في البداية عندما فكّرت ناتاليا يافورسكا وزوجها في شراء منتجع لقضاء العطلات في مكانٍ أكثر دفئاً من وطنهما الأوكراني، جذبتهما جزر الكناري. جعلتهما عطلة في الأرخبيل الإسباني عام 2012 يتطلعان إلى أرضٍ على الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة تينيريفي، وبينما كان عامل الجذب الأولي هو ملاعب الغولف ومنظر المحيط، فقد أُبرمت الصفقة بسبب إضافةٍ خاصة جاءت مع الشراء.
قالت السيدة يافورسكا، وهي مصرفية سابقة تبلغ من العمر 60 عاماً من مدينة قريبة من كييف: "حقيقة أنَّ بإمكاننا الحصول على تأشيرة إقامة إسبانية عند شراء عقار كانت مهمة للغاية، وهذا جعله قراراً سهلاً".
تتيح هذه "التأشيرة الذهبية" الحق في التقدم بطلبٍ للحصول على جواز سفر إسباني، ما يسمح بدخول الاتحاد الأوروبي، وهي نوع المكافأة الذي يجذب عدداً متزايداً من المستثمرين إلى العقارات الراقية.
استراتيجية تسويق شائعة
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن إغراء المستثمرين بالحصول على التأشيرة والمواطنة، الذي كان يُنظر إليه باعتباره ممارسة مشبوهة إلى حد ما، أصبح استراتيجية تسويق شائعة، وفي بعض الحالات ناجحة بشكل كبير.
كانت السيدة يافورسكا وزوجها ألكساندر يافورسكي، الذي يملك شركة استيراد أدوية في أوكرانيا، قلقيْن حيال الاستقرار السياسي في موطنهما، ورَأَيَا في حق العيش داخل الاتحاد الأوروبي "نوعاً من التأمين".
وقالت: "يمكن أن يحدث شيء دائماً بين روسيا وأوكرانيا، لذا إذا كانت لديك فرصة للحصول على تأشيرة أو جواز سفر ثانٍ للاحتياط، فمن الغباء ألا تحصل عليه".
هناك 14 دولة على الأقل حتى الآن لديها برامج تأشيرات أو جوازات سفر للأجانب الذين يشترون عقارات، وفقاً لبحثٍ أجرته صحيفة The New York Times وشركة هينلي وشركاه، وهي شركة محاماة مقرها بريطانيا، متخصصة في مساعدة الأشخاص الذين يبحثون عن مثل هذه البرامج. ستصبح الجبل الأسود قريباً الدولة رقم 15، وتخطط جزيرة أنغويلا التابعة لبريطانيا فيما وراء البحار أن تحذو حذوها.
تجارة كبيرة
العديد من الدول، ومن بينها الولايات المتحدة و20 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، تقدم تأشيرات إقامة يمكن أن تؤدي في كثيرٍ من الأحيان للحصول على جوازات سفر للأجانب الذين يرغبون في الاستثمار في مشاريع تجارية غير عقارية. وترى هذه الدول أنَّ الاستثمارات ستدعم اقتصاداتها.
وهناك بلدان أخرى، وعلى رأسها الدول الجزرية الصغيرة في منطقة البحر الكاريبي مثل فانواتو في جنوب المحيط الهادئ، تبيع ببساطة جواز سفرٍ بأقل من 100 ألف دولار.
ويقول المحللون إنَّ عروض جوازات السفر والإقامة أصبحت تجارة كبيرة، إذ تجتذب استثماراتٍ تقدر بنحو 20 مليار دولار في السنة.
هذا النهج يغير مسار قمة أسواق العقارات، ويعيد تشكيل الموارد المالية لبعض الدول الأصغر، حيث يضخ مليارات الدولارات إلى اقتصاداتٍ في حاجة يائسة للأموال.
في الوقت نفسه تثير هذه الممارسة المخاوف في البرلمان الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي في أنحاء العالم. فهم قلقون من أنَّ هذه البرامج يمكن أن تساعد في غسيل الأموال والتهرب الضريبي وحرية حركة المجرمين والإرهابيين، وكذلك تسمح للأثرياء الروس والإيرانيين والسوريين بتجنب العقوبات الاقتصادية.
الشروط والقواعد
هناك ثمانية دول -خمس دول كاريبية صغيرة، وتركيا، وقبرص ومالطا في الاتحاد الأوروبي- تمنح جوازات سفر لمشتري العقارات، ويُطلب منهم عموماً قضاء بعض الوقت داخل حدودهم، إن طُلب.
وفي ديسمبر/كانون الأول، انضمت البرازيل إلى إمارة دبي، وست دول أوروبية، وهي قبرص واليونان ولاتفيا ومالطا والبرتغال وإسبانيا، في تمديد تأشيرات الإقامة لمشتري العقارات.
تتنوع قواعد تحويل تلك التأشيرات إلى جوازات سفر. إذ تتطلب البرتغال فترة انتظار مدتها خمس سنوات، يحتاج خلالها مقدم الطلب إلى قضاء أسبوع واحد فقط سنوياً داخل البلاد. أمَّا إسبانيا ولاتفيا فتصران على الانتظار لمدة 10 سنوات. ويطلب اللاتفيون واليونانيون اختباراتٍ صعبة في اللغة، وعدة سنوات من العيش الفعلي في البلاد، ويصر اللاتفيون على أن يتعلم المتقدمون النشيد الوطني. ولا تمنح دبي قط جنسية دولة الإمارات العربية المتحدة للأجانب.
لذا يحتاج متسوقو جوازات السفر الانتقائيون إلى دراسة الثمن والنظام الضريبي في كل بلد وسرعة بيروقراطيته: دومينيكا هي الأسرع في تسليم جواز السفر، وتركيا هي الأبطأ بين الدول التي تمنح جواز السفر مباشرةً.
ويحتاج متسوقو جوازات السفر أيضاً إلى التفكير في مقدار الوقت الذي تطلب الدولة قضاءه داخل حدودها، وعدد الدول الأخرى التي ستمنحهم إمكانية الوصول دون تأشيرة باستخدام جوازات سفرهم الجديدة. غرينادا، على سبيل المثال، تقدم جوازات سفر تتمتع بإمكانية الوصول دون تأشيرة إلى كلٍ من الصين وروسيا.
حتى الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون يبحثون عن جوازات سفر!
ويقول الخبراء إنَّ الصينيين الأثرياء هم إلى حدٍّ بعيد أكبر مشتري التأشيرات وجوازات السفر، يليهم الروس. هناك أيضاً اهتمام متزايد بين المواطنين الفرنسيين الذين يتوقون إلى تجنب ضرائب الدخل العالية، والبريطانيون الساعون بشدة للحفاظ على عضويتهم في الاتحاد الأوروبي عندما أو إذا غادرت بلادهم الاتحاد.
وعن ذلك قال بيني موسجروف، الرئيس التنفيذي لوكالة العقارات الفاخرة Quintessentially Estates: "أعتقد أنه سيكون هناك قدر كبير من النشاط بمجرد أن نعرف ما سيحدث بالفعل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
الأمريكيون مهتمون أيضاً. ففي السنوات الخمس السابقة لأبريل/نيسان 2018، تلقى 4327 من مواطني الولايات المتحدة تأشيراتٍ ذهبية في إسبانيا وحدها. ويقول الخبراء إنَّ هناك سببين لشهية الأمريكيين للحصول على جوازات سفر جديدة وتأشيرات إقامة.
أولهما أنَّ الولايات المتحدة وإريتريا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تفرضان ضريبة على أرباح مواطنيهما في جميع أنحاء العالم، حتى لو كانوا يعيشون في الخارج.
وقال أليكس مارينو، الذي يرأس واحدة من أكبر المكاتب القانونية للمغتربين في العالم بشركة Moodys Gartner Tax Law، إنَّه في الربع الأخير من عام 2016، عندما انتُخب دونالد ترامب رئيساً، كان هناك ارتفاع قياسي في عدد الأمريكيين الذين يتخلون عن جنسية الولايات المتحدة. لكنَّه أضاف أن أكبر دافع حتى الآن هو "المالية والضرائب، لا السياسة".
وقال بيتر فنسنت، وهو مدعٍ عام سابق في إدارة أوباما، ويشرف الآن على التواصل الأمني في شركة هينلي وشركاه للمحاماة، إنَّ هناك عاملاً آخر هو الأمن الشخصي.
وأوضح: "هناك بعض الأماكن في العالم التي لو أوقفت فيها سيارة الأجرة أو الحافلة التي تركبها وأنت تحمل جواز سفر أمريكي، فقد يؤدي بك ذلك إلى الموت، لذا يفضل الناس الحصول على جواز سفر ثانٍ لأسباب تتعلق بالسلامة".
وقدَّرت شركة Knight Frank البريطانية للاستشارات العقارية، التي تعمل على مستوى العالم، في أواخر العام الماضي بأنَّ 36% من الأشخاص الذين لديهم صافي أصول مالية تزيد على 30 مليون دولار يحملون جوازات سفر ثانية، مقارنةً بنسبة 34% قبل عام.
توجه ينتشر أيضاً بين الأقل ثراءً
وقال كريستيان كالين، المحامي سويسري المولد، والذي يترأس شركة هينلي وشركاه البريطانية: إنَّ هذا التوجه ينتشر أيضاً بين الأقل ثراءً.
فبالنسبة لأولئك الذين يسعون للحصول على تأشيرات إقامة أو جوازات سفر، تفرض الشركة رسوماً تبدأ من حوالي 20 ألف يورو، أو 22,500 دولار، ويمكن أن تصل إلى 500 ألف يورو لبرامج معقدة مثل تلك الموجودة في النمسا، والتي تتطلب استثماراتٍ غير عقارية لا تقل قيمتها عن 10 ملايين يورو. نمت الشركة بسرعة خلال العقد الماضي، وتوسعت إلى 30 مكتباً حول العالم.
وقال تشارلي سميث، المستشار الأوروبي في شركة Concierge Auctions في نيويورك، المتخصصة في العقارات التي تزيد قيمتها على مليوني دولار، إنَّ إغراء التأشيرة يعد أداةً تسويقية مهمة. استخدم سميث جولةً قام بها مؤخراً في الصين وسنغافورة لجذب الاهتمام إلى مزاد فيلا سان لورينزو، التي تضم تسع غرف نوم في كوينتا دو لاجو، وهو عبارة عن مجتمع مغلق في منطقة الغارف بالبرتغال. حُدِّدَ ثمن العقار مسبقاً بمبلغ 20 مليون يورو.
وأضاف أنَّه "استهدف على وجه التحديد" قواعد بيانات عملائه في الصين لبيع العقار؛ لأنَّ الصين هي أقوى سوق لبرنامج التأشيرة الذهبية في البرتغال. وخلال الشهور الاثني عشر المنتهية في فبراير/شباط، استخدم 4159 صينياً البرنامج، بزيادةٍ قدرها 30% عن العام السابق، وبفارق كبير عن البرازيل التي احتلت المرتبة الثانية بعدد 695 مستثمراً.
كيف يُعِد مسوقو العقارات خططهم لجذب المستثمرين؟
يعمل بعض المطورين العقاريين على جعل برامج الإقامة جزءاً لا يتجزأ من خططهم، حيث يحددون الأسعار والجداول الزمنية بحسب أفضل طريقة للتأهيل للحصول على التأشيرات. وعندما قامت شركة الاستشارات العقارية الفاخرة Athena Advisers بعرضٍ ترويجي للعديد من المشاريع البرتغالية في مكاتبها في لندن في مارس/آذار، أحضرت مطورين من لشبونة لعرض مشاريعهم، ومحامين لشرح كيف يمكن للاستثمارات أن تؤهل لبرنامج التأشيرة الذهبية.
وأثناء تناول الشراب والمقبلات، طرح جمهور من حوالي 20 مشترياً محتملاً أسئلة ركزت على التأشيرات الذهبية، بقدر تركيزها على عائدات تأجير واستثمار المشاريع المحتملة.
وشرح سيرجيو فيريرا، الرئيس التنفيذي لشركة التطوير Coporgest، كيف صُمم مشروعٌ من 43 شقةً وسط لشبونة للاستفادة القصوى من نظام التأشيرات.
يتضمن مشروع SottoMayor Premium ترميم مبنى من القرن التاسع عشر، حتى يمكن للمشترين التأهل للحصول على التأشيرة بمبلغ 350 ألف يورو، بدلاً من الحد الأدنى للاستثمار العادي وهو 500 ألف يورو.
وعلى نحوٍ غير معتاد، عُرضت بعض مبيعات الشقق، التي تتراوح أسعارها من 420 ألف يورو إلى 1.6 مليون يورو، ضمن حزمٍ كشركات ذات أغراضٍ خاصة تدر فوائد، مع وضع التأشيرة في الاعتبار.
بمجرد دفع المستثمر لمبلغٍ مبدئي قيمته 350 ألف يورو، تبدأ فترة الانتظار لمدة خمس سنوات للحصول على جواز سفر كامل، على الرغم من أنَّ الشقة قد لا تكتمل لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى.
أطلع جواو كوينها فاز، أحد كبار الشركاء في شركة إيدج القانونية، عملاء شركة Athena Advisers على برنامج التأشيرات والعديد من برامج خفض الضرائب التي تقدمها البرتغال، بما في ذلك خيار "الإقامة غير الدائمة"، الذي يوفر إعفاءاتٍ ضريبية لمدة عقد، وجذب مواطنين فرنسيين وأجانب آخرين.
البلد الآخر الذي طور مؤخراً برنامج تأشيرات هو البرازيل، التي شهدت في الماضي قيام العديد من مواطنيها بنقل أموالهم إلى الخارج للحصول على جوازات سفر ثانية، وتحاول الآن عكس الاتجاه.
ويقول إدوارد بارتيليمي، مدير فرع Athena في ريو دي جانيرو، إنَّ البرنامج ما زال في بدايته حتى يحقق نتائج، لكنَّه واثق من أنَّه سيجذب الاهتمام إلى العقارات الراقية.
لكن ليس الجميع سعداء بنمو برامج التأشيرات
إذ يقول المنتقدون إنَّه في الوقت الذي تجني فيه دول مثل قبرص ومالطا فوائد توزيع جوازات السفر، فإنَّ ما يعرضونه في الواقع هو الحق في العيش في أي مكانٍ في الاتحاد الأوروبي. ويقولون إنَّ مثل هذه البرامج يمكن أن تجذب الشخصيات المشبوهة.
لكنَّ آخرين يقولون إنَّ الحصول على تأشيرات عبر المعاملات العقارية يتضمن فحص السجلات الجنائية على سبيل المثال، وهي عملية أكثر تشدداً بكثير من التدقيق الذي يواجهه مليون شخص سنوياً يمنحون جوازات سفر الاتحاد الأوروبي من خلال الزواج أو لم شمل الأسرة.
وقال السيد كالين، من هينلي وشركاه: "أي شخص يمثل تهديداً أمنياً حقيقياً أو مجرم كبير لن يُخضع نفسه لهذا الفحص، لديهم طرق أخرى للحصول على جواز سفر أو الذهاب حيثما يريدون".
وهناك مزايا ضريبية في الحصول على حقوق الإقامة في دولٍ مثل أنتيغوا وقبرص ومالطا، التي تفرض ضريبة دخل قليلة على الأصول الخارجية، ولا تتطلب من المستثمر أن يعيش في البلاد لأي فترةٍ ملحوظة.
جديرٌ بالذكر أنَّ كالين كان شخصيةً محورية في تحويل تجارة جوازات السفر وتأشيرات الإقامة إلى صناعة. إذ أصبحت سانت كيتس ونيفيس أول دولة تقدم برنامجاً رسمياً لبيع جوازات السفر عام 1984، بعد عام من الاستقلال عن بريطانيا.
وقدم كالين عرضاً للحكومة لتجديد البرنامج، ثم تفاوض على اتفاقية وصول بدون تأشيرة لسانت كيتس مع منطقة الشنغن الأوروبية، التي تضم 26 دولة دون ضوابط على جوازات السفر.
كان هذا النوع من الوصول يدور في ذهن ناتاليا يافورسكا عندما اشترت هي وزوجها أرضاً في جزر الكناري. لقد وجدت في العديد من طلبات التأشيرة "تجربةً مذلة، حيث يطلبون بصمات الأصابع والفحوص الطبية، ويعاملونك كأنَّك لاجئ يحاول التسلل عبر الحدود".
وقالت: "جواز السفر لا يتطلب تأشيرة دخول إلى عددٍ كبير من الدول أفضل بكثير". بعد سانت كيتس، تابعت شركة كالين تقديم المشورة لغرينادا وأنتيغوا، حول كيفية تصميم برامجهما، وهي الآن موكلة من مالطا، وأيضاً مولدوفا، التي تبيع جوازات سفر بقيمة 140 ألف يورو بدلاً من طلب الاستثمار العقاري.
وقال كالين: "هذه البرامج كانت مهمة للغاية بالنسبة لتلك البلدان. لقد حولت الاقتصاد في سانت كيتس، وكانت مؤثرة بشدة في أنتيغوا ومالطا، وساعدت في إخراج قبرص من أزمة اقتصادية".
الحد الأدنى للاستثمار في إطار برنامج التأشيرة الذهبية في إسبانيا هو 500 ألف يورو، وهذا يمكن أن يُنفق في عملية شراء واحدة أو أكثر.
تجاوزت أسرة يافورسكي الشرط بسهولة عبر إنفاق حوالي مليون يورو على الأرض، حيث بنوا فيلا من ثلاث غرف نوم تطل على المحيط وملعب للغولف.
وقالت ماريا مورينو، مديرة المبيعات في شركة Abama Luxury Residences، وهي شركة تطوير عقاري في جزر الكناري، إنَّ التأشيرات الذهبية أصبحت أداة تسويقية قيمة لمشاريع مثل مشروعها، حيث كان آل يافورسكي أول المشترين.
وأضافت: "حوالي 25% من المشترين عندنا من خارج الاتحاد الأوروبي، معظمهم من روسيا وأوكرانيا والبرازيل والولايات المتحدة، ويتقدم أربعة من كل خمسة للحصول على تأشيراتٍ ذهبية".