كأنهم يتزاحمون على الموت، فالإغراء الكبير الذي يمثل تسلق أعلى جبل على وجه الأرض، والمجد الذي يصاحبه، أدى إلى واقع غريب تسلق قمة إيفرست أصبح خطيراً بسبب الازدحام.
إذ لم تعد إمكانية صعود جبل إيفرست مقصورة على صفوة الصفوة من المغامرين؛ بل إن قمته في هذه الأيام تشكل وجهة سياحية، ويزدحم الجبل أكثر فأكثر، فيما تتراجع جودة المتسلقين، حسب وصف موقع Stuff النيوزيلندي.
تسلق قمة إيفرست أصبح خطيراً بسبب الازدحام وتزايد الإقبال.. وهؤلاء آخر الضحايا
وصل إجمالي عدد الوفيات على جبل إيفرست إلى 307 حالات وفاة، بعد أن توفي 10 متسلقين بالقرب من قمته في الأسبوع الماضي.
وأُلقي اللوم في موتهم على الطوابير الطويلة من المتسلقين، الذين يتراوح عددهم بين 200 و 300 متسلق، في ظلِّ تعرُّض المتسلقين للارتفاع الشاهق لمدة أطول من الحدِّ الآمن.
في العام الماضي، بلغ إجمالي عدد المتسلقين الذين وصلوا إلى قمته 807 متسلقين.
وفي العام الحالي، كان الطقس سيئاً لأيام عديدة، مما قلَّل الأوقات المتاحة لتسلُّق الجبل عن المعتاد، لذا عندما تحسَّن الطقس كان هناك تزاحم جنوني للوصول إلى قمته.
المشكلة تكمن في منطقة الموت.. لماذا ينهار المتسلقون عليها؟
منطقة الموت يصفها متسلقو الجبال بأنها تقع على ارتفاع أكثر من ثمانية آلاف متر، حيث لا يتوفر الأكسجين بدرجة كافية في الهواء مما يسمح ببقاء البشر على قيد الحياة دون مساعدة.
وتقريباً تحدث جميع حالات الوفاة على جبل إيفرست -بخلاف حالات الوفاة التي تحدث نتيجة حوادث أو كوارث طبيعية- في منطقة الموت، لأن المتسلقين يصيرون مرهقين إرهاقاً شديداً.
يؤدي هذا إما إلى انهيار القوة البدنية عندما تتوقف الوظائف الحيوية بالجسم، أو الهذيان الذي يؤدي إلى سوء اتخاذ القرار تحت الضغوط، ويتسبب في الحوادث.
طريقان إلى القمة.. لماذا يتجنَّب غالبية المتسلقين الجانب الصيني؟
يمكن الصعود إلى قمة الجبل عبر طريقين: إما عبر سلسلة القمم الجنوبية الشرقية من نيبال أو السلسلة الشمالية من التبت. وتعتبر السلسلة الجبلية التي تمر عبر نيبال هي التي اتخذها السير إدموند هيلاري وتينسينغ نورغاي في مايو/أيار 1953، ولا يزال هذا الطريق شائعاً حتى يومنا هذا.
ويُعزى جانب من ذلك إلى اعتباره أسهل نسبياً، ويستغرق فيه المتسلقون وقتاً أقصر عند الارتفاع الشاهق، لكن السبب أيضاً في شهرته هو منح الحكومة النيبالية تصاريح للتسلق أكثر بكثير من نظيرتها الصينية، التي تسيطر على السلسلة الجبلية من جانب التبت.
الخطر ينبع من أن الجميع يمرون عبر نفس الطابور
وأحياناً يجرب المتسلقون المتمرسون الراغبون في تحدي أنفسهم طرقاً أخرى، ففضلاً عن تحدي أنفسهم يحظى هؤلاء بقدر كبير من مصداقية الشارع، عندما يمرون عبر طريق لم يجربه أحد من قبل.
"يجب على الجميع المرور عبر نفس الطابور الواحد"، وذلك لأن أشهر الطرق يمر عبر سلسلة القمم الجبلية، يضع المتسلقون المحليون حبالاً مثبتة في كل موسم ليستخدمها المتسلقون كي يسحبوا أنفسهم على طول الطريق.
ولذا إذا بدأ أحد المتسلقين في السير ببطء، بسبب آثار الارتفاع، يؤثر ذلك على جميع من خلفه.
قمامة وجثث فوق الإيفرست.. كيف أفسد الهواة أعلى قمة في العالم؟
جثث لموتى، وقمامة، وخزانات أكسجين، أصبحت تملاً أعلى جبل في العالم.
إذ تنتشر حول العالم كل عامين صور جديدة للقمامة المنتشرة على طريق إيفرست. وتتبعثر خزانات الأكسجين المهملة على وجه الجبل، ولا يزال العديد من الأجساد فوق قمته، حيث يستحيل استعادتها.
يعطي هذا علامة بارزة على مدى الازدحام الذي صارت عليه رحلة إيفرست.
فمن خلال الرحلات الإرشادية لم تعد قمة إيفرست عالماً مقصوراً على أعظم متسلقي العالم، بل يستطيع كذلك الأشخاص الذين لديهم المال واللياقة البدنية الكافية.
كما أنه لا توجد شروط لمن يتسلق الجبل الذي يزيد ارتفاعه عن 8 كيلومترات
من الناحية القانونية، لا يوجد حدّ معين من الخبرات والمؤهلات عندما يتعلق الأمر بالحصول على تصريح لتسلق جبل إيفرست، الذي يبلغ ارتفاعه 8848 متراً.
غير أن القوانين الجديدة وضعت بعض القيود، مما يعني أن المتسلقين الأجانب يجب أن يصاحبهم مرشد محلي.
ويحمل أبناء شعب الشيربا العتاد والأكسجين، وينصبون الخيام قبل وصول المتسلقين.
ويعلن المرشدون الآن أنه ليست هناك خبرة تسلق معينة ضرورية من أجل الوصول إلى قمة الجبل.
يجب على المتسلقين قضاء ثلاثة أسابيع في المخيم الموجود في الأسفل، لكي يتأقلموا قبل محاولة الصعود إلى القمة، ويحصلون خلال هذه الفترة على تدريب بالحبال والمعدات.
لماذا تحدث كثير من حالات الوفاة على بعد مئات الأمتار من القمة؟
وثمة تعقيد في العلاقة بين أبناء الشيربا والعملاء من متسلقي الجبال، خاصة أنه يتم اتخاذ قرارات خطيرة فوق الجبال.
إذ يُبلغ المتسلقون بأن عليهم أن يستمعوا إلى تعليمات المرشدين، ويعودوا إذا تطلب الأمر. وفي الوقت ذاته، يعلم أبناء الشيربا تماماً أن التخلي عن متسلق على الجبل هو بمثابة إنهاء لمسيرتهم المهنية.
الحزن الشديد قد يسيطر على المتسلقين غير المتمرسين الذين يفتقرون إلى القدرة على إدراك الخطر، إذا أُبلغوا بأن عليهم العودة وهم على بُعد بضع مئات الأمتار من القمة، بعد قطع كل هذه المسافة وإنفاق عشرات الآلاف من الدولارات.
يرفض بعضهم التراجع، ويجبرون المرشدين على خوض مواقف تحمل خطراً على حياتهم.
كم تبلغ تكلفة تسلق إيفرست للهواة؟، وما هي مكاسب المرشدين؟
تختلف كلفة تسلق قمة إيفرست باختلاف الشركات، لكن متوسط التكلفة يصل إلى حوالي 39.2 ألف دولار أمريكي، وقد تتجاوز التكلفة مع إضافة خدمات ومميزات أخرى الـ65 ألف دولار أمريكي.
يخصص أكبر مبلغ من هذا المال إلى الترخيص الذي تمنحه الحكومة، ويتكلف 11 ألف دولار. غير أن هناك بعد ذلك تكاليف التنظيف، والرسوم الطبية، والتأمين، والمرشدين، والمعدات بكل تأكيد.
رغم أنها من أخطر المهن في العالم، فإن الرجال في نيبال يأتون بأعداد كبيرة إلى المنطقة للحصول على فرصة للعمل في مجال مهنة الإرشاد إلى قمة إيفرست مع فرق التسلق.
يمكن أن يحقق أي مرشد كبير حوالي 10 آلاف دولار مع كل رحلة تسلق إلى قمة إيفرست، بل إن أي طاهٍ يصاحب بعثة ما يمكنه تحقيق حوالي ثلاثة آلاف دولار في الموسم الذي يتكون من شهرين.
ففي بلد يتجاوز فيه الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالكاد حاجز 650 دولاراً أمريكياً، ستكون مثل هذه الوظيفة مربحة للغاية، وسوف يرغب كثير من الأشخاص في تعريض حياتهم للخطر من أجل مساعدة سائح ثري من دول الغرب على التقاط أعظم صورة سيلفي على وجه الأرض.