جاء الهجوم الغامض الذي تعرض له عدد من السياح، والذي أُطلِق عليه هجوم المتحف المصري الكبير أو هجوم الأهرامات، في وقت شديد الحساسية بالنسبة إلى مصر.
وأسفر الهجوم عن إصابة 17 شخصاً، من بينهم 3 سياح من جنوب إفريقيا، بجراح طفيفة، إلا أنه ترك صدى كبيراً لأنه وقع بالمنطقة السياحية الأشهر في مصر وهي هضبة الأهرامات.
ومع أن هجوم الأهرامات لم يسفر عن سقوط قتلى لحسن الحظ، فإنه جاء في توقيت حساس، إذ بدأت السياحة المصرية تستعيد أنفاسها، والأسوأ أنه جاء قبل نحو شهر من تنظيم مصر حدثاً مهماً هو كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم.
كما جاء الهجوم، في وقت سجَّل فيه الجنيه المصري أفضل أداء له أمام الدولار.
فهل يمكن أن تنال تلك العمليات من السياحة التي بدأت تتحسن؟ وهل كأس الأمم الإفريقية التي كانت ستعيد الثقة بمصر هي المقصودة من هذه العملية؟
تفاصيل هجوم الأهرامات
انفجرت عبوة ناسفة بعد ظهر الأحد 20 مايو/أيار 2019، لدى مرور حافلة تقلُّ سياحاً من جنوب إفريقيا بالقرب من المتحف المصري الجديد المجاور لأهرامات الجيزة.
وتطاير زجاج الجانب الأيمن للحافلة وأصيب عديد من الركاب بجراح طفيفة. وتطاير زجاج سيارة كانت تمر بجوار الحافلة. وبلغ إجمالي عدد المصابين 17 شخصاً.
في جنوب إفريقيا، قالت وزارة الخارجية مساء الأحد، إن ثلاثة سياح من رعايا البلاد أُصيبوا ونُقلوا إلى المستشفى.
ولم تعلن أي جهةٍ مسؤوليتها عن الهجوم.
ما هو هدف الهجوم؟
هل هو الجنيه الذي حقق أفضل أداء له منذ عامين؟
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري، نهاية الأسبوع الماضي، عن تسجيل الدولار أقل مستوى أمام الجنيه منذ مطلع شهر مارس/آذار 2017، ليتراجع دون 17 جنيهاً أمام الجنيه.
وأوضحت البيانات، الأربعاء 16 مايو/أيار 2019، أن خسائر العملة الأمريكية تجاوزت 86 قرشاً منذ مطلع العام الجاري (2019).
وهبط الدولار إلى مستوى أقل من 17 جنيهاً، منذ قليل، ليسجل 16.99 جنيه للشراء و17.09 جنيه للبيع بالبنك التجاري الدولي، وبنك قطر الوطني الأهلي QNB.
وسجَّل سعر الدولار في بنك الإسكندرية مستوى 17 جنيهاً للشراء و 17.10 للبيع.
وتمثل السياحة واحداً من أهم مصادر العملة الأجنبية بمصر، ويمكن أن يؤدي تراجع السياحة إلى تأثر أداء الجنيه المصري كما حدث في مرات سابقة.
وقد يكون عرقلة السياحة والاستعدادات لافتتاح المتحف المصري الكبير
ويأتي تفجير الجيزة بعد أيام قليلة من بدء حملة ترويج للسياحة على منصات إعلامية دولية، بعدما شهد العام الماضي تعافياً تدريجياً في أعداد السائحين القادمين إلى مصر.
والمتحف الكبير الذي تبنيه مصر في منطقة التفجير مشروع ضخم يوفر مساحة كبيرة لعرض غالبية الآثار المصرية النادرة.
ويعد المتحف المصري الجديد، من بين أضخم المتاحف في العالم.
وكان وزير الآثار المصري، خالد العناني، قد أعلن أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون في الربع الأخير من عام 2020، بتكلفة مليار دولار، وأضاف أن المتحف "سيكون هدية مصر للعالم".
أم كأس الأمم الإفريقية؟
وجاء الهجوم قبل أقل من شهر من كأس الأمم الإفريقية التي تستضيفها مصر في 12 يونيو/حزيران 2019، استهدف اعتداء بقنبلةٍ حافلة سياحية بالقرب من أهرامات القاهرة.
يُفترض أن يؤدي تنظيم كأس الأمم الإفريقية إلى استعادة مصر صورة البلد المستقر الآمن، بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية.
وبحسب ما قال مصدر أمني لـ"إندبندنت عربية"، وقع الانفجار "أثناء مرور أتوبيس السياح الذي كان يقل عدداً من السياح القادمين من جنوب أفريقيا، بجوار سور المتحف الكبير بمنطقة الرماية في الهرم غرب القاهرة.
اعتداء بدائي.. والمتحف آمن
وُصفت العبوة الناسفة التي استُخدمت في الهجوم بأنها بدائية الصنع بمحيط المتحف المصري الكبير، غرب القاهرة.
وقال المصدر إن عبوة بدائية الصنع، كانت مزروعة في سور المتحف، انفجرت ما أسفر عن تهشم زجاج الأتوبيس وإصابة عدد من السياح، فضلا عن بعض الأضرار المادية التي طالت سور المتحف.
وأكدت وزارة الآثار عدم تأثر المتحف المصري الكبير بهذا الانفجار.
وقال المشرف العام على مشروع المتحف إن العمل يسير وفق الخطط المقررة سلفاً.
من نفَّذ هجوم المتحف المصري الكبير؟
بعد ساعات من الاعتداء، أعلنت وزارة الداخلية المصرية مقتل 12 من أعضاء حركة حسم، المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين، وفقاً للسلطات، في تبادل للنيران مع الشرطة التي داهمت شقتين كانوا يقيمون بهما.
ولم تشر الوزارة إلى وجود صلة مباشرة بين عملية المداهمة والهجوم على حافلة السياح في منطقة الأهرامات.
غير أنه، خلافاً لتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، لم يسبق أن تبنت حركة حسم أي اعتداءات استهدفت السياح، واستهدفت أساساً، منذ ظهورها في عام 2016، شرطيين وقضاة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، إن "منطقة الأهرامات معروفة بأنها معقل لجماعة الإخوان المسلمين، وسبق أن تبنت مجموعات مثل حسم ولواء الثورة (مجموعة أخرى يُعتقد أنها منشقة عن الإخوان) هجمات في تلك المنطقة".
غير أن حسن نافعة، وهو كذلك أستاذ للعلوم السياسية في جامعة القاهرة، قال إن "جهاز الأمن يريد أن يثبت أنه فعال وناجح (..)، فأعلن مقتل 12 من حركة حسم، ليعطي انطباعاً بأن هذه الحركة هي المسؤولة عن الاعتداء".
وتظل العملية الرئيسة ضد التنظيمات الإسلامية المسلحة هي تلك التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة في سيناء منذ فبراير/شباط 2018 ضد الفرع المصري لتنظيم "الدولة الإسلامية".
الاعتداءات السابقة ضد السياحة
وقع آخر اعتداء على السياح بمصر قبل 5 أشهر، في ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما قُتل 3 سياح فيتناميين ومرشدهم السياحي المصري إثر انفجار قنبلة بدائية عند مرور حافلة كانت تقلُّهم بالقرب من أهرامات الجيزة كذلك.
وجاء الهجوم على حافلة الفيتناميين بعد فترة طويلة من الهدوء، أعقبت مقتل امرأتين في اعتداء بالسلاح الأبيض في يوليو/تموز 2017، بمنتجع الغردقة على البحر الأحمر.
وكان أسوأ اعتداء على السياحة في مصر هو ذلك الذي استهدف طائرة سياح روس بُعيد إقلاعها من شرم الشيخ (جنوب سيناء) في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ وهو ما أدى إلى مقتل ركابها الـ224.
لماذا يرجَّح أن أثر هذا الهجوم سيكون محدوداً؟
وتشكل السياحة قطاعاً رئيساً في مصر، وتمثل قرابة 20% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، بحسب الوزيرة المسؤولة عن هذه الحقيبة رانيا المشاط.
وشهدت مصر انهياراً في قطاع السياحة عقب الثورة التي أطاحت بحسني مبارك في 2011، وأعقبها انعدام الاستقرار عدة سنوات. وانخفض عدد السياح من 14.7 مليون عام 2011 الى 5.3 مليون عام 2016.
ويبدو قطاع السياحة اليوم في آخر مراحل التعافي، إذ زار مصر 8.3 مليون سائح في عام 2017 .
ويرى حسن نافعة أن "هذا الهجوم موجَّه لـ(ضرب) السياحة والاقتصاد المصري أساساً، خصوصاً مع وجود مؤشرات على عودة السياحة، منها وصول نسبة الحجوزات (في الفنادق المصرية) إلى 60%".
وقال مصطفى كامل السيد: "لا أعتقد أن هذا الاعتداء سيكون له تأثير كبير على السياحة، لأنه حادث محدود، وأصبح من المألوف أن تقع مثل هذه الحوادث في مناطق عديدة من العالم".