لسنوات، حاصر رجال مسلحون مدرسة للبنات في قرية في إقليم بلوشستان في باكستان، لمنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة، إلا أنَّ إحداهن تمكَّنت أخيراً من الوصول إلى الجامعة، وهي تتدرَّب الآن لتصبح صحفية. وهي تروي قصة كفاحها لمراسلة موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC شُمَيلة جفري.
تقول نعيمة زهري، الطالبة بجامعة سردار بهادور خان للبنات، في مدينة كويته: "قضيت طفولتي في خوف، ما زلت أشعر برعشات أسفل ظهري عندما أفكر في ذلك".
طفولة في زمن الفوضى
نشأت نعيمة في قرية زهر جمشار القبَليّة، في مقاطعة خوزدار بمقاطعة بلوشستان المضطربة في باكستان، وتقول إن طفولتها تزامنت مع وقت كانت فيه الفوضى في ذروتها، وكانت الأخبار مليئة بقصص عن رجال البلوش الذين يتعرَّضون للخطف والقتل في هجمات مستهدفة، كان الخوف والظلم والأسلحة في كل مكان.
وتعد بلوشستان هي أفقر مقاطعة في باكستان، وقد عانت من أعمال القتال الطويلة الأمد بين المتمردين الانفصاليين والجيش الباكستاني.
تقول نعيمة إنَّ الحياة في قُراها الجبلية النائية مزرية بشكل عام، لكن النساء يواجهن معاناة خاصّة.
تقول: "شاب الفقر طفولتي، نحن سبعة أشقاء، وتركنا والدي وتزوج من امرأة أخرى، ولم تكن أمي متعلّمة، لذلك كان علينا الاعتماد على مساعدات العائلة لتلبية احتياجاتنا الأساسية، وكان التعليم تَرَفاً لم نتمكن من تحمله".
بالنسبة إلى نعيمة، كان الحصول على التعليم نضالاً، فقد ذهبت حتى سن العاشرة إلى مدرسة البنات الابتدائية المجانية التي تديرها الدولة في قريتها، ولكن المدرسة أُغلقت.
القصة التي غيَّرت مصيرَها
تقول الفتاة إنَّه في الفترة من عام 2009 إلى عام 2013، استولى مجرمون مدعومون من رئيس القبيلة المحلي على المدرسة، ووضع الرجال حاجزاً عند مدخلها لإبعاد الفتيات عن المبنى. لا تستطيع BBC تأكيد هذا بشكل مستقل، لكن مثل هذه الحالات لم تكن غريبة في بلوشستان.
تقول نعيمة: "كان السياج محصَّناً، وكان يحرسه من ستة إلى ثمانية مسلحين طوال الوقت. أتذكر أني مررت أمامه في طفولتي، اعتدنا أن نشعر بالرعب من الرجال المسلحين الذين يقفون هناك، وكنت أخشى دائماً أن يطلقوا النار عليَّ".
وتابعت: "مرتدين السلوار قميص (قمصان وسراويل فضفاضة يرتديها الرجال في باكستان)، كانوا يحملون الأسلحة في أيديهم، وكانت وجوههم دائماً مغطاة بالأوشحة، وكانت عيونهم فقط ظاهرة".
"لا تُرسلوا بناتكم إلى المدرسة"
تقول نعيمة إن المسلحين لم يقتربوا أبداً من الأطفال، ولم يهدِّدوهم، لكن الاعتصام خدم غرضين؛ إبعاد الفتيات عن التعليم، وبالتالي يمكن لرجال القبائل المسلحين استخدام المدرسة كمخبأ.
"لقد كانت رسالة واضحة للسكان"، كما تقول الفتاة، "لا ترسلوا بناتكم إلى المدرسة".
كان التأثير على القرية كارثياً؛ فلم يجرؤ معلمو الحكومة على العمل في مثل هذه البيئة. تم قبول نعيمة وبعض الفتيات الأخريات في مدرسة أخرى في قرية مجاورة، لكن ذلك كان مجرد إجراء شكلي، فقد أرسل أولياء الأمور بناتهم إلى هناك للحصول على زيت طبخ مجاني (قدَّمته منظمة مانحة دولية لزيادة التحاق الفتيات بالمنطقة) ولكن ليس للتعلم. كانت الفتيات تسجلن حضورهن في السجلات ثم يذهبن إلى المنزل، تقول نعيمة إن المعلمين كانوا خائفين، لكنهم كانوا فاسدين جزئياً أيضاً.
تقول نعيمة: "كانت هناك العديد من المدارس التي كانت موجودة فقط على الورق في منطقتنا، وانتُدب المعلمون في مثل هذه المدارس، وكانوا يحصلون على رواتب أيضاً، لكن المدارس كانت معطَّلة تماماً".
وفي الوقت نفسه، كان للعنف في بلوشستان أثره. كان على نعيمة أن تواجه اختطاف وموت خاليها خلال عام واحد، تقول إنهما اختفيا ببساطة، وتم العثور على جثتيهما مليئتين بالرصاص بعد أشهر.
تقول: "لقد تحطَّمتُ تماماً.. كانا صغيرين، مقبلَيْن على الحياة، ولم أستطع تجاوز موتهما لفترة طويلة".
لكن هذه المأساة دفعت نعيمة إلى مواصلة تعليمها، كما تقول.
نساء بلا تعليم
بعد الانتهاء من المرحلة الإعدادية، كان عليها أن تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة، لكنها لم تسمح لهم بعرقلة دراستها.
وتقول إن السبب في ذلك هو عدم تشجيع النساء المحليات على مواصلة التعليم المدرسي، بل الذهاب إلى المدارس الدينية أو القيام بالأعمال المنزلية.
تقول: "هناك نفاق حول ذلك أيضاً؛ إذ لا يُسمح للنساء بالخروج للحصول على التعليم، ولكن عندما يتعلق الأمر بمساعدة الرجال في هذا المجال فليس هناك ما يمنع. هؤلاء اللواتي يبقين في المنزل يكسبن عيشهن من خلال التطريز، لكن الرجال هم الذين يحصلون على أجورهن وينفقونها".
واصلت نعيمة دراستها في المنزل، وخاضت الاختبارات كمرشحة خاصة (المرشح الخاص، ويعرف أيضاً باسم المرشح الخارجي في نظام الامتحانات البريطاني هو شخص يتقدم للامتحانات، ولكنه غير مسجَّل كطالب في المركز (المدرسة أو الجامعة) الذي يؤدي فيه الامتحان). وعندما أنهت دراستها الثانوية، توقَّفت دراستها لبعض الوقت، لأن أشقاءها عارضوا ذلك، لكن قتل خاليها منحها هدفاً جديداً، فقد أشارت الفتاة إلى أنه كان هناك صمت مُطبق في وسائل الإعلام، وترك ذلك أثراً في نفسيتها.
وتقول: "هل البلوش ليسوا بشراً؟ لماذا ليست هناك أهمية لأرواحهم؟ لقد وجدت ذلك مؤلماً للغاية، متى سيبدأ الناس في التفاعل إزاء البلوش؟" هذه التجربة جعلت نعيمة ترغب في التخصص في العمل الصحفي.
"سرد قصصِ شعبِي"
لا يُسمح لوسائل الإعلام الدولية بتقديم تقارير من بلوشستان، إلا إذا كان لديها إذن خاص من السلطات، وهو أمر نادراً ما تحصل عليه.
كذلك تخضع وسائل الإعلام الرئيسية في باكستان لحظر شامل، عندما يتعلق الأمر بتقديم التقارير عن التمرد في المقاطعة.
تقول نعيمة إنها عندما سمعت عن الجامعة النسائية الوحيدة في بلوشستان، أقنعت أسرتها بالسماح لها بالاستمرار في الدراسة، عارض إخوانها الفكرة، لكنَّ عمَّاً واحداً أيدها ودفع رسومها لمدة عام.
بعد ذلك لم يكن معها أموال، لكنها تقدَّمت للحصول على منحة دراسية ترعاها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، بتمويل من الحكومة الأمريكية، والآن تمت تغطية نفقات تعليمها بالكامل.
وتقول: "أريد أن أصبح صحفية؛ حتى أستطيع أن أروي قصصاً عن شعبي، شعب بلوشستان". "واسمحي لي أن أخبرك أنني لن أخاف… سأقف دائماً إلى جانب الحقيقة".