خلال الأسبوع المقبل، سترأس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قمةً اقتصادية في العاصمة البحرينية المنامة، تهدف لجذب استثماراتٍ لمشروعات التنمية في الضفة الغربية، في خطوةٍ لبناء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على حد اعتقاد البيت الأبيض. وستحضر القمة وفودٌ من بضع حكومات عربية مُقرَّبة إلى الولايات المتحدة.
لكنَّ المشكلة هي أنَّ الدول الأخرى غير مقتنعة بها. فهي لن تشهد وجود أي وفد إسرائيلي رسمي، على الرغم من حضور مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين وجنرالٍ متقاعد بارز. فيما رفضت القيادة السياسية الفلسطينية ومجتمع الأعمال الفلسطيني بأكمله تقريباً المؤتمر رفضاً قاطعاً؛ إذ يرون أنَّ ترامب وحلفاءه لا يمكن أن يكونوا وسطاء صادقين بعد اتباعهم سياساتٍ معادية للفلسطينيين على مرِّ السنتين الماضيتين، تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
إدارة ترامب ترى صفقتها المرفوضة "فرصة جيل"
بيد أنَّ البيت الأبيض يمضي قُدُماً دون الاكتراث بذلك. ففي مقال نشر يوم 1 يونيو/حزيران، قال جيسون غرينبلات، الممثل الخاص لترامب في المفاوضات، إنَّ قمة البحرين هي "فرصة جيل"، وانتقد كبار المسؤولين الفلسطينيين؛ لأنهم لا "يدعمون مستقبلاً أفضل لشعبهم".
وردَّدت تصريحات غرينبلات الانتقادية نفاد صبر مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، صهر الرئيس والمبعوث الأمريكي الرئيسي الظاهري المعني بشؤون الشرق الأوسط، حين قال في مقابلةٍ مع موقع Axios الأمريكي الشهر الجاري يونيو/حزيران، إنَّه لا يكثرث بعدم "ثقة" الفلسطينيين به كمحاور.
ونظراً إلى جميع الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذتها إدارة ترامب لتقويض القضية الفلسطينية في العامين الماضيين، ليست هناك فرصة كبيرة لكسب ثقتهم.
"الفلسطينيون غير قادرين على حُكم أنفسهم"
لكنَّ الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنَّ كوشنر أشار إلى أنَّه يعتقد أنَّ الفلسطينيين في الوقت الحالي غير قادرين على حكم أنفسهم. إذ قال: "نأمل أن يصبحوا قادرين على (تولي) الحكم بمرور الوقت"، مضيفاً أنه غير متيقنٍ ممَّا إذا كانوا يستحقون السيادة الكاملة أو التحرر من التدخل العسكري الإسرائيلي، على حد وصفه.
ويرى الفلسطينيون ومنتقدو إدارة ترامب أنَّ هذه التصريحات تُبيِّن الكثير. إذ قالت حنان عشراوي، عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في مؤتمرٍ صحفي عُقِد يوم الثلاثاء 18 يونيو/حزيران ونظَّمه المركز العربي في واشنطن، إنَّ تصريحات كوشنر كانت "مثالاً بارزاً على اللغة الاستعمارية". وأضافت أنَّها "ليست مجرد انعكاس للعقلية العنصرية الاستعمارية، بل كذلك عدم فهم" لتطلعات ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت حنان: "هذه القضية لا تتعلق بما إذا كنا نستحق حقوقنا، لكننا نحتاج إلى حريتنا".
وكانت حنان، الأستاذة الأكاديمية والحقوقية الفلسطينية، تتحدث إلى الحضور في المركز العربي في واشنطن عبر رابط فيديو لأنَّ إدارة ترامب رفضت منحها في الشهر الماضي مايو/أيار تأشيرة السفر إلى الولايات المتحدة. ومع أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية لم تقدم أي سبب رسمي لهذا الرفض، قالت حنان إنَّها تظن أنَّ السبب وراء ذلك هو انتقادها لسياسات إدارة ترامب. ووصفت هذه الخطوة بأنَّها "تافهة وانتقامية".
"الشعب الفلسطيني أشد غضباً من قيادته"
وأضافت شعراوي أنَّ كوشنر وغرينبلات مخطئان إذا ظنَّا أنَّ أي محاورين فلسطينيين آخرين غير القيادة التقليدية سيمنحونهما فرصة إنصاتٍ أكبر لآرائهما. وقالت: "الشعب الفلسطيني كله أشد غضباً من القيادة".
وذكرت حنان أنَّ الولايات المتحدة تحوَّلت من كونها "متحيزة جداً" للاحتلال إلى "متواطئة" معه، مشيرةً إلى قرارات ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وإغلاق القنصلية الأمريكية التي كانت تقدم خدماتها للفلسطينيين، وقطع التمويل عن برامج مساعداتٍ فلسطينية. وقالت: "إنهم ليسوا مجرد مدافعين عن الهيمنة الإسرائيلية، بل مناصرين لها بقوة".
وقد أكَّد هذا الموقف ديفيد فريدمان السفير الأمريكي لدى إسرائيل في الشهر الجاري؛ إذ قال لصحيفة The New York Times الأمريكية إنَّ "إسرائيل لها الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية". وصحيحٌ أنَّ خروج هذا التصريح من فريدمان، وهو مؤيد معروف للمستوطنات اليهودية التي يعتبرها القانون الدولي غير قانونية، ليس مفاجئاً، لكنَّ المفاجئ هو أن يصدر ذلك عن المسؤول الأمريكي الأعلى في إسرائيل، في حين أنَّه ليست هناك أي إدارة جمهورية أو ديمقراطية سابقة قد أيَّدت هذه الخطوة علانية.
لكنَّ موقف فريدمان يعكس الوضع السياسي اليميني القائم في إسرائيل، الذي لا يهتم على الإطلاق بالسماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة. ويبدو الآن أنَّه يعكس كذلك التفكير السائد في البيت الأبيض.
البيت الأبيض لا يهتم بأمر الفلسطينيين من الأساس
إذ كتب آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي السابق الذي شارك سابقاً في مفاوضاتٍ بشأن الشرق الأوسط: "الإدارة الأمريكية لديها أجندة غير خفية تركز بوضوح على القضاء على حل الدولتين (الذي تخلى عنه ترامب وصحبته)، وتُصعِّب كذلك على الإدارات القادمة أن تتبناه، لا سيما إذا ضمَّت إسرائيل مناطق كثيرة من الضفة الغربية إليها في خطواتٍ أحادية الجانب".
وقالت حنان إن إدارة ترامب "عاملت أحد الجانبين على أنه أدنى منزلة من الآخر"، وشبَّهت تعهدات كوشنر وغرينبلات بتحقيق الازدهار الاقتصادي في المنطقة بعرض "جعل زنزانتك في السجن أجمل". وأشارت إلى ما لا يحصى من المبادرات الدبلوماسية السابقة التي روجت لحوافز اقتصادية قوية للفلسطينيين، لكنها لم تفعل شيئاً لضمان توفير ظروف سياسية تنهي الأزمة.
وقالت حنان: "القضية ليست المال، القضية هي الاحتلال"، مكررةً قولاً تعتقد أنه غائب عن المعجم السياسي لإدارة ترامب.
مشيرةً إلى أن "القواعد قد خرقت" في واشنطن حيال إسرائيل، حيث أصبح الديمقراطيون متعاطفين بشكل متزايد مع المحنة الفلسطينية. وحثت أي رئيس ديمقراطي محتمل على "أن يكون شجاعاً بما يكفي لإزالة أضرار" سياسات ترامب.
لكن هذه معركة سياسية لفترة أخرى. في الوقت الحالي، تريد حنان من كوشنر وغرينبلات أن يعرفا أنهما لن يكونا قادرين على إجبار الفلسطينيين على الرضا بهذه السهولة، وقالت: "لسنا على استعداد للتغافل الجماعي أو الاستلقاء بهدوء حتى الموت".