أعلنت السعودية أنها ستؤجل مطالبة باكستان بدفع ما قيمته 9.6 مليار دولار مقابل شحنات النفط على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة؛ بهدف دعم تحالفاتها الدولية في ظل تصاعد التوتر مع إيران.
السخاء السعودي مَبعثه راحة نفسية أكثر من كونه حاجة عملية؛ فقد مضت 21 سنة منذ أن منحت السعودية، آخر مرة، باكستان إعفاءً من دفع عدة مليارات من الدولارات عندما واجهت إسلام آباد عقوبات دولية رداً على الاختبار النووي الذي أجرته حينها. فمنذ ذلك الحين وحتى الآن، ظلت إسلام آباد وطهران غير صديقتين، لكنهما ليستا عدوتين أيضاً.
الملكان السعوديان فهد بن عبدالعزيز ومن بعده عبدالله بن عبدالعزيز، فهِما منذ 1998؛ تاريخ آخر سخاء كبير لباكستان، أن إسلام آباد مهما ضاقت عليها الدنيا وتراكمت الأزمات المالية لن تتحول إلى عدوة بالنيابة لطهران.
إذاً لماذا هذه المنحة الآن؟ محمد بن سلمان في الواقع يدرك هو أيضاً ما أدركه ملكا السعودية سابقاً. لكن الحالة التي تعيشها المنطقة وتصاعُد التوتر على طرفي الخليج العربي يدفعان مرة أخرى، الدول المتنافسة إلى سياسات التحالف، والتمسك بكل قشة تطولها اليد. وفي حال خُلطت أوراق المنطقة بأكملها ربما تعيد باكستان، التي تمتلك ترسانة نووية واقتصاداً متعثراً، النظر في قائمة الأصدقاء والأعداء، وتبقى في المعسكر السعودي الأمريكي.
أليست باكستان في الحلف الأمريكي أصلاً؟ ولماذا قد تتردد إذا نشبت الحرب؟ تواجه البلاد أزمة مالية، مع نمو اقتصادي ضعيف وارتفاع التضخم وتناقص احتياطيات النقد الأجنبي التي بالكاد تكفي لتغطية شهرين من الواردات. حكومة رئيس الوزراء عمران خان توصلت إلى اتفاق مبدئي بشأن خطة إنقاذ بقيمة 6 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي هذا الشهر، لكنها تأتي مع اشتراط تنفيذ إصلاحات هيكلية قاسية.
تأجيل المدفوعات السعودية الأخيرة يأتي بعد قرار الرياض، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، منح قرض بقيمة 6 مليارات دولار لحكومة خان. نصف هذا القرض خُصص كإغاثة مؤقتة لتعزيز احتياطيات باكستان المتراجعة، في حين تم تخصيص النصف الآخر لمدفوعات النفط للعام المالي.
الصورة الأكبر: لم يكن محمد بن سلمان، الذي تعاني بلاده بسبب أسعار النفط المنخفضة وتكاليف الحرب باليمن، يتوقع أن التصعيد الذي تديره واشنطن ضد طهران سيدفع الأخيرة إلى وضع النفط السعودي في مرمى نيرانها بعد أن نفذ الحوثيون هجوماً على محطتَي ضخ لخط الأنابيب "شرق – غرب" في السعودية.
وتأتي هذه التطورات الدراماتيكية في الوقت الذي تعمل فيه السعودية على تعزيز موقعها بالمنطقة، وقبل زيارة مقررةٍ هذا الأسبوع، يقوم بها جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، لباكستان.
"إذاً، التوقيت حرج للغاية"، يقول هوما باقاي، أستاذ العلاقات الدولية بمعهد إدارة الأعمال في كراتشي. ولن يتردد محمد بن سلمان في التمسك بقشة باكستان؛ إذ إن الصراع في المنطقة معقد، والكيفية التي ستتكشف بها أحداثه لا يمكن التنبؤ بها. وتأجيل الدفع هدفه، إلى حد كبير، إبقاء باكستان ذات الاقتصاد المتأزم، في المعسكر السعودي الأمريكي، حتى لو كانت تعلن أنها ليست طرفاً في الصراع.
فباكستان أكدت أنها تلتزم الحياد في المسألة الإيرانية الأمريكية، ولن تنضم إلى أي معسكر في حال نشوب صراع. لكن المراقبين يرون أنه في حال خروج التوتر عن نطاق السيطرة، ستهرع الرياض إلى إسلام آباد لنجدتها والحصول على الدعم الأمني، فلطالما نظرت السعودية إلى باكستان على أنها جزء من شبكتها الأمنية، وضمن ذلك أسلحتها النووية.
ولأن الوضع بهذه الدقة والخطورة، فقد دخلت الإمارات على الخط أيضاً، إذ يبدو أن تأجيلاً منفصلاً لمدفوعات النفط مع الإمارات المستحقة على باكستان قد أُلغي، وفقاً لمسؤول حكومي كبير رفض توضيح سبب هذا القرار، بحسب صحيفة Financial Times البريطانية.
وتترقب باكستان أيضاً قرضاً إماراتياً بمليار دولار آخر بنهاية يونيو/حزيران 2019، وبذلك يصل إجمالي الدعم المقدَّم من الإمارات في السنة المالية الحالية إلى 3 مليارات دولار.
هذا السخاء السعودي/الإماراتي هو في الواقع عصفوران بحجر واحد، كما يذهب بعض المحللين. يقول أصفانديار مير، محلل مختص بجنوب آسيا في جامعة ستانفورد، لصحيفة "فايننشيال تايمز" إن الولايات المتحدة قد تستخدم الرياض وأبوظبي "للضغط على باكستان، للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام دائم مع طالبان في أفغانستان". ويرى مير أن باكستان قادرة بالتأكيد، على زيادة الضغط على "طالبان"، فالأوضاع لا تبدو جيدة في أفغانستان، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد من باكستان أن تفعل المزيد.