يمكن لاعتصار ذراعيك وساقيك ببساطةٍ أن يعود بالنفع على مخِّك، إذ تبيَّن أنَّ الضغط الإضافي قد يحسِّن من انتظام تدفُّق الدم إلى مخِّك، إلى جانب مستويات الجزيئات الواقية من السكتات الدماغية، بناءً على دراسةٍ جديدةٍ نُشرت في موقع Live Science الأمريكي.
دور وقائي
وقد وجدت الدراسة أنَّ الأشخاص الذين كانوا يرتدون سواراً منتفخاً لقياس ضغط الدم على ذراعٍ واحدةٍ وساقٍ واحدةٍ لمدَّة دقائق بصورةٍ دوريةٍ، كان تدفق الدم إلى أمخاخهم أكثر انتظاماً. ورفعت هذه الطريقة كذلك من مستوى جزيئات الدم التي أُشير سابقاً إلى أنَّها تلعب دوراً وقائياً في المُخ، كالوقاية من الإصابة بالسكتات الدماغية، وفقاً لما ذكرته مجموعةٌ من الباحثين يوم 29 مايو/أيار في دورية Neurology.
ورجَّحت بحوثٌ سابقةٌ أنَّ "تدريب" الأعضاء عن طريق حجز تدفق الدم، وبالتالي الأكسجين إلى هذه الأعضاء من خلال ضغط الذراعين والساقَين دورياً، قد يجعلها أكثر مرونةً عند حدوث مشكلات.
على سبيل المثال، قد يكون القلب المدرَّب أكثر تحمُّلاً للتغيُّرات الطارئة في مجرى الدم أثناء الإصابة بأزمةٍ قلبيةٍ. ويقول الباحثون إنَّ من الممكن أن يسمح هذا التدريب للمخِّ بتحسين تنظيم تدفق الدم إلى ذلك العضو، رغم التغيُّرات التي تحدث في ضغط الدم، في عمليةٍ تُسمَّى "التنظيم الذاتي الدماغي".
تحسين التنظيم الذاتي الدماغي
وصرَّحت كبيرة الباحثين القائمين على تلك الدراسة، الدكتورة يي يانغ، وهي طبيبة أمراضٍ عصبيةٍ بمستشفى "First Hospital" في جامعة جيلين الصينية، قائلةً:
"يُعتقد عامة أنَّ الخلل في التنظيم الذاتي الدماغي قد يزيد من خطورة الإصابات في المخ، بالأخص السكتات الدماغية، ولا توجد تقارير حاليةٌ عن كيفية تحسين التنظيم الذاتي الدماغي، بهدف الحدِّ من تلك الخطورة".
ويشعر الباحثون بتفاؤلٍ حيال قدرة هذه الضغطات البسيطة على الذراعين والساقين على الحدِّ من خطر الإصابة بسكتةٍ دماغيةٍ، لكن يلزم إجراء مزيدٍ من الأبحاث قبل التوصُّل إلى أي نتائج حول الوقاية من السكتات الدماغية.
تدريب الجسد
في هذه الدراسة الحديثة، استعان الباحثون بما يقرب من 50 شخصاً يتمتَّعون بصحةٍ جيدةٍ متوسِّط أعمارهم 35 عاماً. ومرَّ كل شخصٍ بيومَين متتاليَين من مراقبة ضغط الدم. وفي اليوم الثاني، وضع لهم سوار جهاز قياس ضغط الدم، واحدٌ حول العضد، وواحدٌ حول الفخذ.
ونُفِخ السوار لمدَّة 5 دقائق ثم فُرِّغ لمدة 5 دقائق، وتكرَّرت هذه العملية أربع مراتٍ. وسجَّل الباحثون ضغط دم المشاركين في الدراسة عند بداية اليوم وبصورةٍ دوريةٍ طوال الساعات الأربعة والعشرين التالية.
ووجد الباحثون أنَّه بعد 6 ساعاتٍ من التعرُّض لضغط السوار، تحسَّن الضغط الذاتي الدماغي لدى أولئك الأفراد، وظلَّ متحسِّناً لما لا يقل عن 18 ساعةً.
وقاس الباحثون التنظيم الذاتي الدماغي جزئياً باستخدام موجاتٍ فوق صوتيةٍ، لقياس تدفق الدم داخل الشريانَين الرئيسيَّين بالمخِّ.
قدرة الخلية على البقاء
وأخذ العلماء كذلك عيِّنات دم في بداية كل يومٍ وبعد ساعةٍ واحدةٍ من الضغط، ووجدوا أنَّه بعد ساعةٍ من التعرُّض للضغط الذي أضافة السوار، تزايدت أعداد واسماتٍ حيويةٍ معيَّنةٍ (الواسمات الحيوية هي جزيئاتٌ تلعب دور علامات على وجود حالةٍ ما في الجسد) مقارنةً بمستوياتها قبل التجربة.
وعلى التحديد، وجدوا زيادةً في واسمَين حيويَّين يُعرفان بأنَّهما يحميان الجهاز العصبي، يُدعى أحدهما "عامل التغذية العصبية المستمدُّ من الخط الخلويِّ الدبقيِّ/glial cell line-derived neurotrophic factor"، وقد ثبت سابقاً أنه يعزِّز قدرة الخلية على البقاء، ويساعد في تجديد الخلايا العصبية التالفة ومعالجتها.
فضلاً عن ذلك، فقد وجدوا تغيُّراتٍ كبيرةً في مستويات الواسمات الحيوية المسؤولة عن تنظيم الالتهاب في الجسد. يعتقد العلماء أنَّ الالتهاب يلعب دوراً في عددٍ من الأمراض، كمرض السكري وأمراض القلب والزهايمر والاكتئاب. إلا أنَّ بعض هذه الواسمات تُزيد من الالتهاب، وبعضها مضادٌّ للالتهاب، وذكر الباحثون أنَّه ليس من الواضح إذا كانت التغيُّرات الطارئة على هذه الواسمات مفيدةً للمخِّ أم لا.
الوقاية من السكتات الدماغية
قالت الدكتورة يي يانغ لموقع Live Science: "مع أننا لا نستطيع التوصُّل إلى استنتاجاتٍ بأن (هذا التدخل) قادرٌ على منع الإصابة بسكتات دماغية، فما زلنا متفائلين".
ويشير الباحثون إلى أنَّ الآثار الوقائية لم تُثبَت صحَّتها، ومع أن هذا يبدو آمِناً نسبياً، فهم لا ينصحون الناس بتجربة هذا بمفردهم دون استشارة أطبائهم.
وفي مقال مصاحب للدراسة كتبه الدكتور بول نايكويست، طبيب الأمراض العصبية بكلية الطب بجامعة جونز هوبكينز، والدكتور ماريوس جورجاكيس، الباحث بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، أوضحا أنَّ هذه الدراسة "تمنحنا معرفةً فريدةً على الطريقة التي يتلافى بها بعض مرضانا الذين يعانون من عدَّة عوامل تزيد من خطر الإصابة بسكتةٍ دماغيةٍ الهلاك المحتوم بفعل سكتةٍ دماغيةٍ إقفاريةٍ". يُذكَر أن كاتبَي المقال لم يشتركا في الدراسة.
مع ذلك، فهما يشيران إلى أن هذه الدراسة قد أُجرِيَت على أشخاصٍ هم نسبياً صغيرون في السنِّ ويتمتَّعون بصحةٍ جيدةٍ، ولا ينبغي تطبيق النتائج على البالغين الأكبر سناً أو المصابين بالأمراض الوعائية. وورد في مقالهما:
"لهذا، فإن الأفراد المصابين بمرضٍ وعائيٍّ دماغيٍّ الذين قد يستفيدون بالفعل (أي من الدراسة) ربما لا يبدون الاستجابة الملحوظة ذاتها لسوار ضغط الدم".
وتأمل يي يانغ وفريقها في إجراء دراساتٍ لاحقة معتمدة على هذه الدراسة، للوقوف على إمكانية أن تساعد هذه الضغوط المرضى أو الخاضعين للأبحاث الأكثر عرضةً للسكتات الدماغية.