كيف بدأت القصة؟
بعد ما يقرب من 3 سنوات، عندما استخدم ترامب مصطلح "صفقة القرن" كوصف لخطته لحلِّ الصراع العربي الإسرائيلي من جذوره كما زعم، جاء الإعلان عن الخطوة العملية الأولى للخطة، وهي عبارة عن ورشة عمل اقتصادية بعنوان "السلام من أجل الازدهار" يومي 25 و26 يونيو/حزيران المقبل، في العاصمة البحرينية المنامة، برعاية الولايات المتحدة.
البحرين قالت إن المؤتمر يهدف إلى "تشجيع الاستثمار في المناطق الفلسطينية، وسرعان ما أعلنت دول عربية مثل السعودية والإمارات مشاركتها في المؤتمر أو "الورشة الاقتصادية"، واختفى الحديث إعلامياً عن القرارات الدولية التي تعتبر الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها إسرائيل في حرب 1967 أراضي محتلة، وكأن القتل والتهجير والقمع الذي يتعرَّض له الفلسطينيون منذ أكثر من قرن من الزمان يمكن الآن تجاوزه ببساطة عن طريق تحسين الظروف المعيشية لمن تبقى منهم تحت الاحتلال!
ما هو رأي أصحاب الشأن؟
لنتوقف عند أصحاب الشأن وهم قادة الشعب الفلسطيني، سواء السلطة أو الفصائل أو رجال الأعمال، فنجد إجماعا على مقاطعة مؤتمر البحرين والإجماع في الموقف الفلسطيني أمر نادر الحدوث كما نعلم جميعا.
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية أكد، الإثنين 20 مايو/أيار، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية، رفض ورشة العمل، قائلاً إن "حلَّ الصراع في فلسطين لن يكون إلا بالحل السياسي".
فيما اعتبرت حركة حماس، على لسان القيادي فيها سامي أبوزهري، أن الإصرار على عقد ورشة البحرين رغم الرفض الفلسطيني "يشكل تورطاً في صفقة القرن الأمريكية".
شطب القضية نهائياً
اللواء جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة (فتح)، عبَّر بشكل أوضح عن رفض ما يُسمى مؤتمر الازدهار الاقتصادي، معتبراً أنه جزء من مسلسل تقوده الإدارة الأمريكية، من خلال أدوات تعمل لدى اليمين الإسرائيلي، في محاولة لشطب القضية الوطنية، كقضية سياسية عبر الحديث عن اقتصاد وازدهار؛ لتثبيت ما يسمونه بالسلام الاقتصادي.
وفي حديث لإذاعة (صوت فلسطين) الرسمية، قال الرجوب: "إن ذلك لن يكون بديلاً عن حقوقنا وطموحنا في إطار الشرعية الدولية، والمبادرة العربية كأساس لإنهاء الصراع"، مشيراً إلى أنه تم إبلاغهم بشكل واضح، بأن هذا المؤتمر لم يشاورنا به أحد، ولا يُشكل أساساً لانطلاقة باتجاه حلول عادلة أو أساس لأي مشاركة من الجانب الفلسطيني.
ما هي فرص نجاح تلك الخطة؟
فترامب وفريقه منحازون بصورة غير مسبوقة لإسرائيل، وهذا واضح من قرارات نقل السفارة الأمريكية للقدس وضمّ الجولان لإسرائيل، والإعلان عن ضم معظم أراضي الضفة الغربية التي أقامت عليها إسرائيل مستوطنات إلى الدولة العبرية، فكيف يمكن قبول أن يلعبوا دور الوسيط دون توقع أن يكون هدفهم بالفعل هو تصفية ما تبقَّى من فلسطين وشعبها، إلى مسألة "تحسين مستوى المعيشة"؟
أنظمة عربية لديها هدف واحد
السؤال الآن: كيف وصل العرب إلى هذه الحالة من الضعف، وكيف ارتفع سقف الطموحات الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، بحيث أصبح الموقف الدولي برمته، والقرارات الدولية ذات الصلة تبدو عاجزة أمام كل هذا القدر من الاستخفاف؟
والإجابة واضحة، وتتجسَّد في أنظمة عربية في دول مثل مصر والسعودية والإمارات، ليس لديها سوى هدف واحد، وهو الاستمرار في الحكم، بغضِّ النظر عن الثمن، وبالتالي نرى أن الرئيس المصري وولي عهد السعودية وولي عهد أبوظبي يرون في ترامب حليفاً قوياً لهم كأشخاص، فيقبلون بكل ما يمليه عليهم، ويردِّدون ما يقوله، ويفرضون على إعلامهم أن يردِّده، وبالتالي من الطبيعي أن نجد "مؤتمر الازدهار الاقتصادي" هو النغمة السائدة، التي من المتوقع أن تصبح صراخاً يصمّ الآذان في قادم الأيام.
لكن التاريخ علَّمنا أن فرض الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يؤدي لفرض السلام والتعايش الإنساني، كما أن ذاكرة الشعوب تلفظ ما تُمليه عليها الأنظمة القمعية مهما طال الزمن، وبالتالي ستظل فلسطين هي المدخل لأي استقرار وازدهار قد تشهده منطقة الشرق الأوسط، ولكن قطعاً ليس على طريقة ترامب ومليارات السعودية والإمارات.