البداية كانت من قرطاج.. متى جرت أول إبادة جماعية وتطورت لأعنف موجات التطرف في التاريخ؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/30 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/30 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
أطفال في الأحياء المخصصة لعزل اليهود في النظام النازي - صورة أرشيفية

متى بدأ التطرف؟ قبل أن نبدأ في الإجابة عن هذا السؤال، ينبغي لنا أن نتفق على معنى التطرف. يجادل البعض بأن المتطرفين هم مجرد أشخاص تختلف أفكارهم عن عموم المجتمع.

حاول العلماء تعريف التطرف على مرّ العصور، ووجدوا أن المتطرفين دائماً ما يعتقدون أن هناك ما ينبغي محاربته أو تدميره لأن طبيعته عدوانية بشكلٍ عام، أي أن المتطرفين هم من يؤمنون بضرورة التدمير حتى يتمكنوا من الوصول إلى النجاح.

وبموجب هذا التعريف وفق موقع History Extra، لو تخلت حركة متطرفة عن التزامها بالأفعال العدائية ضد الآخر، فإنها لا تعتبر متطرفة حتى لو كان المجتمع ينبذها أو يعتبرها غير منتجة.

أمثلة في تاريخ التطرف

واستناداً إلى هذا فإن أمثلة التطرف عديدة على مدار التاريخ، وواحدة من أقدم الأمثلة وأكثرها شهرة تأتي من روما القديمة، إذ انخرطت روما، بدءاً من عام 264 قبل الميلاد ولمدة قرن، في سلسلة من الحروب مع جارتها قرطاج (تونس حالياً)، رغبة في التوسع، وبنهاية تلك الحقبة، مالت الكفة لصالح روما وانتصرت في القضاء على قرطاج.

ورغم انتصار الرومان، فإن جزءاً من مجتمعهم لم يعتبر النصر كافياً في ظل استمرار وجود قرطاج، فكان السيناتور الروماني كاتو الأكبر واحداً من هؤلاء الذين تبنوا هذه الأفكار ودعوا لها، ويقال إنه كان ينهي جميع الخطابات التي يلقيها، بصرف النظر عن موضوعها، بالتحذير بأنَّ "قرطاج ينبغي تدميرها"، وهي العبارة اللاتينية الباقية إلى اليوم: Carthago delenda est.

قامت روما بتسوية قرطاج بالأرض في عام 146 قبل الميلاد بعد حصار طويل، وقتلت ما يقدر بـ 150 ألفاً من سكانها وباعت الباقين عبيداً، فيما يسميه بين كيرنان، الأستاذ بجامعة ييل "أول إبادة جماعية في التاريخ".

بدأت جماعات متطرفة تحذو حذو روما في التدمير، من بينهم واحدة من أكثر الأمثلة سيئة السُّمعة في العالم القديم كانت جماعة يهودية تعرف بـ "السيكاري"، الذين عارضوا الحكم الروماني بعنف وقتلوا بني جلدتهم من اليهود الذين تعاونوا مع الرومان.

حتى في المسيحية شُنت الحروب الصليبية وأُنشئت محاكم التفتيش لاستئصال الطوائف المخالفة باعتبارهم كفاراً، وكانت إحداهم حملة البيجنسيان (الحملة الصليبية على الكاثار) في القرن الثالث عشر، والتي محت الكاثار وهي إحدى الطوائف المسيحية في فرنسا.

وتقول الأسطورة -ومن المحتمل أن تكون غير صحيحة- إنَّ قائد القوات الرومانية الكاثوليكية نطق عبارة لاتينية لا تزال تذكر إلى اليوم: "اقتلوهم جميعاً ودعوا الرب يفرزهم".

وسواء قيلت هذه الكلمات أم لا، فإنَّ مذبحة عام 1209 أودت بحياة 20 ألفاً من الكاثار، وبنهاية الحملة الصليبية كان جميع أفراد هذه الطائفة قد ذبحوا.

التطرف في ثوبه الجديد

جاء التطرف إلى العالم الجديد مع الغزاة الإسبان الذين استعمروا الأمريكتين بدءً من القرن الـ 16. وبينما عبّر بعض الإسبان عن رعبهم من استعباد السكان الأصليين للأمريكتين وإبادتهم، فإن مفكرين إسبان وضعوا حججاً عنصرية وفكرية لتبرير هذه المذابح، مستندين إلى أن التفوق الطبيعي للإسبان يبرر استعبادهم للسكان الأصليين للقارة.

واعتبر مفكرو القرن الـ 19 أن هذه التبريرات أدت إلى تبني أمريكا للعبودية العنصرية، وهي واحدة من أكثر الممارسات المتطرفة، والتي بلغ ضحاياها ملايين الأشخاص من أصول إفريقية على مدار مئات السنين.

ومع بدايات القرن الـ 20، كان صعود أنماط جديدة وأكثر خطراً من التطرف المعادي للسامية ومع أن لمعاداة السامية تاريخاً طويلاً، فقد وصلت إلى أعلى مستويات الإبادة الجماعية في ألمانيا النازية.

قتل النازيون 6 ملايين يهودي أثناء فترة حكمهم، وملايين آخرين بما في ذلك الأشخاص المعاقين ومثليي الجنس والمدنيين السوفييت والصرب والغجر والبولنديين. وعلى الرغم من هزيمة النازيين، فإن إرثهم مستمر إلى اليوم في صورة العشرات (على الأقل) من جماعات النازيين الجدد حول العالم.

التطرف الحديث

وفي الثمانينيات ظهر التطرف الجهادي الحديث وقاد الحركة بشكل كبير تنظيم "القاعدة"، الذي جعل من التطرف العنيف همّاً عالمياً بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2011.

وزادت هذه الأولوية بصعود تنظيم "داعش" في العقد الثاني من القرن الحالي، واليوم فإن آلاف الجهاديين المتطرفين يمارسون أعمالاً عنيفة في الكثير من أنحاء العالم.

العنف في ميانمار

وفي ميانمار تمارس جماعات بوذية متطرفة أعمال عنف ضد المسلمين لاستئصال مسلمي الروهينغا، وفي الصين تتعرض عرقية الإيغور، التي تعتنق الإسلام، أيضاً لواحدة من أبشع عمليات الاضطهاد الديني ويحرمون من ممارسة كافة حقوقهم السياسية وحتى من الصوم في شهر رمضان.

واليوم، يبدو وكأن مشكلة التطرف أسوأ من أي وقت مضى، فالمتطرفون اغتالوا رؤساء فرنسيين وأمريكيين وقيصراً روسياً وملكاً إيطالياً وإمبراطورة نمساوية (من بين آخرين) أثناء نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20.

وأطلق قومي صربي الرصاصة التي يُعتقد أنها كانت بداية الحرب العالمية الأولى (باغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند)، وعاد المتطرفون الصرب للظهور مرة أخرى بقوة كارثية في التسعينيات فارتكبوا أعمال إبادة جماعية ضد مسلمي البوسنة.

وكان القتل الجماعي الإرهابي في كرايستشيرش بنيوزيلندا في 2019 مستوحًى من القومية الصربية؛ إذ نفذ إرهابي عملية قتل جماعية ضد مسلمين في مسجدين راح ضحيتهما 49 شخصاً.

مواقع التواصل.. هل تغذي التطرف؟

يرى باحثون أن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كانت سبباً في تغذية التطرف، إذ يمكن من خلالها للحركات المتطرفة أن تحظى بنجاح كبير عبر حشد الملايين من المؤيدين دون أية تكلفة، كل ما عليهم فعله هو استمالة جزء صغير من هذا الجمهور ليكون لهم تأثير عالمي كبير.

لكنها ومع ذلك سهّلت نسبياً عملية تتبع المتطرفين والقبض عليهم، إذ كان من الصعب على السلطات التي تحارب التطرف قبل الإنترنت إيجاد الإرهابيين وتتبعهم

منذ وُلد التطرف وُلدت معه حركات تحاربه وتحاول التخلص منه، وعلى الرغم من أن مسيرة التقدم في محاربته كانت ولا زالت بطيئة، فإن هناك توجهاً كبيراً للوقوف أمامه، باعتباره جريمة قد تؤدي إلى القتل.

تحميل المزيد