بعد أن تجنب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكونغرس على مدار أشهر ماضية، من أجل تعزيز علاقته "المثيرة للجدل" مع السعودية، بدأت، الإثنين 10 يونيو/حزيران 2019، مبادرةٌ داخل مجلس الشيوخ قد تغير الأمور في علاقة ترامب بالرياض.
ففي شهر مايو/أيار الماضي، استخدم وزير الخارجية مايك بومبيو ثغرةً قانونية لتصدير ما قيمته 8 مليارات دولار من الأسلحة إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة.
هذا الأمر أغضب أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من كلا الحزبين، وهم الذين يمتلكون سلطة الموافقة أو الرفض فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة الأمريكية، وذلك بسبب أن الرياض لم تُواجه حتى الآن عقاباً حقيقياً لقتل الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي.
كما أنَّ السعودية والإمارات شنتا حرباً بدعم أمريكي مستمرة منذ 4 سنوات في اليمن أدت إلى مقتل ما يزيد على 50 ألف شخص، وتركت عشرات الملايين في حاجةٍ إلى مساعداتٍ إنسانية.
كيف يبيع ترامب للسعودية أسلحة دون موافقة مجلسي الشيوخ والنواب؟
لكن ثمة بندٌ في قانون صادرات الأسلحة الأمريكية يسمح للسلطة التنفيذية ببيع الأسلحة بدون موافقة مجلسي الشيوخ والنواب إن كانت ثمة حالةٌ طارئة تتطلب بيع الأسلحة بما يخدم الأمن القومي للولايات المتحدة.
ويقول الخبراء إنَّ الإدارات المتعاقبة نادراً ما استخدمت هذا البند؛ لأنَّه مثيرٌ للجدل، ولأنَّه من الصعب للغاية إثباتُ أنَّ البند ينطبق على حالةٍ معينة. لكن إدارة ترامب اختارت استخدام هذا البند في هذه الحالة، مرتكزةً على تهديد محتمل من إيران ضد حليفيها الخليجيين.
من الواضح الآن أنَّ المشرعين الأمريكان يريدون أن يكون لهم دورٌ أكبر بكثير. فقد أعلن السيناتور تود يانغ (جمهوري من إنديانا) والسيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من كونيتيكت) العضوان في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الأحد 9 يونيو/حزيران أنهما سيقدمان مشروع قانونٍ يجبر أعضاء مجلس الشيوخ على التصويت على إرسال الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى السعودية.
وعن تفاصيل القانون الذي يعتزم النائبان إصداره، فإنه سيتضمن تصويت الأعضاء على طلب تقرير من إدارة ترامب حول سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان.
بعد استلام التقرير، وخلال 30 يوماً، وهي المهلة القانونية المحددة، يمكن للمجلس أن يصوت إما على بيع الأسلحة للسعودية أو منح أي دعم أو العكس.
وقال السيناتور كريس مورفي في تغريدة: "مشروع القانون الذي سنتقدم به أنا وتود يانغ مبتكر، يطالب إدارة ترامب أولاً بتقديم تقرير حول حقوق الإنسان في السعودية. وعندما يُقدَّم التقرير، حينها نستطيع إجبار المجلس على التصويت على إصلاح العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية، وسيُتخذ القرار بأغلبية 50 صوتاً".
ولدى يانغ ومورفي، توجس من العلاقة الحميمية بين ترامب والسعودية وفي الحرب اليمنية، حيث يعتقدان أنَّ قانونهما سيساعد المجلس في استعادة بعض سلطته على السياسة الخارجية الأمريكية.
هل سينجح النائبان في قلب الأمور وضبط علاقة ترامب بالرياض؟
وقال يانغ في تصريح: "مبيعات أسلحتنا إلى السعودية تتطلب مراقبةَ المجلس. هذا القرار الذي يشارك فيه الحزبان يسأل ببساطة وزير خارجيتنا بعض الأسئلة الأساسية قبل استكمال بيع هذه الأسلحة. العملية التي نطلقها ستسمح للمجلس بتقييم علاقتنا الأمنية مع السعودية، وليس فقط بيع الأسلحة لمرة واحدة، كما ستسمح باستعادة دور المجلس في صنع السياسة الخارجية الأمريكية".
يمكن أن تفشل مبادرتهما بالطبع، فقد قال متحدثٌ باسم وزارة الخارجية يوم الأحد لمجلة Politico إنَّ مبيعات الأسلحة ستمضي قدماً؛ لأنَّ الأسلحة "ضرورية لمساعدة شركائنا في الدفاع عن أنفسهم، ومن أجل تعزيز التغييرات الأخيرة في الموقف الأمريكي في المنطقة لردع إيران".
من غير الواضح أيضاً كمية الدعم الذي سيتلقاه العضوان بمجلس الشيوخ حين يتقدمان بمشروع القانون المذكور.
لكن الأمر الواضح هو أنَّ إدارة ترامب مستمرة في مواجهة المقاومة القوية من المجلس حول تحالفها الثابت مع السعودية، وهذا ما يسبب صداعاً كبيراً للبيت الأبيض.
الكونغرس يمثل التهديد الأكبر لعلاقاتٍ أوثق بين أمريكا والسعودية
خلال الأسبوع الماضي انضم يانغ ومورفي إلى مجموعةٍ أكبر من الحزبين، تتضمن أحد أعتى حلفاء ترامب، السيناتور ليندسي غراهام، لإيقاف 22 صفقة بيع أسلحة للسعودية. وتأتي مبادرة يانغ ومورفي الجديدة بموازاة ذلك المسعى.
وترمز هاتان المبادرتان إلى مدى اتساع الحملة في المجلس لفصل واشنطن عن الرياض.
ففي أبريل/نيسان الماضي، مرر المجلس "قانون سلطات الحرب" التاريخي الذي كلف ترامب بسحب القوات الأمريكية المشتركة في "عمليات عدائية" في الحرب اليمنية. لكن ترامب استخدم حق الفيتو ضد القانون بسبب التزامه بالتحالف الراسخ مع السعوديين، دون الإشارة إلى علاقته الشخصية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أمر بقتل الخاشقجي.
لكن هذا لم يمنع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب والناشطين من محاولة فك أسرار تلك العلاقة، وكما نقلت مراسلة موقع Vox الأمريكي، تارا غولشان، الأسبوع الماضي، فإنَّ التقدميين في مجلس النواب قد يستخدمون إقرار ميزانية وزارة الدفاع السنوية لإجبار ترامب على تغيير سياسته تجاه الشرق الأوسط.
وقد أرسل ائتلافٌ مكون من أكثر من 40 مجموعة ناشطة رسالةً إلى كل عضو في مجلس النواب يطالبون فيها بتضمين بنودٍ تحظر نقل وبيع وتصدير أي مواد دفاعية يمكن استخدامها في الحرب في اليمن لمدة عامين على الأقل، وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية، سواء الاستخباراتية منها أو اللوجستية، للسعودية والإمارات في حربهما على اليمن.
وقال حسان الطيب، الرئيس المشارك لمجموعة "Just Foreign Policy" أي "السياسة الخارجية العادلة"، وهي مجموعة تقدمية معنية بالسياسة الخارجية تقدمية، لغولشان مراسلة Vox: "نحاول تعزيز تصميم أعضاء الكونغرس (على اتخاذ موقف) إذ نقترب من مناقشة ميزانية الدفاع الوطنية. لدينا زخمٌ هنا، وما يبقى مجهولاً الآن هو ما إذا كان لدى الكونغرس الإصرار الكافي للقيام بما هو مطلوب".
تأمل السعودية وترامب عكس هذا، لكن يبدو بشكل متزايد أنَّ الديمقراطيين والجمهوريين في المجلسين يعتقدون أن لديهم الإصرار الكافي.