جاءت رياح الانتخابات الإسرائيلية بم لا يشتهيه عراب صفقة القرن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأصبح مستقبل رجل الصفقة في إسرائيل بنيامين نتنياهو السياسي على المحك بعد الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة عقب الفشل في تشكيل حكومة، فهل تكون فوضى إسرائيل السياسية المسمار الأخير في نعش الصفقة المشؤومة؟
بعد شهر واحد من تصويت الإسرائيليين في انتخابات وطنية، فشل نتنياهو في تشكيل حكومة بحلول الموعد النهائي منتصف ليل الأربعاء 29 مايو/أيار 2019، فاختار دفع البرلمان إلى حل نفسه بدلاً من المجازفة بأن ينتزع عدوه السياسي بيني غانتز رئاسة الوزراء من قبضته.
ومن المقرر إجراء انتخابات جديدة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل، وقد لا تتولى الحكومة المقبلة السلطة حتى أكتوبر/تشرين الأول أو وقت أبعد.
احتمالات التأجيل
وكما فعلت في وقت سابق قبل انتخابات أبريل/نيسان من هذا العام، فمن المرجح أن تؤخر واشنطن نشر تفاصيل خطتها للسلام حتى تنتهي الحملة الانتخابية، لكن عندها سيكون ترامب على وشك الاستعداد لحملته الانتخابية هو نفسه لعام 2020، ومن ثم سيكون غير قادر على تقديم ضمانات طويلة الأجل نيابة عن بلده، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
رفضت القيادة الفلسطينية بالفعل خطة واشنطن غير المعلنة، مستشهدة بانحياز ترامب المؤيد لإسرائيل، وتأخير ما يشير إليها الرئيس الأمريكي باعتبارها "صفقة القرن" وقتاً أطول، قد يدفع بها إلى حالة من الشك.
وقال المفاوض الفلسطيني البارز صائب عريقات، بعد تصويت الكنيست: "إنها الآن صفقة القرن المقبل".
أما دان شابيرو السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل فقال: "إن خطة ترامب للسلام تجمد، ربما بشكل دائم"، بحسب الغارديان.
شابيرو أخبر فورين بوليسي: "أعتقد أنَّه يتعين عليهم تأجيل طرح الخطة في المستقبل المنظور"، مضيفاً إنَّه "لا يوجد أحد في المنطقة متحمس حقاً لاستقبال هذه الخطة".
وأضاف: "لا يوجد مجال حقيقي لطرح خطة خلال حملة انتخابية إسرائيلية. لذا، يتعين عليك الآن البدء من جديد. وأول شيء هو النجاح في أن يكون لديك حكومة إسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني. بحلول ذلك الوقت، ستجد نفسك في خضم سياسات ترامب الخاصة بعام الانتخابات، وسيصبح ذلك عاملاً مؤثراً. لذا، هناك على الأقل احتمالية عدم طرح هذه الخطة على الإطلاق".
فوضى سياسية غير مسبوقة
كانت الإدارة الأمريكية تعمل على مبادرة سلام منذ تولي ترامب المنصب في عام 2017، لكنّها قرَّرت تأجيل طرحها بعد أن دعا نتنياهو لأول مرة إلى إجراء انتخابات مبكرة في شهر أبريل/نيسان وطوال أسابيع من مفاوضاته لتشكيل حكومة ائتلافية من أجل تجنَّب جعل رئيس الوزراء يواجه أي صعوبة سياسية، لدرجة أنَّ ترامب في تغريدة له هذا الأسبوع على موقع تويتر حاول حث جميع الأطراف على إنجاح المفاوضات الائتلافية.
ولكن عملية مناداة الأسماء داخل الكنيست كانت مشهداً مُحيّراً للعقل، إذ صوَّت أعضاء الكتلة اليمينية المفترض أنَّها منتصرة لصالح إلغاء إنجازهم بحل البرلمان، في حين أبدى مشرّعون من كتلة يسار الوسط المهزومة رغبتهم في الحفاظ على البرلمان. في الوقت نفسه، انضم نواب من الأحزاب التي يهيمن عليها العرب، والتي سعى نتنياهو إلى نزع شرعيتها، إلى حلفاء رئيس الوزراء للمساعدة في مناورته لتشكيل حكومة.
خرج نتنياهو من انتخابات 9 أبريل/نيسان بتفويض شعبي كبير –إذ وسّع حزبه "الليكود" تمثيله البرلماني بزيادة 5 مقاعد، وحقَّقت الاحزاب اليمينية والدينية المُتشدَّدة أغلبية داخل الكنيست المؤلف من 120 مقعداً.
لكن عندما فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف حاكم، تقلَّص حيز المناورة المتاح له في المفاوضات جراء خطة المدعي العام الإسرائيلي أفيشاي ماندلبليت لتوجيه اتهامات إليه بالفساد في جلسة استماع.
موقف نتنياهو حرج للغاية
وفي إشارة إلى تركيز رئيس الوزراء الإسرائيلي على مصالحه القانونية، سعى أعضاء حزب الليكود إلى تأمين التزامات من شركاء الائتلاف لتمرير قانون يمنحه حصانة بأثرٍ رجعي من المقاضاة وقانون يسمح للكنيست بتجاوز قرارات المحكمة العليا. سلَّطت تلك المقترحات، التي يُنظر إليها باعتبارها محاولة لتحصين نتنياهو من المحاكمة، مزيداً من الضوء على مدى تعرضه للابتزاز السياسي من جانب شركاء الائتلاف ذوي الفكر المماثل من الأحزاب اليمينية والدينية.
قال ناتان ساكس، مدير مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز لفورين بوليسي: "هذه مفارقة موقف نتنياهو: من ناحية، استطاع الفوز بهذا النصر الانتخابي الكبير وتحقيق تقدم ونجاح على مدار شهرين ماضيين، لكن مشاكله الشخصية والقانونية تجعله في موقف ضعيف للغاية عند التفاوض على اتفاقات الائتلاف مع الآخرين من ناحية أخرى".
وأضاف: "ربما تعتمد حريته الشخصية على قدرته على تشكيل حكومة وتغيير القانون. لقد أصبح ضعيفاً للغاية وأكثر عرضة لابتزاز شركاء الائتلاف".
على عكس المنعطفات الحاسمة السابقة التي مرَّ بها على مدار أكثر من عقد من الزمان في منصبه، لم يستطع نتنياهو إستمالة أحزاب من كتلة اليسار للانضمام إلى الائتلاف، مما زاد من تآكل نفوذه.
في نهاية المطاف، وجد رئيس الوزراء نفسه محاصراً بمطالب متضاربة من شركاء الائتلاف المحتملين. طالب ليبرمان، وهو خصم سياسي منذ فترة طويلة، بتمرير قانون من شأنه إلغاء إعفاءات التجنيد العسكري التي يتمتَّع بها طلاب المدارس الدينية اليهودية (اليشيفا). كانت الأحزاب الدينية المُتشدّدة دائماً ما تنظر إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية باعتباره تهديداً لنمط حياتهم.
وقال يوهانان بليسنر، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، إنَّ "كتلة اليمين والدين ليستا متجانستين كما كان يتصور المرء".
وأضاف: "ما نراه هو أنَّ هناك مجموعة قوية ومهمة من الإسرائيليين العلمانيين يُعرّفون أنفسهم بأنَّهم يمينيون. هم يريدون حكومة يمينية، لكنَّهم لا يريدون حكومة تسمح لليهود المتشددين باكتساب وضع يسمح لهم باتخاذ القرار في عالم الدين والدولة والأجندة المحلية بأكملهم".
أسوأ هزيمة سياسية
يمكن وصف فشل نتنياهو في تشكيل حكومة بأنَّه أسوأ الهزائم السياسية في حياته المهنية. وقد أظهرت معظم استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الأخيرة أغلبية ثابتة تؤيد تشكيل حكومة ائتلافية يمينية.
ومع ذلك، تتيح تلك البداية الانتخابية الجديدة إمكانية إنشاء تحالفات جديدة بين الأحزاب السياسية والمرشحين الجُدد لدخول المعركة الانتخابية، مما قد يؤثر على النتيجة النهائية. ويُصعب التنبؤ إلى أي مدى ستؤثر عملية إعادة الانتخابات على نسبة المشاركة لأنَّ إسرائيل لم تعقد قط انتخابات مرتين متتاليتين خلال هذه المدة الزمنية القصيرة.
تتطلَّع الأحزاب، التي يهيمن عليها العرب، إلى إعادة بناء قائمة مرشحين موحدة، والتي تفكَّكت هذا العام، على أمل إعادة تنشيط الدوائر الانتخابية بعد تسجيل أدنى معدل مشاركة على الإطلاق بين العرب الإسرائيليين. قد تسعى أيضاً المجموعات السياسية من اليمين الإسرائيلي إلى الاندماج لتتجنَّب تفتيت الأصوات للفوز بعدد الـ 4 مقاعد على الأقل، التي ذهبت إلى أحزاب قد فشلت في اجتياز نسبة الحسم المطلوبة حالياً في انتخابات الكنيست (العتبة الانتخابية) البالغة 3.25% في انتخابات أبريل/نيسان.
لكن حتى لو حقَّق نتنياهو فوزاً انتخابياً للمرة السادسة في انتخابات سبتمبر/أيلول، لن ينجو من المشكلة. إذ أنَّه من المقرر أن يواجه جلسة استماع قانونية مع المدعين العامين بعد أسابيع قليلة من التصويت، ثم قراراً نهائياً من المدعي العام الإسرائيلي بشأن ما إذا كان سيمضي قدماً في خطة إدانة رئيس الوزراء. عند هذه النقطة، سيكون قد فات الأوان بالنسبة لنتنياهو لكي يدفع باتجاه سن قوانين تحميه من المحاكمة.
وفي مصادفة محرجة، تفاقم الوضع المتدهور بالفعل عندما وصل كوشنر، ومبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات إلى إسرائيل لمناقشة طرح اتفاق السلام غير المُحدَّد للعلن. التقى نتنياهو بكوشنر وغرينبلات يوم الخميس 30 مايو/أيَّار في القدس، لكن لم يُكشف عن تفاصيل محادثاتهم.
يجوب الثنائي كوشنر وغرينبلات حالياً منطقة الشرق الأوسط تمهيداً لعقد مؤتمر إقليمي في البحرين الشهر المقبل يونيو/حزيران يُركّز على التنمية الاقتصادية للفلسطينيين. وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقاطعته لذلك المؤتمر، الذي يُفترض أن يكون بمثابة حدث تمهيدي لإزاحة الستار عن خطة السلام الأمريكية. وقال شابيرو إنَّ أهمية المؤتمر ستتضاءل مع وجود تشكيك في خطة المتابعة السياسية، على الرغم من أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية أعادت تأكيد عزمها على المضي قدماً.