تَقدَّم لها، وقال إنه مسلم وثري.. حكاية زواج صينيٍّ من مسلمة بدأت بآمال جميلة وانتهت بالصدمة

كان والدا ربيعة كانوال على يقين بأنَّ زواجها من مسلم صيني ثري، قابلته مؤخراً، سيضمن لها مستقبلاً مريحاً بعيداً عن معاناة حياتها الشاقة في باكستان. ومع ذلك، كان لدى كانوال شعورٌ داخلي بأنَّ شيئاً ما سيحدث.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/06/02 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/02 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش

كان والدا ربيعة كانوال على يقين بأنَّ زواجها من مسلم صيني ثري، قابلته مؤخراً، سيضمن لها مستقبلاً مريحاً بعيداً عن معاناة حياتها الشاقة في باكستان. ومع ذلك، كان لدى كانوال شعورٌ داخلي بأنَّ شيئاً ما سيحدث.

قالت كانوال، البالغة من العمر 22 عاماً، وتعيش في حي فقير بمدينة جوجرانوالا في إقليم البنجاب شرقي باكستان: "لم أكن متحمِّسة، شعرت بأنَّ شيئاً سيئاً سيحدث"، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية

تعتبر الزيجات المُرتّبة أمراً شائعاً في باكستان، لكن هذا الزواج كان غريباً، التقى العريس، الذي قال إنَّه مزارع ثري يعمل في مجال تربية الدواجن، بعائلة كانوال خلال زيارته السياحية لباكستان.

كان يتعيَّن عليه استخدام تطبيق ترجمة ثنائي اللغة صيني-أردو للتواصل معهم، لكنَّه ترك انطباعاً إيجابياً بوجهٍ عام.

مضت كانوال قدماً في إتمام حفل الزفاف

ومع ذلك، قالت إنَّها شعرت بخيبة أمل إزاء ما وجدته عند انتقالها إلى الصين مع زوجها الجديد، في شهر فبراير/شباط، لقد كان مزارعاً فقيراً، وليس ثرياً، والأسوأ من ذلك لم يكن مسلماً.

أُعيدت كانوال إلى الوطن في غضون أيام لاحقةٍ بمساعدة السفارة الباكستانية، وقدَّمت دعوى تطلب الطلاق.

تُعتبر نهاية قصة كانوال سعيدة نسبياً، إذ اهتزَّت باكستان في الأسابيع الأخيرة جراء اتهامات بأنَّ ما لا يقل عن 150 عروسة أُحضرن إلى الصين بحججٍ واهية، ولم يتعرَّضن للكذب والخداع فحسب، بل أُجبرن في بعض الحالات على ممارسة البغاء. وقالت آخريات إنَّهن أُجبرن على العمل في الحانات والنوادي، وهي ممارسة غير مقبولة في الثقافة الباكستانية الإسلامية المحافظة.

لا تُعتبر قصة كانوال حدثاً غير مألوف في الصين

تُعد الصين واحدةً من أكثر دول العالم التي تعاني اختلالاً حاداً في التوازن بين الجنسين، فوفقاً للبنك الدولي يبلغ عدد الرجال 106.3 رجل لكل 100 امرأة، ابتداءً من عام 2017.

جاء هذا الانحراف نتيجة الالتزام بالتطبيق الصارم لسياسة الطفل الواحد الصينية على مدار ما يقرب من 3 عقود، وتفضيل الأولاد على البنات، وهو مزيج تسبَّب في عدد لا يُحصى من حالات الإجهاض القسري، وقتل المواليد الإناث.

لكنَّ التكاليف البشرية طويلة الأجل لهذا الاختلال في التوازن بين الجنسين لم تظهر تداعياتها الملموسة إلا في الآونة الأخيرة، وبدأت تُحدث تأثيراً يتجاوز حدود الصين.

الحلّ في الزواج من أجنبيات

مع بدء الذكور المولودين خلال عهد سياسة الطفل الواحد في بلوغ سن الزواج، زاد الطلب على الزوجات الأجانب مثل كانوال، حتى مع تخفيف الحكومة الصينية القيود المفروضة على الإنجاب.

تُشكّل مزاعم الاتجار بالنساء جانباً مزعجاً للوجود المتنامي للصين في باكستان، وهي حليف قديم وطَّد صِلاته في الآونة الأخيرة، من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية، من بينها مشروع الصين الضخم للاستثمار في البنية التحتية، المعروف باسم  "مبادرة الحزام والطريق".

يسافر كثير من الصينيين إلى باكستان بصفتهم عمالاً ومستثمرين، وبدأت محلات وشركات تجارية أخرى في تلبية احتياجاتهم بوجهٍ خاص، عبر تقديم خدمات توريد الأطعمة والمشروبات في العاصمة الباكستانية إسلام آباد.

وقد اتَّخذت الحكومة الباكستانية إجراءاتٍ صارمة ضدَّ الوسطاء، الذين قيل إنَّهم رتَّبوا تلك الزيجات، واعتقلت السلطات الباكستانية ما لا يقل عن 24 مواطناً صينياً وباكستانياً بتهمة الاتجار بالبشر.

في الوقت نفسه، نفت السفارة الصينية ما يُثار بشأن تعرُّض الزوجات الباكستانيات لسوء المعاملة في الصين.

ومع ذلك، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الشهر الماضي أبريل/نيسان، إنَّ مزاعم الاتجار بالبشر "تشبه على نحوٍ مُقلق" النماذج السابقة، التي جرى فيها جلب نساء من دول آسيوية فقيرة أخرى -مثل كوريا الشمالية وميانمار وكمبوديا ولاوس وفيتنام- إلى الصين كعرائس، وتعرَّضن هناك للاستغلال وسوء المعاملة.

وكتبت صوفي ريتشاردسون، مديرة قسم الصين وآسيا في هيومان رايتس ووتش، على موقعها الإلكتروني: "ينبغي لكلٍّ من باكستان والصين التعامل بجدية مع الأدلة المتزايدة، التي تفيد بأنَّ النساء والفتيات الباكستانيات يواجهن خطر العبودية الجنسية".

وقال محقِّقون باكستانيون إنَّ الرجال في الصين دفعوا للوسطاء من أجل ترتيب زيجات مع نساء محليات، والإقامة في منازل مستأجرة في باكستان حتى إتمام حفل الزفاف. وأضاف المحققون أنَّ الرجال الصينيين دفعوا تكاليف مراسم الزواج، وفي بعض الحالات دفعوا لعائلات النساء ما يعادل آلاف الدولارات.

يأخذ الصينيون الفتيات وفقاً للقانون.. قبل كشف الخداع الذي تعرَّضن له

ومع ذلك، لا توجد أي مخالفة قانونية في كل ذلك، بحسب القانون الباكستاني. تأتي اتهامات الاتجار بالبشر من الادعاءات القائلة بأنَّ النساء أُجبرن على ممارسة البغاء أو أُحضرن إلى الصين بحجج واهية. ويقول المحقِّقون إنَّ الرجال الصينيين قدَّموا في بعض الحالات وثائق مزوّرة تفيد بأنَّهم مسلمون.

وذكر المحقِّقون أيضاً أنَّ رجالاً آخرين بحثوا عن زوجات من الأقلية المسيحية في باكستان، حيث عدد كبير منهن فقيرات ويتعرَّضن للتمييز، لكن جميع النساء تقريباً، مسيحيات ومسلمات على حدٍّ سواء، سافرن على أمل تحقيق مستقبل أفضل من الناحية الاقتصادية.

وقالت كانوال: "قال والداي إنَّ بنات جارتنا سعداء في الصين، ومن ثمَّ سأكون سعيدة أيضاً".

الصدمة عند الوصول إلى الصين

ذكرت أنَّها التقت بزوجها في مكتب وسيط زواج في إسلام آباد، حيث كان هناك العديد من الرجال الصينيين والنساء الباكستانيات. ووفقاً لكانوال، قال العريس لعائلتها إنَّه مسلم، ونطق الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، حيث يتعيَّن على كلِّ أتباع الدين الإسلامي معرفتهما والإيمان بهما.

لكن كانوال لم تره يصلِّي قطّ، حتى عندما زارا مسجد "الملك فيصل" الشهير في إسلام آباد.

وفي فبراير/شباط، بعد حفل الزفاف، سافر الزوجان إلى أورومتشي، عاصمة إقليم منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين، وبعد التوقف لفترة قصيرة هناك، سافرا إلى مقاطعة خنان في وسط الصين.

ثم بعد مرور أربع ساعات بالسيارة، وسط حقول القمح والذرة، وصلوا إلى قرية دونغتشنغ بمقاطعة شاندونغ، حيث شاهدت مزرعة البطّ التي يمتلكها زوجها، لم تكن المزرعة ممتدةً مترامية الأطراف كما تصوَّرت كانوال، كمزرعة رجل ثري، بل كانت مزرعة عائلية متواضعة، حيث كان يعيش زوجها مع والديه وأخويه الاثنين.

وقالت كانوال: "لم يكونوا حتى مسلمين، لقد خدعنا طوال الوقت، لم يكن في منزلهم حتى مراحيض وأماكن اغتسال لائقة، شعرت بالضيق والغضب وبدأت في البكاء".

لكن زوجها تشانغ شوتشين (33 عاماً) يروي قصة مختلفة

أقرَّ المزارع الصبياني، أثناء تناول وجبة من كبد الخنزير والطماطم والبيض المقلي بالقرب من منزل عائلته في قرية دونغتشنغ، بأنَّه سافر إلى باكستان في أواخر العام الماضي، ودفع حوالي 14 ألفاً و500 دولار، إلى وسيط صيني، من أجل العثور على عروس باكستانية تعود معه إلى الوطن.

وأشار إلى أنَّ هذه كانت زيارته الأولى لباكستان، قائلاً إنَّ الفقر هناك ذكَّره بالصين خلال فترة الثمانينات والتسعينات. وأوضح أنَّه عندما قابل ربيعة كانوال لأول مرة أُعجب بها، مؤكداً أنَّه كان صريحاً معها بشأن أنَّه ليس مؤمناً حقيقياً، على الرغم من اعتناقه الإسلام على الورق.

وقال تشانغ في مقابلة مع صحيفة The New York Times الأمريكية: "أخبرتها أنني لست مسلماً"، مضيفاً أنَّ كانوال علَّمته أول مبادئ الدين الإسلامي.

في المقابل، واصلت كانوال لاحقاً إصرارَها على أنَّها لم تكن تعرف أنَّ تشانغ غير مسلم، ونفت أنَّها علَّمته أول مبادئ الدين الإسلامي.

وذكر تشانغ، الذي كان يعمل سابقاً في مستودع للوجستيات جنوبي الصين، أنَّه يكسب حالياً حوالي 2900 دولار شهرياً من تربية البط.

لم تتمكَّن صحيفة The New York Times من التحقَّق بشكل مستقل من دخل تشانغ، لكن في زيارة مؤخرة إلى منزل عائلت وجد مراسل الصحيفة الأمريكية مجمعاً سكنياً بُنى حديثاً، مع غرف نوم متعدّدة وأرضيات مبلّطة لامعة.

وذكرت والدة تشانغ، التي تعيش في العقد السادس من عمرها، أنَّها كانت تشعر بالحيرة من ردود أفعال كانوال.

وقالت، في حين كان هناك كلب حراسة صغير ينبح في مكانٍ قريب من منزل العائلة: "كانت كانوال شخصية متديّنة، لذا عندما جاءت حرصت على عدم إعطائها أي لحم خنزير، طهوت لها الدجاج المقلي وعجة البيض، لكن بغضّ النظر عمَّا قدَّمته لها، رفضت تناول أي طعام".

تعرَّضت كانوال للحبس، وهكذا نجت من العائلة الصينية

على الجانب الآخر، ذكرت كانوال أنَّ عائلة زوجها حبستها في غرفة لمدة يومين، في محاولة للضغط عليها حتى تبقى، لكن تشانغ أنكر هذا الادَّعاء. وتمكَّنت كانوال من إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى السفارة الباكستانية، التي أوصلتها بالشرطة الصينية، وقد ذهبت الشرطة إلى القرية وأحضرتها، ورتَّبت مع السفارة إجراءات عودتها إلى باكستان.

وقالت كانوال عن فترة إقامتها في الصين، التي دامت 8 أيام، إنَّها "مروّعة لا يُمكن وصفها بكلمات".

وأضافت: "كنت أصلي يومياً لساعات، داعيةً الله أن يعيدني بأمان إلى بلدي وأهلي".

رفعت كانوال الشهر الجاري دعوى طلاق بمحكمة الأسرة في غوجرانوالا، قائلة في طلبها إنَّ تشانغ أجبرها على ممارسة "أنشطة غير أخلاقية"، وإنَّها "تُفضِّل الموتَ على العيش معه".

وبعد أن تحدَّثت وسائل الإعلام في باكستان عن المداهمات واتهامات الاتجار بالنساء، قالت السفارة الصينية إنَّها تدعم جهود الحكومة الباكستانية لمكافحة الجريمة، لكنَّها أنكرت أنَّ الزوجات الباكستانيات في الصين أُجبرن على ممارسة البغاء، أو جرى سرقة أعضائهن، وهي مزاعم ذُكرت في بعض التقارير الإخبارية الباكستانية، في حين قال المحققون إنَّه لم تتوافر أدلة كافية لإثباتها.

في نفس الوقت تقريباً الذي عادت فيه كانوال إلى باكستان، صدر قرارٌ بإغلاق وكالة الزواج المحلية، التي لجأ إليها العديد من رجال قرية دونغتشنغ، لمساعدتهم في العثور على زوجات باكستانيات.

لكن وفقاً لما قاله تشانغ وغيره من سكان القرية، لا يزال هناك عدد من النساء الباكستانيات يعشن في المنطقة. ويقال إنَّ زوجتين باكستانيين في قرية مجاورة في حالة حمل.

وعندما سئلت عن سبب ذهاب الكثير من الرجال المحليين إلى باكستان للعثور على زوجات، قالت والدة تشانغ: "لا توجد فتيات هنا، لم يكن مسموحاً لنا بإنجاب مزيد من الأطفال، لذا أراد الجميع إنجاب أطفال ذكور".

علامات:
تحميل المزيد