قلق حقيقي يزداد مع كل "مزحة"
الذي يجعل مثل هذه التصريحات تتصدر الأخبار وتصبح مثاراً للقلق من جانب خصوم ترامب السياسيين، هي شخصية الرجل وتصرفاته، التي لا تنتمي للبيت الأبيض، ولا لطبيعة الحكم في الولايات المتحدة، التي هي دولة مؤسسات.
المثير للقلق أن ترامب كرر هذه النوعية من التصريحات أكثر من مرة، وفي مناسبات عديدة، ومن الواضح أنه لا يعتبرها "مزاحاً"، بحسب تقرير للسي إن إن، أمس الأربعاء 19 يونيو/حزيران 2019، بعنوان: "ترامب يواصل "المزاح" حول بقائه رئيساً لأطول من المدتين الدستوريتين".
أثناء تسلمه جائزة تذكارية في أبريل/نيسان الماضي، في احتفالية لمشروع المحارب المصاب، في نفس يوم صدور تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، قال ترامب: "هذه هدية جميلة للغاية، وسوف يكون لها مكان دائم لمدة ست سنوات على الأقل في البيت الأبيض"، مضيفاً: "كنت سأمزح وأقول لمدة 10 أو 14 سنة، لكنني سأثير الشكوك لو قلت هذا، لذلك سنقول ستة!"
هذا التعليق رصده موقع فورشن الأمريكي، في تقرير له الشهر الماضي، كان عنوانه مباشراً: "ترامب يواصل الحديث عن بقائه رئيساً بعد انتهاء المدتين.. فهل ينوي هذا فعلاً؟"
يطالب بعامين إضافيين!
في نفس الشهر، وهذه المرة لم يكن مزاحاً، طالب ترامب بإضافة سنتين لفترته الأولى الحالية، على أساس أن تحقيقات مولر استمرت قرابة العامين، وهو يعتبر تلك التحقيقات "محاولة انقلاب"!
المطالبة جاءت من أحد مناصري ترامب، وهو رجل الدين ورئيس جامعة ليبرتي جيري فيرويل عبر تويتر، بقوله: "يجب أن يبقى ترامب في البيت الأبيض لعامين إضافيين، كتعويض عن الوقت المسروق منه بسبب هذا الانقلاب الفاسد الفاشل".
ترامب أعاد نشر التغريدة مطالباً بالعامين الإضافيين، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست، بعنوان "ترامب يقول إن مناصريه ربما يطلبون منه البقاء رئيساً بعد انتهاء المدتين!".
رئيس لمدى الحياة
أما العام الماضي، فقد امتدح ترامب الرئيس الصيني زي جينج بينج قائلاً: "إنه رئيس مدى الحياة، رئيس مدى الحياة، إنه عظيم، وهو قادر على أن يفعل ذلك (يبقى رئيساً مدى الحياة). أعتقد أنه أمر عظيم، ربما يجب علينا أن نجرب ذلك في يوم ما".
الواقع أن مزاح ترامب في هذه النقطة مقلق بالفعل، وقد عبّرت عن ذلك رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، بقولها إنها لا تثق في أن ترامب "سيحترم نتائج الانتخابات الرئاسية العام المقبل لو خسرها، ما لم يفز المرشح الديمقراطي بأغلبية ساحقة".
لكن خصوم ترامب الديمقراطيين ليسوا فقط من يشكك في أنه سيترك البيت الأبيض بسلاسة، حيث عبّر عن نفس المعنى محاميه الشخصي لمدة عشر سنوات مايكل كوهين، أثناء شهادته أمام لجنة الإشراف في مجلس النواب مطلع العام الجاري، بقوله إنه "يشعر بالقلق، لأنه لن يحدث أبداً انتقال سلمي للسلطة"، لو خسر ترامب في انتخابات 2020.
الطيور على أشكالها تقع!
نتوقف هنا عند ما يمكن أن نسميها "جماعة ترامب" من الزعماء الذين أبدى إعجابه بهم، فبخلاف الرئيس الصيني، نجد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي وصفه ترامب أكثر من مرة بأنه "رئيس عظيم". الرئيس المصري كان يفترض بحسب الدستور المصري ألا يظل في الحكم لأكثر من فترتين رئاسيتين، كل فترة مدتها 4 سنوات (مثل الدستور الأمريكي)، لكن تم تعديل الدستور لتصبح مدة الفترة الواحدة ست سنوات، مع إعطاء السيسي استثناء الترشح لفترة ثالثة، ليكون المجموع 18 عاماً، تنتهي عام 2032.
ورغم الانتقادات الدولية الواسعة للسيسي، والعزوف الشعبي الواضح عن المشاركة فيما عرف إعلامياً "بمسرحية تعديل الدستور"، كان ترامب الوحيد الذي لم يعلق على الأمر أثناء استقباله للسيسي في البيت الأبيض، في أبريل/نيسان الماضي، وكال له المديح كعادته.
يتمتع ترامب بعلاقات قوية مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وكلاهما بالطبع رئيس مدى الحياة، بحكم كون نظام الحكم ملكياً في الدولتين، كما أنه صديق مقرب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى للفوز في الانتخابات في سبتمبر/أيلول المقبل، ليظلَّ في منصبه لأكثر من عشرين عاماً.
في المقابل لا يكاد يكون لترامب علاقات خاصة مع أي من زعماء الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، حيث توجد النظم الديمقراطية الأقرب للنظام الأمريكي، ونتذكر ما حدث بينه وبين المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل في هذا السياق، لنقف عند طبيعة شخصية الرجل.
في ذات سياق علاقات ترامب الغريبة بالزعماء الذين لا يقيمون وزناً للديمقراطية، يأتي اتصاله الهاتفي باللواء الليبي المنشق خليفة حفتر، الذي تسبب في ارتباك شديد وحيرة، وأضاف المزيد من التعقيدات للصراع الدائر في ليبيا، بين حكومة معترف بها دولياً في طرابلس، وبين حفتر وقواته المدعومة من أصدقاء ترامب، السيسي وبن وزايد، وهما مَن أقنعاه بإجراء الاتصال الهاتفي المريب، بحسب الدوائر الأمريكية السياسية والإعلامية.
في ظل هذه السياقات هل يكون مستبعداً أن يسعى ترامب لتعديل الدستور الأمريكي ليظل رئيساً مدى الحياة، أو أن يرفض مغادرة البيت الأبيض تحت أي ذريعة يتوصل إليها.