بشكل غير متوقع كشفت وكالة رويترز نقلاً عن مصادر خاصة بها الجمعة 28 يونيو/حزيران 2019 أن الإمارات العربية المتحدة، سحبت عدداً من جنودها المشاركين في اليمن بشكل مفاجئ خلال الأسابيع الماضية مما فتح الباب أمام التكهنات حول هذه الخطوة من قبل أبوظبي.
ولعل المتابع للمشهد العسكري في اليمن يدرك أن الإمارات تحت قيادة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد أقحمت نفسها في معارك صعبة خارج حدودها لأول مرة في تاريخ البلد الوليد بسبب طموحات ولي العهد السياسية والجيوسياسية، ومن أهمها السيطرة على نقاط حساسة على البحر الأحمر وخليج عدن لفترات طويلة.
ومن هذه النقطة جاء التساؤل الهام لماذا بدأت الإمارات سحب قواتها من اليمن رغم مرور 4 أعوام ونيف على عاصفة الحزم التي تعتبر الإمارات الركن الأهم فيها بعد السعودية؟
تهديدات الحوثيين الجادة هذه المرة:
قبل أقل من شهر هددت جماعة "أنصار الله" الحوثية باستهداف 299 منشأة عسكرية وحيوية في كل من الإمارات والسعودية واليمن بحسب ما ذكر مصدر في وزارة الدفاع التابعة للحوثيين، في تصريح لوكالة "سبأ" الخاضعة لسيطرتهم، إن هناك قائمة تحوي عدداً من المناطق الحساسة والأهداف الحيوية في السعودية والإمارات.
لعل الإمارات كانت تدرك هذه المرة أن التهديدات جادة وحاسمة خاصة عقب وصول صواريخ الحوثيين إلى نقاط هامة في السعودية مثل مطار أبها لأكثر من مرة، عبر طائرة مسيرة ومن ثم تحولت هذه التهديدات إلى حقيقة.
وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي في الإمارات القائم بالأساس على الشق الأمني فإنه في حال استهدف الحوثيون أبوظبي أو دبي بحكم أنهما الأقرب إلى صواريخ الحوثي فإن الأمر سيتسبب في كارثة كبيرة قد تجبر عشرات الشركات وآلاف الأفراد على الخروج من الإمارات بسبب هذا التوتر.
وإذا ما تم هذا فإن سمعة البلاد ستضرب في مقتل، خاصة من قبل الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي ترى في الإمارات سنغافورة العرب التي تتمتع بقدر كبير من الأمان والرفاه الاقتصادي.
ومن هنا قد يكون هذا الأمر السبب الأساسي وراء سحب الإمارات لبعض القوات من الحديدة وعدن في ظل التوتر الكبير بين دول الخليج وإيران على خلفية استهداف ناقلات نفط بالقرب من مضيق هرمز، ومن ثم قد يتهور الحوثيون ويقدمون على قصف الإمارات بذريعة الحرب في اليمن.
خسائر بلا تقدم عسكري:
على مدار 4 أعوام لم تحقق السعودية والإمارات الهدف الأساسي المعلن للعملية العسكرية (عاصفة الحزم)، وهو عودة الشرعية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي خرج بطائرة خاصة من عدن إلى السعودية في سبتمبر/أيلول 2014، عندما اجتاح الحوثيون صنعاء، ومن ثم نظرياً باءت العملية العسكرية بالفشل، بل بالعكس أثرت بشكل كبير على سمعة أبوظبي والرياض عالمياً بسبب انتهاك حقوق الإنسان في اليمن والقصف العشوائي للمدنيين وأيضاً خسائر بشرية تعد كبيرة على الإمارات.
أيضاً لكي تحل أبوظبي معضلة جنودها الذين تعرضوا في بداية العملية العسكرية إلى استهداف مباشر من الحوثيين لجأت الإمارات للبحث عن جنود مرتزقة من السودان وبعض اليمنيين الفقراء وأيضاً شركات أمان هامة خارجية في أمريكا وهذا الأمر يكلف أبوظبي مليارات الدولارات سنوياً ومن ثم بات الأمر مكلفاً لدرجة كبيرة.
حققت أهدافها:
لكن على الرغم من الخسائر التي تتعرض لها الإمارات بشكل شبه يومي في اليمن إلا أنها حققت بعضاً من أهدافها بشكل كبير، فمثلاً بات جنوب اليمن بالكامل يخضع لسيطرة أبوظبي أو المليشيات التابعة لها والكتائب الأمنية التي جندها ولي العهد له في البلاد، ومن ثم بات الحديث عن عودة اليمن مثل ما كان عليه سابقاً موحداً ضرباً من الخيال.
أيضاً نجحت الإمارات في أن تقيم قواعد عسكرية هامة لها في عدن وفي جزيرة سقطرى وبات خليج عدن بالكامل تحت نفوذ ولي عهد أبوظبي، ومن ثم لا حاجة لبقاء جنود في هذا المكان الذي قد يثير القلق على حياتهم.
كذلك يبدو أن الإمارات تريد توريط السعودية في اليمن بشكل أكبر فدوماً ما كان الحديث يتكرر عن خلاف على الغنائم بين أبوظبي والرياض وكذلك على الاستراتيجية لكل بلد منها، فمثلاً ترفض الإمارات على الدوام الاستعانةَ بالإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، والذي لا ترى السعودية فيه غضاضة، لكنها كانت تسير في الركب الإماراتي خوفاً من انفراط عقد التحالف، لكن بهذه الخطوة قد تترك أبوظبي الرياض وحدها في اليمن.
وفي كل الأحوال فإن أبوظبي تدرك أن هذا الانسحاب قد يهدئ من روع المنظمات الحقوقية التي تهاجم سياسة أبوظبي في اليمن وكذلك تقلل من مخاوف سلطنة عمان التي لا تخفي قلقها الواضح من سياسات ولي عهد أبوظبي في اليمن وكان آخرها ما يتعلق بمحافظة المهرة القريبة من حدود عمان وترى مسقط أنها امتداد لسلطنتها الكبيرة.
قلق من توتر مع إيران
ثم أمر آخر لا يمكن تجاهله وهو القلق من نشوب حرب في الخليج العربي ضد إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم قد تكون الإمارات مستهدفة من قبل طهران، فربما تكون هذه الخطوة بهدف ذلك وفي نفس الوقت يكونون في مأمن عن استهداف الحوثيين للجنود الإماراتيين هناك، أو أن الإمارات تستعين بجنودها في اليمن.
وهذا الاحتمال ذكره دبلوماسي قائلاً إن الإمارات خفضت مشاركتها لتعزيز دفاعاتها في الداخل في أعقاب هجمات على أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها في مايو/أيار. وأعقب ذلك هجومان على ناقلتين أخريين في خليج عمان بعد بضعة أسابيع.
وتجري واشنطن محادثات مع الحلفاء من أجل تشكيل تحالف عالمي لحماية خطوط شحن النفط الحيوية في مضيق هرمز وبالقرب منه، وأثير الأمر خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى السعودية والإمارات الأسبوع الماضي.
وخلال لقائه مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حثه بومبيو على تعزيز الأمن البحري. وقال "سنحتاج منكم جميعاً المشاركة بقواتكم العسكرية".