أثارت زيارة رئيس المجلس العسكري الحاكم في السودان الفريق الأول عبدالفتاح البرهان لمصر قلق كثير من النشطاء السودانيين، وخاصة بعدما ظهرت للعيان بعض نتائج هذه الزيارة.
كانت زيارة البرهان كاشفة لما هو معروف أصلاً بالنسبة لكثير من الناشطين السودانيين، وهو أن المجلس العسكري السوداني هو حليف للقوى العربية التي تحارب الديمقراطية، فكيف يستأمن هذا المجلس على الديمقراطية السودانية الوليدة.
زيارة البرهان لمصر طبيعية ولكنها استفزت حتى المصريين
أن تكون مصر هي المقصد الأول للرئيس المجلس العسكري السوداني فهذا أمر طبيعي نظراً للعلاقة الوثيقة والتاريخية بين البلدين.
ولكن المشكلة أنه بالنسبة لكثير من للثوار السودانيين الذي يؤمن أغلبهم بالعلاقة التاريخية بين البلدين، فإن السيسي هو قائد الثورة المضادة في العالم العربي.
الثورة المضادة التي يخشون وقوعها في بلادهم.
ولكنهم كانوا يظنون أن العسكري السوداني سيناور أو يتباطأ في إبراز علاقته بالمحور الثلاثي المصري السعودي الإماراتي، غير أنه يبدو أن العسكري السوداني لايطيق صبراً في إبراز هذه العلاقة التي يخشاها كثير من السودانيين.
ومما زاد من وطأة الزيارة كثير من التفاصيل التي كانت ذات دلالات سلبية كثيرة بالنسبة للنشطاء السودانيين.
في البدء كانت التحية العسكرية
استفزت التحية العسكرية التي أداها البرهان للسيسي الكبرياء الوطني لبعض السودانيين الذين رأوا أنه من غير اللائق أن يؤدي رئيس بلادهم حتى لو كان رئيساً مؤقتاً التحية العسكرية لرئيس دولة جارة.
في المقابل دافع البعض عن هذه التحية باعتبار أنها تحية موجهة من البرهان الذي يحمل رتبة فريق أول إلى السيسي الذي يحمل رتبة مشير.
يميل السودانيون عادة للمقارنة بين ما يحدث بين بلادهم والثورة المصرية، ويميلون للمقارنة بين البرهان والسيسي ويتندرون على التشابه بين اسميهما، ويخشى البعض من تشابه النهايات.
وفي الأحوال العادية، يمكن فهم هذه التحية باعتبارها مجاملة بسيطة من البرهان لمضيفه، ولكنها في الوقت الحالي جاءت لتعزز مخاوف النشطاء السودانيين بشأن التشابه بين عبد الفتاح السوداني والمصري.
ولكن فحوى هذه الزيارة كان ما أقلق كثيراً من السودانيين والمصريين على السواء
فقد كشف مصدر لشبكة RT الروسية، أن السيسي والبرهان وقعا اتفاقية لضبط الحدود بين البلدين ومكافحة الإرهاب.
وقال المصدر إن عبدالفتاح البرهان أكد للرئيس السيسي أنه لن يبقى على أراضي السودان أي عنصر مطلوب أمنياً لمصر.
هذه الاتفاقية فهم منها أنها قد تؤدي إلى تسليم العديد من المعارضين المصريين الذين فروا من مصر بعد إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وبينما شكل ذلك مبعث قلق لكثير من المعارضين المصريين، فإنه استفز أيضاً النشطاء السودانيين الذين رأوا أنه ليس من حق البرهان وهو يفترض أنه حاكم مؤقت توقيع مثل هذه الاتفاقيات، التي تشير إلى شيئين.
الأول: أن العلاقة بين العسكري السوداني والنظام في مصر ليست علاقة جار بجار، بل يبدو أنها علاقة استراتيجية بين النظامين.
الثاني: أن هذه مثل الاتفاقية وهذه العلاقة الوطيدة، قد تعني أن مصر بقيادة السيسي ترغب كما هو متوقع في استمرار العسكريين بالسلطة في السودان، وفي المقابل فإن العسكريين بالسودان يتساوقون مع هذه الرغبة.
ولم تكن زيارة البرهان لمصر هي الشيء الوحيد الذي استفز السودانيين.
بل كانت زيارة نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو للسعودية لها تأثير مماثل لزيارة البرهان لمصر.
من منحهم هذا التفويض؟
نحن مع السعودية في مواجهة "التهديدات والاعتداءات" الإيرانية، بهذه الكلمات عبر حميدتي عن وقوف بلاده مع الرياض عقب لقائه الجمعة 24 مايو/أيار 2019 مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
واستفز هذا التصريح كثيراً من النشطاء السودانيين، لأن هذا النوع من التصريحات لا يفترض أن يخرج من مجلس حكم انتقالي مهمته تسليم السلطة.
كما أن هذا التصريح يؤكد مخاوف كثير من النشطاء السودانيين بمدى عمق العلاقة بين المجلس والسعودية والإمارات اللتين يخشى الكثير من النشطاء أنهما لا ترغبان في حكم ديمقراطي في السودان.
ويرى مراقبون أنه في الوقت الذي تنطلق فيه كل من السعودية والإمارات، في دعمهما للمجلس العسكري السوداني، من حاجتهما للجنود السودانيين المشاركين في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، فإن مصر تنطلق من مخاوف، من نجاح تجربة نقل السلطة إلى مدنيين في السودان، واحتمال انتقال العدوى إليها.
يبدو أن الهدف هو الإجهاز على الثورة السودانية
"تمكين المجلس العسكري من البقاء في حكم البلاد" والإجهاز على الثورة السودانية، هو أكثر ما يثير قلق النشطاء السودانيين من هاتين الزيارتين.
ومما أعطى مصداقية لمخاوف الثوار السودانيين أن الزيارتين تزامنتا مع تحذير مبطن وجهه العسكري السوداني، إذ قال المتحدث باسم المجلس العسكري، شمس الدين الكباشي، في محاضرة أمام ضباط وضباط صف وجنود منطقة أمدرمان العسكرية، إن "التفاوض يسير بوتيرة ضعيفة، وإن استمر الحال هكذا ربما يفضي ذلك للكثير من الخيارات التي لا تراعي مصلحة المواطن وتحفظ السودان".
واعتبرت قوى الحرية والتغيير في السودان، زيارتي المجلس العسكري لكل من الرياض والقاهرة مؤشراً، على أن المجلس يتمدد في صلاحياته وسلطاته، مشيرة إلى أن هذه الزيارات تنذر بفتح الباب للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية السودانية، والتي تزيد من مخاوف المحتجين السودانيين على مكاسبهم الثورية.
وبعد موجة استنكار من قبل قوى الحرية والتغيير، لزيارة حميدتي إلى السعودية قال بيان للمجلس العسكري، إن الغرض من زيارة حميدتي هو "تقديم الشكر للمملكة لما قدّمته من دعم اقتصادي يؤمن متطلبات الحياة المعيشية للشعب السوداني، فضلاً عن دعمها السياسي للمجلس للمساهمة في الوصول إلى حل سريع للمشكلات".
المحتجون يلوحون بخطة سرية
قوى الحرية والتغيير لديها العديد من الخيارات التي لم تجربها بعد، هكذا رد الثوار السودانيون على تلكؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة وتحركاته للاستعانة بحلفائه الإقليميين.
فقد اعتبر العديد من قادة الاحتجاجات في السودان، أن زيارتي البرهان وحميدتي لكل من القاهرة والخرطوم، تأتيان في إطار السعي للتغلب على دعوات الإضراب العام هذا الأسبوع.
وأكد هؤلاء أيضاً على أن حركة الاحتجاج ستتواصل في السودان، مهما تمت الاستعانة بقوى إقليمية لإنهاء الثورة، وأن قوى الحرية والتغيير لديها العديد من الخيارات التي لم تجربها بعد.
ولكن المشكلة أن قوى الحرية والتغيير تبدو منقسمة أكثر من أي وقت مضى، إذ أن حزب الأمة الذي يعتقد أنه أكبر أحزاب البلاد والعضو في قوى إعلان الحرية والتغيير أعلن رفضه للإضراب العام.
وفي الوقت ذاته فإن البلاد تشهد سجالاً بين الإسلاميين واليساريين الذين يقودون الحراك ويصر كثير من قادة اليسار على استبعاد الإسلاميين الأمر الذي من شأنه إضعاف صف كل القوى غير العسكرية في مواجهة مجلس عسكري مدعوم بالقوى الإقليمية الثلاث المشهورة بمعاداتها لأي تجربة ديمقراطية.