين أولئك الذين يريدون التغيير، فهناك خوف متجدد من السماح للآخرين، بخلاف الإيرانيين، بقيادة ذلك التغيير.
يوضح صحفيو الخدمة الفارسية لـ BBC أن الكثيرين من الإيرانيين في مواقع التواصل الاجتماعي عبَّروا عن خوفهم من إمكانية تكرار سيناريو العراق وأفغانستان.
حتى إن بعض الناس يعتقدون أن ما حدث مع ناقلتَي النفط والطائرة بدون طيار يمكن أن تكون أدلة ملفقة لتبرير التدخل العسكري، كما حدث في الماضي مع أسلحة الدمار الشامل ونظام صدام حسين.
3- المطالبون بالتغيير الجذري.. مهما كان الثمن
بالنسبة لهذه الشريحة، فيجب أن يأتي التغيير من داخل المجتمع الإيراني، لكن كما أشار كثير من الخبراء، يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم تحقيق ذلك عن طريق انفتاح النظام الحالي أم عن طريق تعبئة داخلية تطالب بتغييرات أكثر جذرية في السياسة الداخلية للبلاد.
هؤلاء هم الأقلية، وجميعهم تقريباً وفقاً للخدمة الفارسية لهيئة الإذاعة البريطانية، خارج البلاد. ينادي هؤلاء بثورة داخلية أو حتى تدخل بلدان أخرى (ليس بالضرورة تدخلاً عسكرياً) للتعجيل بسقوط الحكومة في إيران.
هؤلاء مهتمون أكثر باستمرار تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
لكن وفقاً للصحفي أمير أحمدي، فإن أولئك الذين يدعمون هذه الطريقة يفعلون ذلك بسبب "اليأس" ونتيجة "لفقدان الأمل".
يقول: "أولئك الذين يعيشون في المنفى ولم يروا عائلاتهم لسنوات يشعرون بالكثير من السخط على النظام الإيراني وربما كل ما يريدونه هو أن يستيقظوا من كابوس، على الرغم من أنني أخشى أنهم قد ينتهي بهم المطاف إلى كابوس أسوأ منه".
بالنسبة لأديب مقدم، فإن قدرة هذه الشريحة صغيرة للغاية بحيث لا تجعل لمطالبها تأثيراً يُذكر على السياسة الداخلية. يقول: "هذه أقلية صغيرة للغاية وغير مهمة في إيران، ووجودها خارج البلاد يجعلها أقل أهمية، فهي تتمتع بنفوذ ضئيل وبالتالي فهي غير مهمة".
يتفق الخبيران على أن مناخ التوتر الحالي بين واشنطن وطهران يعزز فقط قضايا أصحاب المواقف الأكثر تطرفاً في كل من الولايات المتحدة وإيران، ويتفقان أيضاً على أن الأزمة الحالية لن تُحدث تغييرات كبيرة في السياسة الداخلية.
يقول أديب مقدم: "على الرغم من كل العقوبات وتهديدات الحرب وما إلى ذلك، تظل الدولة الإيرانية واحدة من أكثر الدول ثباتاً في تلك المنطقة من العالم وستظل كذلك، ولا شكَّ في هذا، وأي شخص يلمح إلى إمكانية تغيير النظام مُخطِئ أو مُنظِّرٌ لديه طموحات سياسية".
بالنسبة لأحمدي، قد يأتي التغيير في نهاية المطاف، لكنه يستبعد رؤيته؛ يقول: "سيكون بطيئاً، مع الكثير من التقدم والتقهقر".